لم يعد وزير الاتصالات جمال الجرّاح يجد غير الصّراخ والتهويل، للردّ على الحملة الوطنية التي قادتها لجنة الاتصالات النيابية، لاسترداد حق الدولة في قطاع الاتصالات وحماية هيئة «أوجيرو». فمنذ أشهر، أصدر الوزير قرارين بإعطاء تراخيص لشركتي «جي دي اس» و«وايفز» لمدّ شبكات ألياف ضوئية.
وهذه الشبكات ستنقل قطاع الاتصالات في لبنان إلى مستوى جديد من التطور، لجهة السعات والسرعة والأمان. وهي بمثابة منجم لا ينضب، كانت إيراداته ستصبّ في خزينة الدولة. ورغم أن هيئة «أوجيرو» بدأت تنفيذ المشروع، وأنجزت البنى التحتية اللازمة له، وكانت إيراداته ستذهب كاملة إلى الدولة اللبنانية، فإن الجراح منح شركة «جي دي اس» 80% من عائدات أعمالها التي ستستغل منشآت الدولة (مقابل 20 للدولة). كذلك منح الوزير شركة «وايفز» 60% من عائدات أعمالها في الملك العام، مستنداً إلى مرسومٍ قديم صادر قبل 21 عاماً، ومن المفترض أنه سقط بعد صدور قانون تنظيم قطاع الاتصالات. غير أن قرارَي الوزير، اللذين لا يؤدّيان إلّا إلى ضرب «أوجيرو» وقطاع الاتصالات اللبناني لمصلحة الشركات الخاصّة، يواجهان طعنين أمام مجلس شورى الدولة لإلغائهما. وفي هذه الأثناء، تكشّفت فضيحة جديدة حول ما يقوم به الجرّاح من إعطاء «جي دي اس» مواد ومستلزمات تملكها الدولة اللبنانية، من دون مقابل، ومن دون آلية قانونية تكفل ذلك. وبعدما كشفت «الأخبار» هذه الفضيحة، أبدت لجنة الاتصالات النيابية اهتماماً كبيراً بالقضية، من ضمن مهماتها في العمل الرقابي والحفاظ على الملك العام. واستحصل النّواب على معلومات جديدة تفضح ممارسات الجرّاح، ما دفع النيابة العامة المالية للتحرّك والتحقيق في الأمر، وصولاً إلى استدعاء الجراح للاستماع إليه، والتي كانت أصلاً في أجواء أزمة «أوجيرو» بعدما اتهم الجرّاح نفسه مديرَ الهيئة، عماد كريدية، بهدر المال العام واستغلال الوظيفة. ووردت اتهامات الجراح في كتاب رسمي بعث به إلى كريدية يوم 26 تشرين الأول الماضي، قبل أن يتراجع عن اتهاماته بضغط من الرئيس سعد الحريري. غير أن الجراح، بدل أن يكشف أوراقه بشفافية بما أنه «بريء»، فقد صوابه أمس وأعلن تمرّده على طلب القاضي علي إبراهيم الاستماع إليه، وشنّ بدل ذلك هجوماً كلاميّاً يخرج عن الآداب بحقّ رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسن فضل الله، بعد أن تعمّد الهجوم على نواب اللجنة الآخرين في الأيام الماضية. أما آخر إبداعات الجراح، فهو اتهام النوّاب بـ«العمل عند جريدة الأخبار»، ظنّاً منه أن هذا التهويل يخيف «الأخبار» ويحرج النّواب الذين لا يقومون إلّا بواجبهم. أما أغرب ما قام به الجرّاح، فهو ردّه على أسئلة مجلس شورى الدولة له حول الفارق بين الحصتين اللتين منحهما لكل من «جي دي اس» و«وايفز» من الإيرادات (80 في المئة للأولى، و60 في المئة للثانية). فقد قال الجراح إن «وايفز» حصلت على خدمة «VIDEO BROADCASTING»، و«قد يكون هذا الأمر هو الفارق بين النسبتين»! فإذا كان الوزير وهو المعنيّ الأول، لا يعرف سبب الفرق بين ما ستحصل عليه كل من الشركتين، ويستخدم مصطلح «قد يكون»، فهل يعقل أن تصمت لجنة الاتصالات النيابية، وأن لا تتدخّل النيابة العامة الماليّة وأن لا يتخّذ مجلس شورى الدولة قراراً بوقف تنفيذ قراري الوزير إلى حين البت بإبطالهما؟
(الأخبار)