خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أمس، يلاقي في شقّ كبيرٍ منه الجهود الرامية إلى «طمأنة» رئيس الحكومة سعد الحريري، وتشكيل سدّ داخلي بوجه التدخلات والتهديدات السعودية. أكثر من بابٍ لـ«النأي بالنفس» فتحه نصرالله، ولا سيّما في إعلان قرب موعد خروج كوادر الحزب من العراق بعد الانتصار على «داعش»، وفي تأكيده أن الحزب لم يرسل أي سلاح إلى أي دولة عربية، باستثناء فلسطين المحتلة. إلا أنّ ذلك، لم يؤثر في لهجة حزب الله ضدّ المملكة الوهابية «راعية داعش».
ظهر نصرالله أمس كمن «يُسلِّف» الحريري موقفاً في ما خصّ «النأي بالنفس». وقد تُرجم ذلك، حين قال نصرالله إنّه بعد تحرير راوة، آخر مدينة وآخر قضاء في العراق من «داعش»، وبانتظار أن تُعلن الحكومة العراقية النصر النهائي، «وعلى ضوء التطور الميداني العراقي، سنقوم بمراجعة للموقف. إذا وجدنا أنّ الأمر أُنجز، ولم يعد هناك حاجة للقادة والمدربين والخبراء من حزب الله، سيعودون للاتحاق بأي ساحة أخرى». وأضاف: «بالنسبة إلى حزب الله، فإن المهمة أنجِزت في العراق». وكان نصرالله واضحاً بأنّ كلامه «لا علاقة له ببيان وزراء الخارجية العرب. داعش لحقت بها الهزيمة المطلوبة ولا حاجة لوجود هذا العدد من المجاهدين والكوادر».
النقطة الثانية التي شكّلت باباً للحوار مع الحريري، هي الملّف اليمني. فقد ردّ نصرالله على اتهامات وزراء الخارجية العرب، بالنفي «بشكل قاطعٍ أي علاقة، لحزب الله اللبناني بالصاروخ الباليستي، والصواريخ السابقة، والصواريخ التي ستُطلق لاحقاً».

مهمة حزب الله
أُنجِزت في العراق...
ولا نرسل أي سلاح
إلى اليمن

وتحميل حزب الله مسؤولية دعم الإرهاب في الدول العربية، «كلام تافه وضعيف، ولا يستند إلى أي دليل»، مؤكداً أنّه «لم نُرسل لا إلى اليمن أو البحرين أو الكويت أو العراق، لا صواريخ باليستية ولا أسلحة متطورة، ولا حتى مُسدساً. هناك بلدان أرسلنا أسلحة إليها: فلسطين المحتلة التي لنا شرف نقل صواريخ إليها، كصواريخ الكورنيت إلى قطاع غزة، ومن يديننا هو مُدان بتقصيره. وفي سوريا، السلاح الذي نُقاتل به».
من المفترض أن يُخفف نصرالله الإحراج المُلقى على الحريري من قبل السعودية، خاصة أنّه كرّر قوله بأنّه «ننتظر عودة رئيس الحكومة، الذي لا يزال غير مستقيل بالنسبة إلينا. ونحن منفتحون على كلّ حوار ونقاش».
وعلّق نصرالله على اجتماع وزراء الخارجية العرب الذين «اجتمعوا ليدينوا إطلاق صاروخ على السعودية. ولكن أسأل: أليس اليمن وشعبه عربياً؟ ألم يخطر في بال أحد ، بمعزل عمّن يتحمل المسؤولية، أنّ هناك حرباً شعواء على دولة عربية. السلاح والقذائف والصواريخ السعودية تقصف اليمن يومياً. وهناك عشرات آلاف الشهداء، ومئات الآلاف مصابين بالكوليرا، وخلال أسابيع سيكون الملايين عرضة للموت، مع انتهاء المؤن. هؤلاء ليسوا عرباً؟ أنتم لستم بشراً؟».
وفي نظره، «كان لافتاً توقيت اجتماع القاهرة في الوقت نفسه الذي نطرد فيه داعش من البوكمال، فيأتي هؤلاء لوصف حزب الله بأنّه منظمة إرهابية، وإيران بأنها راعية الإرهاب. ماذا فعلتم أنتم في الحرب ضدّ داعش؟ في الحقيقة، إنّ مسار الاتهام لحزب الله ولأنصار الله ولإيران هو أميركي. كلّ الذين أفشلوا المشروع الأميركي في المنطقة سيُعاقبون.
وأكد أن المقاومة «عامل أساسي للأمن والاستقرار. إذا حريصون عليه، يُمكنكم أن تساعدوا بأن تحلّوا عن لبنان. لا تتدخلوا في شؤونه، كالتدخل الفظّ والسافر قبل أسبوعين، ولا ترسلوا القاعدة وغيرها ممن ربيتموهم في مدارس الوهابية، ولا تُحرّضوا إسرائيل على ضرب لبنان. هناك في لبنان دولة، ورئيس جمهورية، ورئيس مجلس نواب، وإن شاء الله ستبقى هناك حكومة، وإرادة شعبية بعدم العودة إلى أي شكل من أشكال التقاتل الداخلي». ووجه الشكر إلى «الدولة اللبنانية، والجهد الخاص الذي قام به الوزير جبران باسيل، وموقف الإخوة في العراق، وكلّ من يُدافع عن المدافعين عن كرامة العرب».
من ناحية أخرى، تناول نصرالله معركة البوكمال في سوريا، فقال إنّنا «أمام إنجاز عسكري كبير جداً في كلّ المعايير. أهمية الموضوع، أنّ البوكمال هي آخر مدينة تُسيطر عليها داعش في سوريا والعراق. ومنطقة حدودية، ومعبر الوصل بين سوريا والعراق». بعد البوكمال، بات بالإمكان إعلان «انتهاء دولة الخرافة المزعومة، كبنية. ولكن كفكر وجماعات وهابية لداعش، فهم موجودون». وقدّم نصرالله معلوماتٍ عن تأمين القوات الأميركية «غطاءً جوياً لداعش في منطقة شرقي نهر الفرات، وتسهيلات لهروب العناصر».
وبعد الشائعات الأميركية والإسرائيلية عن اتفاق على انسحاب إيران وحلفائها من سوريا، كان لافتاً كلام نصرالله عن كلّ القوات التي ساهمت في تحرير البوكمال السورية من سيطرة تنظيم «داعش»، وخص بالذكر «الجيش العربي السوري والتشكيلات الشعبية السورية، وفصائل المقاومة العراقية، والإخوة في لواء فاطميون وزينبيون، وحرس الثورة الإيراني»، إضافة إلى القوات الجوية الروسية. أضاف نصرالله: «أتوجه بالشكر الجزيل إلى قائد قوة القدس في حرس الثورة الإسلامية الإيرانية اللواء قاسم سليماني»، الذي كان موجوداً «في الكثير من المعارك». وفي آخر هذه المعارك في البوكمال، حضر سليماني، «في الخطوط الأمامية، وكان يوجّه القادة ويتابع كلّ التفاصيل». وأكدّ نصرالله أنّ «من واجبنا نحن شعوب هذه المنطقة، أن نتوجه بالشكر إلى الإخوة في إيران، وإلى الحاج قاسم سليماني، الذي سيُسجل التاريخ اسمه. هذا أقل الواجب، لأنّ الجمهورية الإسلامية هي التي وقفت إلى جانب العراق وسوريا ولبنان، في مواجهة داعش».
(الأخبار)