النزاعات، على خلفيات عشائرية أو عائلية أو على تحديد الأراضي، أمر معتاد في البقاع. لكن، خلال خمس سنوات، ستكون المياه سبباً جديداً للنزاعات في هذه المنطقة المهدّدة بالتصحر بسبب شحّ هذا المورد الطبيعي.
وبحسب دراسة أعدتها الجامعة الأميركية بالتعاون مع السفارة السويسرية في لبنان، تحت عنوان «التفاعلات المتصلة بالموارد المائية في منطقة البقاع»، فإن البقاع الأوسط هو المنطقة الأكثر عرضة للنزاعات مستقبلاً، بسبب الضغط على المياه الجوفية. وصُنّفت كل من بلدات: يونين، نحلة، بر الياس، قاع الريم، راشيا، الطفيل والقرعون «مناطق هشّة» بسبب النمو السكاني والعمراني المستنزف للمياه. فيما وضعت كل من: بعلبك، أبلح، إيعات وتربل... ضمن خانة «المناطق الساخنة» التي تشهد نمواً سكانياً متزايداً ضاغطاً يضاف الى التدفق الطارئ للنازحين السوريين.
وحذّرت الدراسة التي عُرضت أمس في قاعة عصام فارس في الجامعة الأميركية، بحضور رؤساء بلديات واتحادات بلديات في البقاع ومهتمين، من التصحر القادم إلى المنطقة إذا لم تُرسم خطط حقيقية واستراتيجية لتفادي أسباب أزمة شح المياه.

المياه مسؤولية مصلحة مياه البقاع والبلديات تديرها، مضطرة، بارتجال



شح المياه وسوء إدارتها وتوزيعها يعودان إلى عوامل عدة فصّلتها الدراسة عبر خرائط عرضت للمناطق التي تمتلك شبكة لمياه الشفة وتلك التي تفتقدها، وحجم شبكات الصرف الصحي (في بعض المناطق) وعمرها، وغياب معامل التكرير، وتخزين المياه، والاعتماد على الآبار الجوفية. ولفتت الدراسة الى أن ازدياد النمو السكاني والعمراني في القرى البقاعية، وتدفق النازحين السوريين، أديا الى ارتفاع الطلب على المياه السطحية والجوفية، وإلى استهلاكها بشكل غير مسبوق. وبحسب الباحثة جاسمين القارح، فقد أثّر الوجود السوري على نوعية المياه لعدم وجود شبكات لمياه الشفة أو للصرف الصحي في المخيمات «التي تحوّل الصرف الصحي إلى الليطاني». كما أن كثيراً من البلدات البقاعية تفتقر الى شبكات الصرف الصحي وتحوّل المياه الآسنة إلى مجاري الأنهر مباشرة، أو تتخلّص منها في «جور صحية» تُحفر في أماكن عشوائية ويؤدي تسربها في الأرض إلى تلويث المياه الجوفية. أما حيث توجد هذه الشبكات، فإن عمرها يزيد على 40 سنة.
سوء أداء مؤسسة المياه في البقاع أخذ حيزاً واسعاً من النقاش، إذ إن «مصلحة إدارة المياه في البقاع لا تعلم بالضبط أين هي المشاكل، ولا تتدخل في حلها، تاركة الأمر على عاتق البلديات»، كما أكد كثيرون، علماً بأن إدارة المياه وتأمينها يقعان، قانونياً، على عاتق مصلحة مياه البقاع، فيما يقتصر دور البلديات على دعوة المواطنين لدفع رسوم الجباية. أما في الواقع، فإن البلديات ــــ رغم عدم أهليتها التقنية والمادية ــــ هي من تدير هذا الملف، مضطرة، بسبب تقصير المؤسسة، إلى تلبية حاجات المواطنين. وغالباً ما يأتي «العلاج البلدي» مرتجلاً من دون دراسات علمية لكيفية إدارة هذا المورد المهم وترشيد استخدامه. وينتج من ذلك الكثير من المشاكل.، لكن «شو جبرك على المر غير الأمرّ منه» على حد تعبير أحد رؤساء البلديات!
تقصير مصلحة مياه البقاع عزاه حاضرون أيضاً إلى «النقص في الاشتراكات، إذ إن 40 في المئة فقط من البقاعيين مشتركون في شبكة المصلحة، و30 في المئة منهم فقط يدفعون الرسوم، بينما البلديات لا تساعد في الجباية».
ويبقى جزء من المسؤولية على عاتق وزارة الطاقة والمياه في العمل مع إدارة المياه في البقاع لتفعيل الجباية وحماية شبكة المياه من التعديات والسرقات، ولجم الاستخدام العشوائي، وخصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة عناصر عشائرية. لكن الدولة، كعادتها، تقول للمواطن: «دبّر حالك»، بحسب الدكتور نديم فرج الله الذي حمّل المسؤولية أيضاً للبلديات، «حيث المناكفات السياسية تلعب دورها، بالإضافة إلى التدخل السلبي غالباً للأحزاب في خدمة منطقة وترك أخرى، كما إلى المواطن الذي لا يتورّع عن جلب الواسطات لحفر الآبار أو التعدي على شبكة المياه وعدم دفع الرسوم».
لم يغب عن النقاش نهر الليطاني الذي كان في ما مضى شريان حياة، وصار اليوم عنواناً للموت. فيما حذّر رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر من خطر محدق بنهر العاصي الذي «بدأ التلوث يغزوه منذ 3 سنوات».
رؤساء البلديات، من جهتهم، احتجوا على تحميلهم مسؤولية ما هو فوق طاقتهم، مؤكدين أن البقاع كله، بشماله ووسطه وغربه، معرض للخطر، «وعلى المنظمات الدولية والجهات المانحة ألا تستثني أي منطقة من الحلول المزمع بدؤها كي لا يقع المحظور»، بحسب تعبير أحدهم.