أثار وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور جدلاً واسعاً قبل الأعياد حول قرار وزير الزراعة غازي زعيتر استيراد مبيدات زراعية ممنوعة بعد موافقة لجنة الأدوية الزراعية. أبو فاعور دعا النيابة العامة التمييزية الى التحرك، مؤكداً استكمال الملف حتى النهاية. لكن، حتى الآن، لم يظهر أي تحرّك جدّي من شأنه إبطال مفعول القرار.
فيما تؤكد وزارة الزراعة أن زعيتر استند في قراره الى قرارات صادرة عن وزارتي الصحة والزراعة في عهد أبو فاعور وزميله أكرم شهيب، وإلى محضر لجنة الأدوية الزراعية التي شكّلها شهيب حين كان وزيراً للزراعة بموجب القرار (1/483) بتاريخ 9 حزيران 2014. كما أن شهيّب هو نفسه من أعطى، بقرار مشترك مع أبو فاعور، فترة سماح مدة عام لاستخدام هذه الأدوية، رغم أنها مسرطنة.
بدأت الضجة حين أصدر زعيتر قراراً اعترض عليه أبو فاعور لأنه «عدّل القرار المشترك (رقم 1048/1) الصادر عن وزارتي الصحة والزراعة في 13حزيران 2016 بمنع استيراد عدد كبير من ​المبيدات الزراعية​ الى لبنان لكونها مرتبطة بمرض السرطان وتشكّل خطراً على النساء الحوامل»، واستثنى زعيتر من هذه المبيدات 18 صنفاً أعاد السماح للتجار باستيرادها. وتؤكد مصادر وزارة الزراعة أن قرار زعيتر استند الى محضر لجنة الأدوية الزراعية (رقم 23/2017) التي عقدت جلسة في 29 حزيران 2017، بحضور زعيتر ومدير الثروة الزراعية وممثلين عن العاملين في مجال استيراد الأدوية وصنعها وتوضيبها، وممثل وزارة الصحة ودائرة الصيدلة النباتية ورئيس مصلحة وقاية النبات. وباشرت اللجنة درس جدول أعمالها الذي تضمّن الموافقة على مادة فعّالة لتعقيم التربة لمصلحة شركة إيطالية (isargo)، والترخيص بتعاطي مهنة استيراد الأدوية لمصلحة شركتي "poelsan agri" و«عزام للزراعة والتجارة العامة». وبعد المداولة، قرّرت اللجنة أن «يستثنى من اللائحة الأولى المرفقة بالقرار (1048/1) الأدوية التي يثبت أنها ما زالت مسجّلة ومستعملة في إحدى الدول المصنفة مرجعية (كندا، اليابان، سويسرا، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) بحسب متطلبات التسجيل الواردة في القرار 1/310 الصادر بتاريخ 24 حزيران 2010، لتنظيم تسجيل الأدوية الزراعية والمستوردة».

زعيتر استند إلى قرارات
أصدرها أبو فاعور وشهيب
في الحكومة السابقة
كما سمحت باستيراد المبيدات المستثناة، ويطبق عليها قرار تنظيم استيراد الأدوية رقم 1/311 الصادر في 24 حزيران 2010، لجهة التحاليل المطلوبة وفقاً لمواصفات منظمة الفاو (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة)، وأحدث لائحة يصدرها مختبر كفرشيما على المواد التقنية المستوردة والمستعملة في تحضير المبيدات، سواء من بلدان مرجعية أو غير مرجعية أو المحضرة محلياً».
اللجنة التي استند زعيتر إلى محضرها هي نفسها التي شكّلها شهيب بموجب القرار 1/483 في 9 حزيران 2014، بعد موافقة مجلس الوزراء على اقتراح وزارة الزراعة تشكيلها (القرار رقم 109 بتاريخ 22 أيار 2014)، على أن يشارك في اجتماعاتها ممثّل عن وزارة البيئة من دون أن يكون له حق التصويت.
ومع أن قرار وزير الزراعة يجب أن يستند إلى محاضر اللجنة في أي قرار يتخذه بشأن الأدوية الزراعية، أصدر شهيب قراراً مشتركاً مع وزير الصحة حينها (أبو فاعور)، من دون الاستناد إلى محضر اللجنة، بل بناء على قرار تشكيلها فقط، يمنع تسجيل واستيراد وتحضير مبيدات زراعية مضرة، وأرفق القرار بلائحة ببعض أسماء هذه الأدوية. وقد نصّت المادة الأولى من هذا القرار الذي قال أبو فاعور إنه عُدل ويحمل الرقم (1048/1) على أنه اعتباراً من تاريخ صدوره (13 حزيران 2016) يصبح نافذاً بمنع استيراد هذه المبيدات. غير أن المفارقة هي في أن القرار نفسه، في مادته الخامسة، أعطى «فترة سماح أقصاها 1 حزيران 2017، ويعتبر بعد هذا التاريخ أي مبيد زراعي محدد في اللائحة المرفقة مخالفاً لأحكام هذا القرار ويلزم صاحب العلاقة إعادة تصديره الى بلد المنشأ على نفقته الخاصة عبر وزارة الزراعة»، أي أنه تمّ السماح للتجار باستعمال هذه المبيدات مدّة عام كامل، رغم كونها مسرطنة، بحسب قرار شهيب ــ أبو فاعور!
وبعد أربعة عشر يوماً فقط، وبقرار مشترك أيضاً من الوزيرين يحمل الرقم 1/1202 (صدر في 27 حزيران 2016) تم تعديل القرار السابق، ونصّت مادته الأولى على استثناء المبيدات التي وصلت إلى مرفأ بيروت والتي شحنت قبل تاريخ صدوره. وهذا يعني أن الوزيرين بدلاً من أن يعمدا الى تلف هذه المبيدات التي يقول أبو فاعور إنها ترتبط بمرض السرطان، أو إعادة تصديرها، عدّلا قرارهما الذي نص على منع استيراد المبيدات، واستثنيا بعض الأدوية التي وصلت الى مرفأ بيروت، من دون معرفة السبب!
الغريب في الأمر، بحسب مصادر وزارة الزراعة، أن وزير الصحة الحالي غسان حاصباني سبق زميله زعيتر في تعديل القرار. إلا أن أبو فاعور لم يعترض ولم يشنّ أي حملة عليه. إذ أصدر حاصباني في أيار الماضي قراراً (يحمل الرقم 1/764)، يتعلّق بتنظيم استيراد مبيدات الحشرات والقواضم المنزلية، ويستثني فيه مبيدات الحشرات والقواضم المنزلية من مفاعيل قرار شهيب وأبو فاعور ((1048/1). واللافت في قرار حاصباني أنه استثنى جميع مبيدات الحشرات المنزلية من قرار شهيب ــــ أبو فاعور. أما ما فعله زعيتر، بحسب مصادر الوزارة، فهو إعلان قرار لجنة الأدوية الزراعية التي استثنت من قرار شهيب ــ أبو فاعور الأدوية التي تُستعمل في الدول المرجعية (أي الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة...).
هذه «الصرخة» التي كتمها أبو فاعور في وجه حاصباني، وأطلقها في وجه زعيتر، فتحت «كباشاً» سياسياً بين الوزيرين وأثارت جدلاً حول خلفية الحملة، ولا سيما أن العلاقة بين الجهتين اللتين ينتميان إليهما هي في مرحلة وفاق. وتسأل مصادر وزارة الزراعة عما إذا كانت حملة أبو فاعور (الذي لم يجب على اتصالات «الأخبار») مجرّد مناكفة سياسية من دون أي دليل علمي، أم «أن التجاوزات التي كانت تحصل في عهده وعهد زميله الوزير شهيب دفعته الى التراجع»؟