ما يقوله رئيس مجلس النواب نبيه برّي ان ثمة «حركشة وتحرّشا لا افهم لماذا تعمُّد حصولها الآن، في مرحلة استقرار سياسي داخلي لم نعرف كيف وصلنا اليه اخيراً، وبات في احسن حال» بعد ازمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري.
تمسكه بالكتمان لا يحول دون تأكيد رفضه المزدوج السياق الذي مُرر اخيراً مرسوم منح ضباط دورة 1994 اقدمية سنة، في المضمون والتوقيت واسلوب الاخراج: يعارض الاقتراح في ذاته اولاً، ويعارض بحدة اكثر تجاهل توقيع وزير المال.
يقول برّي: «طبعا هناك مناصفة نحرص عليها. لكن ما نحرص عليه ايضاً هو ما اتفقنا عليه، وورد في اتفاق الطائف، القائل بأن الوظائف دون الفئة الاولى تخضع للامتحان. مَن ينجح يُقبل. الا اننا في مداولاتنا كمسؤولين استثنينا الامن من هذه القاعدة نظراً الى حساسيته، واخضعناه الى معادلة متوازنة تراعي الجميع على السواء. الامر الذي لم يُحترم» في المرسوم المشكلة.
يضيف ان الحل ليست عنده. ليس هو مَن يحل الازمة بعدما اوضح موقفه بشقيه، كي يشير الى انه ليس في صدد تسوية، ولا يطلبها من احد. احد ما اوجد المشكلة هو الذي يحلها، ويدلّ على رئيس الجمهورية.
بيد ان برّي يطرح اكثر من تساؤل: «ما يجري الآن هو تحايل على القانون وتحايل على مجلس النواب. طُرح موضوع ضباط دورة 1994 واقدمية سنة لهم للمرة الاولى في مجلس النواب. طرحه الرئيس عون قبل انتخابه في صيغة اقتراح قانون معجل مكرر. لم توافق عليه الهيئة العامة، فأحلته على اللجان النيابية المشتركة ولا يزال لديها. حينما اخفق امراره في مجلس النواب ذهبوا به الى مجلس الوزراء. طُرح هناك قبل اربعة اشهر، قبل وقت طويل من ازمة الاستقالة، ورفضته انا ووليد جنبلاط وحزب الله وآخرون. الآن عادوا به. عندما لا يمشي في مجلس النواب، ولا يمشي في مجلس الوزراء، يمشي الآن خارجه وبلا توقيع وزير المال. اكتشفه الوزير مصادفة. جيء اليه بمرسوم لتنفيذه يتناول اربعة ضباط لم يكن قد وقعه، فظهر هذا المرسوم الذي لم يطلب رئيس الحكومة نشره بعد كما اخبرني، مع انه ورئيس الجمهورية وقّعاه. القانون لا يمشي بلا نشر، والمرسوم لا يمشي بلا نشر. هل يريدون تطبيقه بلا نشر ايضاً؟».
ينفي رئيس البرلمان قول البعض ان المرسوم لا يرتب اعباء مالية. يؤكد انه «لا يرتب فحسب اعباء مالية لاحقة بل اعباء حالية، لأن سبعة من الضباط التسعة المعنيين بالمرسوم بات لهم حق في الترقية وذهبوا بها الى وزارة المال. ان شاء الله خيراً هناك».
يطرح الوجه الآخر للمشكلة. لا يقتصر اعتراضه على مضمون المرسوم في ذاته، بل ايضاً على طريقة اخراجه بتجاهل توقيع وزير المال علي حسن خليل. يقول: «قبل يومين فقط وقع وزير المال مرسوم اقدميات لضباط في الامن العام والامن الداخلي وامن الدولة. الامر الاساسي هو ان توقيع الوزير واجب وضروري، ولا يمكن الاعتداد بدستورية المرسوم من دونه. وجود سوابق مخالفة للاصول لا يبرّر اعتبارها قاعدة، بل العودة الى القواعد التي ينص عليها الدستور».

رأي لمجلس الشورى عام 1993 يلزم الوزير توقيع المرسوم

ينظر رئيس المجلس الى توقيع الوزير المختص على انه في صلب الطبيعة الدستورية للمرسوم كي يصير الى نفاذه، وفي صلب ما اتفق عليه في اتفاق الطائف في المداولات غير المعلنة اولاً ثم في الوثيقة نفسها بإيلائها ــ عند التنفيذ ــ اهمية خاصة لموقع وزير المال، على انه التوقيع الثالث الحتمي في المراسيم التي يوقعها رئيسا الجمهورية والحكومة. تعاقب وزراء شيعة على حقيبة المال ما بين عامي 1989 و1992، حتى وصول الرئيس رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة، ما اضفى على التوقيع الثالث مسحة ميثاقية، في الظاهر على الاقل، على ان امضاء وزير المال الشيعي هو مشاركة الطائفة الثالثة الكبرى في السلطة والتوقيع على الليرة.
على اثر الخلاف بين رئيسي الجمهورية والبرلمان على مرسوم ضباط دورة 1994، انبرى بعضٌ يقول بالاحتكام الى القضاء الاداري للتحقق من صواب ــ او عدم صواب ــ صدور مرسوم يخلو من توقيع الوزير المختص.
قد لا يحتاج الامر الى الاستنجاد بمجلس شورى الدولة الذي سبق ان قال كلمته في شأن مشابه، قبل نحو عقدين ونصف عقد من الزمن.
في 10 تشرين الثاني 1993 ارسل رئيس الحكومة رفيق الحريري الى مجلس شورى الدولة ــ وكان يرئسه القاضي الدكتور جوزف شاوول ــ يستطلع رأيه في مشروع مرسوم كان اعده في الاول من آب، يرمي الى تعديل مرسوم تنظيم اعمال مجلس الوزراء. في ما اقترحه الحريري الاب، ارضاء لرئيس الجمهورية الياس هراوي، تعديل المادة 28 من مرسوم تنظيم اعمال مجلس الوزراء على نحو يلزم الوزير المختص توقيع المراسيم تنفيذاً لقرارات مجلس الوزراء و«في حال تمنع احد الوزراء عن التوقيع ضمن مهلة 20 يوماً من تاريخ ايداعه مشروع المرسوم يعتبر نافذاً بلا توقيعه».
نجم استمزاج رأي مجلس الشورى عن اشكالية ضاعفت منها اجتهادات متشعبة حيال صلاحية رئيس الجمهورية عندما لا يوقّع مرسوماً في المهلة القانونية، فينفذ المرسوم اذذاك بعد انقضائها دونما العودة اليه. ذهب اجتهاد السياسيين في ذلك الحين الى ان المهلة الملزمة لرئيس الجمهورية لا تنطبق على الوزير لتوقيع المرسوم ونشره ونفاذه من ثم، بحيث يسع الوزير ــ كما رئيس مجلس الوزراء خلافاً لرئيس الجمهورية ــ وضعه في الادراج الى امد غير محدد، فلا ينفذ ما لم يقترن بتوقيعه غير المقيّد بمهلة.
اعدّ مجلس الشورى رأيه في الاشكالية تلك في 18 تشرين الثاني 1993، اورد فيه الآتي:
«(...) بما ان توقيع الوزير المختص المرسوم هو الطريقة الدستورية التي بموجبها يتولى الوزير، وفق احكام المادة 54 من الدستور، ادارة مصالح الدولة وتطبيق الانظمة والقوانين في ما يتعلق بالامور العائدة الى ادارته، عندما يكون من الواجب اصدار مرسوم لاجل ذلك. فتوقيع الوزير المختص المرسوم ليس امراً شكلياً لازماً فحسب، بل انه من المقومات الجوهرية لتكوين المرسوم الصادر. وعلى هذا فإن خلو مرسوم ما من توقيع الوزير المختص يجعل من المرسوم عملاً ادارياً باطلاً.
(...) وبما ان المرسوم هو كيان قانوني متكامل يجب ان يصدر وفاقاً للاصول الجوهرية التي حددها الدستور، كما انه يجب ان يكون توقيع الوزير المختص مرسوماً متزامناً مع توقيع رئيس الدولة قبل صدور المرسوم، ولا يمكن استدراك ذلك التوقيع بعدئذ بصورة من الصور. غير انه يمكن اصلاح العيب الشكلي الجوهري باصدار مرسوم آخر».
عندما يُلزم المرسوم الوزير المختص توقيعه، حريّ بالمسؤولين المعنيين إلزام انفسهم بعرض المرسوم على الوزير المختص لتوقيعه.