أي اقتصاد يعمل به في لبنان، سواء كان اقتصاداً رأسمالياً حراً أو اشتراكياً موجّهاً أو تقليدياً أو مختلطاً، ليس في حاجة الى شركة «ماكنزي» أو غيرها من شركات الدراسات لوضع خطة، أو لتحديد نوع الاقتصاد وهويته وكيفية عمله.
الاقتصاد اللبناني يعمل بطريقة سلسة وحرّة، أحياناً من خلال الأسواق المفتوحة، وبطريقة موجهة أحياناً أخرى، من خلال وضع حمايات وضرائب على سلع وأنواع معينة تزيد من كلفتها، مقابل مثيلتها المصنوعة في لبنان، ومن خلال الإبقاء على الوكالات الحصرية وتملّك الدولة وبعض المؤسسات العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية، أو من خلال تدخل الدولة في الأسواق المالية وخلاف ذلك. وعمل الاقتصاد اللبناني بطريقة الاقتصاد الدامج بين الرأسمالية الحرة والريعية الاحتكارية هو السبب الأساسي للدخول في جفاف اقتصادي وتراجع مالي.
لذلك لا أعتقد بأننا في حاجة الى شركة «ماكنزي» لتحديد الهوية الاقتصادية المعروفة مسبقاً أو لإعداد خطة لا تفيد الاقتصاد ولا تعطي أي إضافة ملموسة. بل إننا في حاجة الى تحديث القوانين التجارية والمالية ووضع خطة لتشجيع المستثمرين الراغبين في الدخول الى الأسواق اللبنانية من خلال الإعفاءات وقوانين خاصة ترعى أعمالهم ومصالحهم.
لذلك نحن في حاجة، وبأسرع ما يمكن، الى إنشاء مديرية للتخطيط الاقتصادي العام لإعداد دراسات تنفيذية لجميع القطاعات، ومن خلالها يتم تحديد الأهداف والبدء بالعمل عليها.
ولا نعتقد بأن «ماكنزي» ستتوصل الى جديد يغني اقتصادنا، كما لا أرى أنها قادرة على وضع أكثر من تقرير يكتب بعد مقابلات عدة مع الجمعيات والهيئات التجارية والصناعية والاقتصادية والمصارف والمؤسسات السياحية وغيرها من المكوّنات اللبنانية التي تشكل القطاع الخاص، مع العلم بأن هذه المعلومات متداولة، وكل قطاع عبّر عنها علناً.
هل المطلوب من «ماكنزي» إعداد خطتها وتقريرها بناءً على الطلب (غب الطلب) لتغطية خطة موجودة أصلاً وتحتاج الى من يتبناها ويصدرها لتسهيل الأمور لبعض المستفيدين من خلال تغيير قواعد اللعبة في الاقتصاد اللبناني للانتفاع الحصري في بعض القطاعات الاقتصادية أو لغاية في نفس يعقوب؟
أضف الى ذلك أن أي دراسة شاملة لاقتصاد أي بلد مثل لبنان، لا تأخذ في الحسبان وجود ما يقارب مليوني نازح سوري يشكّلون دورة اقتصادية كاملة موازية لمنظومة الاقتصاد اللبناني، لن تستطيع مقاربة الواقع الفعلي للأرقام الدقيقة ولاقتراح حلول بنّاءة أو مفيدة في ظل هذا الواقع.
في لبنان كفاءات في الإدارة والتخطيط، تتمتع بصدقية ومعرفة علمية عالية إذا أتيح لها العمل من دون قيود وعوائق. وبعد إحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يضمّ كفاءات وأصحاب اختصاص وخبرات في كل القطاعات، سيكون من المفيد الاستعانة به، وكل ذلك من دون أي كلفة مالية على الدولة اللبنانية.
الاقتصاد اللبناني هو مسؤوليتنا والرئة التي نتنشق بها أوكسجين الحياة. وتطويره وإنعاشه يقعان على عاتقنا للارتقاء بالرفاهية والعيش الكريم لكل اللبنانيين. من هنا، لا بد من أن نرفع الصوت ونبذل الجهود للنهوض باقتصاد وطني حر من دون أي عوائق أو احتكارات أو ريوع أو توجيه، مع استحداث ضوابط لا تسمح لأي كيان تجاري أو صناعي أو مالي بالسيطرة السلبية والاحتكارية على الأسواق، وخصوصاً للسلع الأساسية والحياتية. لذلك، نعتقد بوجوب إدارة الملف الاقتصادي من قبل الدولة بشكل مباشر، وذلك بوضع السياسات العامة لأي اقتصاد وطني تريد العمل عليه.
* عضو في جمعية تجار بيروت
* عضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي