مفهوم المعارضة في لبنان ينحصر بين طرفين. الأول، جهات مُشاركة في الحكومة نفسها كـ«معارضة من الداخل». أما الثاني، فهو الأحزاب التي استُثنيت من التركيبة الحكومية، وتقول إنّها معارضة للحكومة حصراً، وليس للعهد أو النظام. أما القوى العلمانية والتغييرية في البلد، المعارضة لكلّ التركيبة الحالية، فيجري تهميشها. نجحت السلطة في تكريس فكرة لدى قسم كبير من اللبنانيين أنّ المعارضة تنحصر في أشخاصٍ وأحزاب، كانوا حتى الأمس القريب جزءاً منها، واستثنتهم التركيبة الحالية.
حين يجري الحديث عن لوائح المعارضة لخوض الانتخابات النيابية، تتجه الأنظار إلى حزب الكتائب وما يُسمّى «المجتمع المدني» والوزير السابق أشرف ريفي وبعض شخصيات 14 آذار، فيما يتم إسقاط الحزب الشيوعي، مثلاً من الحسابات.
أدى الحزب الشيوعي في السنوات الماضية دوراً أساسياً في معظم التحركات الشعبية، من «إسقاط النظام الطائفي» وهيئة التنسيق النقابية وحراك ما بعد أزمة النفايات وخوض المواجهة في الانتخابات البلديّة، وصولاً إلى المطالبة بقانون للانتخابات على أساس النسبية والدائرة الواحدة وخارج القيد الطائفي. حتّى مع تعدّد القوى والجمعيات والأحزاب «المعارضة»، بقي الحزب الشيوعي «حاجة» في وجه السلطة. نقطة قوته أنّه يملك كادراً تنظيمياً، مع برنامج عمل، وتاريخاً من المقاومة على المستويات كافة. وهو مصدر «ثقة» لفئة من الناس. تفرد بتقديم برنامج للانتخابات النيابية يتناول معظم القضايا السياسية والاقتصادية.

الهدف الأساسي هو بناء قطبية سياسية معارضة للسلطة، لإنقاذ البلد من الأزمة


إلا أنّ ذلك لا يلغي وجود رأيٍ آخر، يُقارب موضوع «الشيوعي»، من وجهة نظرٍ نقدية، تُقلّل من الفعالية التي سيظهرها الحزب في الانتخابات، «لأنّ الشيوعي غير قادرٍ وحده على إحداث أي خرق. يجب أن تعترف القيادة بحجمها الحقيقي بعيداً عن المكابرة». حزب الـ 93 عاماً، يوجّه خطاباً إلى شرائح تعود أكثر فأكثر إلى تقوقعها داخل بيئاتها المذهبية، فضلاً عن تأثرها بـ«تراكم خيبات الأمل»، نتيجة عدم تمكن التحركات الشعبية من إحداث خرقٍ ما. انطلاقاً من هنا، يبدو السؤال مشروعاً عن كيف ستخوض قيادة الوتوات (المركز الرئيسي للحزب) الانتخابات النيابية، ولا سيّما بعد تغيير قانون الانتخابات، واعتماد النسبية، وارتفاع فرصة الخرق.
بين صور قادة الحزب الشيوعي، داخل مكتبه المتواضع في الطبقة السادسة من مبنى الحزب، يقول الأمين العام لـ«الشيوعي» حنّا غريب إنّ مقاربة ملف الانتخابات «تنطلق من أزمة البلد، والنظام الطائفي، الذي هو مصدر كلّ الأزمات». يبدأ بإعادة الحديث عن أنّ «النظام السياسي الحالي عاجز عن بناء دولة قادرة على أن تُشكل إطاراً ناظماً لمعالجة المشاكل. والسلطة أضعفت دور الدولة، وأهملت الخدمات الاجتماعية، وضربت الاقتصاد، مُعزّزةً دور القطاعات الريعية». لذلك يسأل غريب: «كيف للشعب والمقاومة أن ينتصرا على الاحتلال الصهيوني وعلى الإرهاب، وهما غير قادرين على التخلّص من أزمة النفايات، وتأمين الكهرباء والمياه وسائر الخدمات العامة؟ تحرير الأرض يرتبط بتغيير النظام الطائفي والسلطة، لنحافظ على الإنجازات ونبني دولة تليق بدماء الشهداء وتضحياتهم». قد يكون ما يقوله أستاذ الكيمياء صحيحاً، ولكن فئة كبيرة لا تتفاعل معه، وعدد الذين يُشاركون في التحركات لم يتعدّ الآلاف. «غير صحيح» يردّ الأمين العام، مُشدداً على أنّه «لا يجب التقليل من قيمة التحركات الشعبية التي حصلت في الشارع». برأيه أنّ إنجازاً تحقق، مثلاً، في ما خصّ قانون الانتخابات، «صحيح أنّ كل الفئات التي تحركت لم تكن موحدة حول سقف النسبية الذي تريده في القانون، لكن جميعها طالبت بالنسبية».
حالة الاعتراض «جدّية وكبيرة. السؤال هو كيف نبني على هذه التحركات؟». البداية ستكون من خلال «تجميع صفوف مكونات حالة الاعتراض الديموقراطي، والتوحّد بمواجهة قوى السلطة الفاسدة. هذا واجبنا كشيوعيين ويساريين وديموقراطيين ومستقلين عن السلطة وقوى شعبية». هناك إدراك بأنّ المعركة صعبة، واحتمال أن لا ينجح أحد من المرشحين على هذه اللوائح، التي بالمناسبة لا تشمل أحزاباً وقوى طائفية تطرح نفسها كمعارضة مثل حزب الكتائب. يقول غريب إنّ «الهدف الأساسي هو بناء قطبية سياسية ديموقراطية معارضة للسلطة، ليس من أجل خوض الانتخابات فحسب، بل لإنقاذ البلد من الأزمة. إذا نجح أحد المرشحين فسيُساعد بالتأكيد. لكن الأهمية تكمن في إنتاج قيادة موحدة، لطالما طالب الناس بها». الحوار والنقاش بين هذه القوى، النقابية والشبابية والنسائية والحزبية وهيئات «المجتمع المدني»، من أجل «إنتاج برنامج مشترك، وقد قطعنا شوطاً مُهماً بهذا المجال».
التحضير للانتخابات النيابية بدأ من خلال إجراء تقويم في المناطق لتبيان مكامن الخلل. لم يكتمل التقويم بعد، لكن بحسب المعلومات، منطقة البقاع الأوسط «صعبة»، ومن الأرجح أن يكون هناك ترشيحات في دوائر الجنوب وبعلبك ــ الهرمل وبيروت الثانية وعكار والشوف ــ عاليه، بشكل أساسي، فضلاً عن تشكيل الماكينة الانتخابية التي تضم، إضافةً إلى المتخصصين، خبراء انتخابيين. كما أنّه انطلقت دورة لتدريب الشيوعيين على قانون الانتخابات، وشرحه.
في مقابل التحضير لخوض الانتخابات النيابية ضمن ائتلاف عريض، حصل نقاش داخل اللجنة المركزية للحزب حول المشاركة في «النيابية» أو مقاطعتها. أبرز المدافعين عن المقاطعة هو الأمين العام السابق خالد حدادة. وتقول المصادر إنّ الأخير «يعتبر قانون النسبية وفق 15 دائرة مشوهاً، ويجب أن نقود معركة سياسية في الشارع، علماً بأنّ الدكتور خالد وافق سابقاً على أن يُشارك الشيوعي في الانتخابات وفق النظام الأكثري، وتلقينا في حينه خسارة قاسية أثّرت سلباً على صورة الحزب». يتمنى غريب أن لا يُثار نقاشٌ حول هذا الأمر، مؤكداً أنّ «الشيوعي لا يُمكن أن ينسحب من دوره في خوض المعركة الانتخابية ولا يجب أن نترك هذا الموقع، قرار الحزب هو في استكمال المواجهة».