تسويق أصحاب المدارس الخاصة وبعض المرجعيات السياسية والدينية لتغطية رواتب المعلمين/ات من خزينة الدولة بدأ يحرّك جدياً روابط التعليم الرسمي والخبراء النقابيين لكونه يضع المدرسة الرسمية في خطر جدي، في دورها ووجودها، ويجهز عليها لمصلحة التعليم الخاص. المفصل الأساس للتحرك هو أنّ المدرسة الرسمية باتت، بحسب أهلها، يتيمة الأب والأم ومستباحة في غياب أي احتضان رسمي أو شعبي لها، وعليه فالتوجه الحالي يجب أن يكون المبادرة فوراً لتشكيل هيئة وطنية لحمايتها وتطويرها.
النقابي محمد قاسم أحد المبادرين لتأسيس هذه الهيئة، وهو شغل سابقاً مهمة مقرر لجنة وضع القانون 515 /1996 الناظم للموازنات المدرسية والمتعلق بأصول تحديد الأقساط المدرسية التي شكلها وزير التربية آنذاك زكي مزبودي.
تمرد المؤسسات التربوية الخاصة على قوانين الدولة ظاهرة جديدة، بحسب قاسم، تمادت خلال السنوات الست الأخيرة مع رفض تطبيق القوانين النافذة والتهرب من تحمل المسؤولية لجني المزيد من الأرباح من جهة، ولتحقيق هدف استراتيجي يسعى إليه اتحاد المؤسسات الخاصة، وفي مقدمته الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية من جهة أخرى. وهو فرض خصخصة التعليم وتحميل الدولة والأهالي أعباء التعليم الخاص لأسباب سياسية وتربوية، بما يضرب المفهوم الوطني للتربية التي يجب أن تشكل انصهاراً بين جميع اللبنانيين والذي لا تؤمنه سوى المدرسة الرسمية.
البدعة هي ما تداولته المؤسسات والمرجعيات السياسية والدينية على حد سواء، بتحميل الدولة أعباء تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب الرقم 46، لا سيما لجهة تغطية رواتب المعلمين (65% من القسط المدرسي المتعلقة بحسب القانون 515 بالرواتب والأجور وصندوق التعويضات والضمان الاجتماعي وبدل النقل). الهدف، كما يقول قاسم، هو استدراج الدولة إلى هذا الموقف لتسجيل سابقة لمرحلة لاحقة أو «تعليق الصنارة»، والمطلوب احياء المشروع القديم المسمى «الضمان التربوي» أو «البطاقة التربوية» والإجهاز على التعليم الرسمي لمصلحة التعليم الخاص تحت شعار «حرية التعليم». هذا المشروع يعود إلى نهاية الستينيات عندما طرح الأمين العام للمدارس الكاثوليكية آنذاك المونسنيور اغناطيوس مارون تولي المدارس الخاصة التعليم نيابة عن الدولة بعد تحويل موازنة وزارة التربية إليها. يذكر هنا ان المادة 10 من الدستور التي تؤكد حق الطوائف بإنشاء مدارسها الخاصة تشترط أن تسير هذه المدارس وفق الأنظمة العامة التي تضعها الدولة.

تحذير نقابة المعلمين من السكوت على تحميل الدولة أعباء السلسلة
ومع ذلك فإنّ الدولة رضخت منذ زمن بعيد لضغوط المدارس الدينية المجانية التي تتقاضى 160 مليار ليرة سنوياً.
ما يستوقف قاسم تحديداً هو عدم اتخاذ وزارة التربية، وهي الحلقة الأولى الأساسية، موقفاً حاسماً من هذا المشروع وتركه مائعاً، والمفاجأة التي طرحها رئيس الجمهورية بتحمل الدولة جزءاً من أكلاف السلسلة وكأنه يشجع على خصخصة التعليم، في حين «أننا كنا ننتظر أن يضرب بيد من حديد باتجاه الطلب من المدارس الخاصة تنفيذ القانون 46 الذي يحمل توقيعه، وقطع الطريق على التفاف أصحاب المدارس على حقوق المواطنين واستباحة أموالهم وفرض زيادات على الأقساط لا مبرر لها، وأن يطلب بحزم تفعيل أجهزة الرقابة وتفعيل دور المفتشين التربويين بتطبيق القانون 515، خصوصاً أن نسبة الزيادات التي فرضت على الأقساط المدرسية منذ آخر زيادة للرواتب في العام 1996 لامست 500%، فهل نسبة الـ65% المخصصة لرواتب المعلمين من الموازنة العامة زادت بهذه النسبة؟».
قاسم ناشد رئيس الجمهورية والمجلس النيابي «وقف هذه المسرحية وهذا التردد لدى أصحاب المدارس الخاصة في تنفيذ القانون لأنّ المدارس الخاصة خرجت عن الأصول القانونية وباتت سلطات مستقلة تفرض رأيها وتضرب بمصالح المعلمين والأهالي عرض الحائط». ونبّه نقابة المعلمين في المدارس الخاصة الى ضرورة التصدي والموقف الحازم غير المائع والمتردد وفي بعض الأحيان المسهّل لتحميل الدولة، باعتبار أن وحدة التشريع بين التعليمين الرسمي والخاص بنيت على مبدأ أن الدولة تدفع رواتب معلمي التعليم الرسمي والمدارس الخاص تدفع رواتب معلميها. أما سكوت نقابة المعلمين عن تحميل الدولة المسؤولية فسيدفع، بحسب قاسم، المدارس الرسمية ووزارة التربية للمطالبة بفصل التشريع، لأن وحدة التشريع تعني الحفاظ على المدرسة الرسمية ومعلميها وعلى المال العام والتزام المدارس الخاصة بتنفيذ القوانين.
تحميل الدولة جزءاً من أعباء المدارس الخاصة ليس بريئاً كما يؤكد قاسم، بل هو مقدمة للانقضاض على المؤسسات العامة وفي مقدمتها المدرسة الرسمية، وبالتالي يجب بتر هذا المشروع وإيقافه حتى لو اضطر الأمر للنزول إلى الشارع حماية للمدرسة الرسمية. وللغاية أجرى قاسم اتصالات بروابط التعليم الرسمي ودعاها الى التنسيق مع نقابة المعلمين ولجان الأهل الحقيقية للتحرك من أجل اسقاط المشروع، وإلا تحويل المدارس الخاصة إلى رسمية وأن تتولى وزارة التربية إدارة شؤونها ما دامت ستتحمل جزءاً من أعبائها.