لا ينطوي قرار وزير الاتصالات جمال الجراح (رقم 365/1 تاريخ 11/5/2017) الذي أجاز بموجبه لشركة «غلوبال داتا سيرفيسز» تمديد شبكة ألياف بصريّة خاصّة بها واستعمال المسالك العامة على خسائر مالية ومادية وحسب، بل يتعداها إلى مجموعة من المخالفات الدستورية والقانونية. فالوزير لم يستند إلى المرسوم الوزاري (رقم 9288 صادر عام 1996) المنتهي الصلاحية فقط، إذ إن الترخيص المعطى بموجب هذا المرسوم مُنح لشركة أخرى ولم يُجدَّد العقد معها، بل استكمل مخالفته بتوسيع مروحة الخدمات، التي لم ينص عليها المرسوم القديم أساساً.
كل هذه المخالفات والتجاوزات وثّقتها مطالعة قانونية أجراها عدد من المحامين والقضاة السابقين، تؤكّد أن الجراح لم يراعِ الأصول القانونية، مخالفاً عدداً من المراسيم والقوانين ومواد دستورية، ما يقضي ببطلان مفعول قراره. وهي مطالعة ستُناقَش في جلسة لجنة الاتصالات المقبلة.
أول مخالفة للجراح بحسب المطالعة طاولت المرسوم رقم 9288، الذي نصّ على الترخيص مدّة خمس سنوات، تتجدّد سنة فسنة، بقرار يصدر عن وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، ليس لشركة «جي دي أس»، بل لشركة «داتاسات»، لإقامة وإدارة واستثمار شبكة لاسلكية لنقل المعلومات فقط. وقد استندت المطالعة إلى هذا المرسوم لتأكيد «انعدام وبطلان القرار الإداري»، وشرحت ذلك في بنود خمسة:
الأول يتعلق بمنح الترخيص عام 1996، لشركة «داتاسات»، لا لشركة «جي دي أس». علماً بأن الأخيرة استندت في طلبها الذي قدمته إلى الجراح العام الجاري إلى الترخيص الممنوح قبل 21 عاماً، بعد أن صرحت بأن اسمها كان «داتاسات». فكيف تمنح الشركة الترخيص، علماً أن المرسوم ينص على أن الترخيص صالح لمدة خمس سنوات من تاريخ صدوره، أي إن صلاحيته انتهت عام 2001؟ وهذه المدّة، بحسب البند الثاني من الدائرة، «لم يتمّ تجديدها بعد هذا التاريخ بأيّ قرار صادر عن وزير الاتصالات».
أما البند الثالث فيتحدث عن موانع تجديد الترخيص. المطالعة استفادت من المادة الأولى من المرسوم ذاته، التي تقول «بمنع تجديد الترخيص الممنوح لشركة داتاسات عندما تنشئ دوائر المواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية في القطاع العامة شبكة خاصة بها تستطيع تأمين جميع الخدمات التي تؤمنها شركة داتاسات. وحيث أن الوزارة قد أنشأت منذ مدّة طويلة (قبل عام 2007) شبكات عامة لنقل المعلومات، فإنه لا يجوز للوزير تجديد الترخيص، ولا يجوز له توسيع مروحة خدماته».

الجراح لم يراعِ
الأصول القانونية وخالف عدداً من المراسيم


وتشير المطالعة في البند الرابع إلى أن الترخيص «ممنوح لإقامة واستثمار شبكة لاسلكية وليس لإنشاء شبكة سلكية مؤلفة من ألياف ضوئية»، فيما قرار الجراح يرخّص لشركة «جي دي أس» إنشاء شبكة ألياف بصرية عبر تمديد الألياف في المسالك الهاتفية المحلية وتركيب أجهزة محدّدة، الأمر الذي يخرج عن دائرة حدود الترخيص.
خامساً، إن الترخيص الممنوح لشركة «داتاسات»، يسمح بنقل المعلومات فقط، وليس نقل وتقديم خدمات الإنترنت، فيما ترخيص «جي دي أي» يقضي بأن تتعهّد الأخيرة «بمعاملة جميع مقدّمي خدمات الإنترنت المرخصين أصولاً» من قبل الوزارة والراغبين باستعمال هذه الشبكة بالتساوي بينهم.
ليس هذا المرسوم هو وحده الذي خالفه وزير الاتصالات. تنسحب المخالفة بحسب المطالعة أيضاً على المرسوم رقم 4328 الصادر عام 2000، باعتبار أن قرار الجراح منح ترخيصاً بتمديد ألياف بصرية في المسالك العائدة للشبكة المحلية للوزراة، في حين أن الترخيص بحسب المرسوم المذكور لا يتخطّى الحق باستخدام السلك النحاسي العائدة للشبكة المحلية للوزارة لنقل المعلومات.
كذلك لم يسلم المرسوم رقم 144/s عام 1925 من المخالفة. فقد أجاز الوزير لشركة «جي دي أس» إنشاء شبكة ألياف بصرية عبر تمديد هذه الألياف في المسالك الهاتفية المحلية وتركيب أجهزة محدّدة. علماً أن هذا المرسوم «يسمح للسلطة المعنية بالترخيص بأشغال المسالك الهاتفية المحلية، وهي من الأملاك العمومية في مجلس الوزراء وليس الوزارة». وبذلك، يُعتبر قرار الجراح حالة واضحة من حالات اغتصاب السلطة، لأنه منح الإذن بذلك منفرداً.
وقد شكّل القرار أيضاً مخالفة للمرسوم الاشتراعي رقم 126 (1959) الذي «يحصر بوزارة البريد والبرق والهاتف حق إنشاء شبكات المواصلات السلكية واللاسلكية وإدارتها وصيانتها واستثمارها وتأجير الاتصالات وجميع انواع التأسيسات والأجهزة المعدة لتبادل المخابرات البرقية في الأراضي اللبنانية بجميع الوسائل المعروفة».
ومن جملة المخالفات التي اقترفها الجراح، مخالفة أحكام القانون 431 (عام 2002)، لأن قرار الجراح منح الشركة حق استخدام شبكة الخطوط العائدة ملكيتها للدولة، مع أن المادة 19 من القانون المذكور يؤكّد أن ذلك يجب أن يتمّ بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الاتصالات.
وإضافة إلى كل ما تقدّم، تشير المطالعة إلى مخالفة دستورية ارتكبها الجراح، لجهة منحه «امتيازاً لشركة «جي دي اس» مدى الحياة، فيما تنص المادة 89 من الدستور على أنه «لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود». وبذلك، تكون الجهة المختصة بإعطاء هذا الامتياز هي مجلس النواب، وبموجب قانون، وإلى زمن محدود.
استناداً إلى ما سبق تقول المُطالعة إن مخالفة هذه المراسيم والقوانين والمواد الدستورية تجعل من قرار الجراح مُنعدماً، معتبرة أن الأسباب الجدية والمهمة لبطلان القرار تعود إلى أنه «سيُلحق بالمالية العامة والاقتصاد الوطني ضرراً كبيراً». فهو سيؤدي إلى «تفريغ شركة (liban telecom) من جدواها الاقتصادية». إذ إن القرار غير المحدّد بمدة معينة أو ببقعة جغرافية أو بطبيعة الخدمة، ويعطي ترخيصاً وحقاً مدى الحياة يجعل من شركة «جي دي أس»، مخولة بتمديد الألياف البصرية في المسالك الهاتفية على امتداد الوطن، ولأجل غير مسمى، وتقديم كافة أنواع الخدمات، الأمر الذي سيؤدي خلال مهلة زمنية قصيرة إلى استحواذها على سوق تقديم الخدمات منفردة. ما يعني أن «ليبان تلكوم» ستنافس على بقايا سوق سيطرت عليه الشركة الخاصة. بل وأكثر من ذلك فإن نسبة الأربعين في المئة من أسهم «ليبان تيليكوم» التي من المفترض بيعها خلال مهلة سنتين من تاريخ إنشائها لمستثمر من القطاع الخاص ستكون بقيمة زهيدة، والأرجح أن ما من مستثمر سيقدم على تملّك أسهم في شركة لا تحوز قسماً مهماً من السوق اللبناني، وهذا الواقع يقضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه من قبل الاتحاد العمالي العام ونقابة العاملين في هيئة «أوجيرو».