لأول مرة في تاريخ التشريعات اللبنانية، صدر قانون خاص بمعاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ونشر في الجريدة الرسمية (عدد 26 تشرين الأول الفائت). صحيح أن بعض القضاة كانوا قد أصدروا أحكاماً تعاقب موظفين في الضابطة العدلية بسبب قيامهم بتعذيب موقوفين أثناء التحقيق معهم، غير أن هذه الأحكام نادرة والعقوبات التي فرضتها قد لا تتناسب مع الأذى الذي نتج من التعذيب والإهانة والمعاملة اللاإنسانية.
القانون الجديد يعرّف التعذيب قانونياً لأول مرة في لبنان، وينسف تبريراته "كحالة الضرورة أو مقتضيات الأمن الوطني أو أوامر السلطة الأعلى أو أي ذريعة أخرى" ويحدد أصول الاستقصاء والتحقيق في شكاوى التعذيب الى النيابة العامة.
لكن يبدو أن هناك نواقص وشوائب في النص قد تتيح إفلات بعض مرتكبي جريمة التعذيب من الملاحقة. وأعربت بعض الهيئات الحقوقية أمس عن استيائها من ذلك.
«لا تركزوا على النواقص في هذا القانون، بل على الإيجابيات" قال النائب غسان مخيبر أمس أثناء جلسة عقدت في قاعة مكتبة مجلس النواب لمناقشة القانون 65 ودعي إليها حقوقيون وصحافيون.
القانون الجديد يعدل المادة 401 من قانون العقوبات التي تندرج تحت عنوان "في انتزاع الإقرار والمعلومات" والتي تنص على معاقبة "من سام شخصاً ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون رغبة منه في الحصول على إقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها" بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات.
وكان النائب غسان مخيبر قد عمل منذ عام 2010 على تعديل المادة 401 من خلال معاقبة التعذيب بشكل صارم، وذلك في إطار تطبيق أحكام الدستور ومقتضيات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي التزم لبنان بها منذ عام 2000.
القانون الجديد يبدأ بتحديد التعذيب طبقاً للتعريف الوارد في الاتفاقية الدولية، غير أن المشرع اللبناني أضاف جملة عليه حصرت التعذيب في "أثناء الاستقصاء والتحقيق الأولي والتحقيق القضائي والمحاكمات وتنفيذ العقوبات». يعني ذلك استثناء تصنيف تعذيب موظف رسمي لأشخاص يشاركون في تظاهرة مثلاً، كجريمة تعذيب لأن الموظف الرسمي لم يقم بالتعذيب أثناء الاستقصاء أو التحقيق أو في معرض تنفيذ عقوبة قانونية.

مخيبر: مخابرات
الجيش تخضع
للقضاء العدلي

التعذيب بحسب القانون الجديد يشمل فعلاً "ينتج منه ألم شديد أو عذاب شديد، جسدياً كان أو عقلياً، يلحق قصداً بشخص ما، ولا سيما للحصول منه أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف؛ معاقبة أي شخص على عمل ارتكبه أو يشتبه بأنه ارتكبه هو أو شخص ثالث؛ لتخويف أي شخص أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث على القيام أو الامتناع عن القيام بعمل ما؛ لتعريض أي شخص لمثل هذا الألم الشديد أو العذاب الشديد لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه». وبالتالي، يمكن أن يقوم عناصر من جهاز أمني رسمي بإيلام مواطنين لفظياً أو بواسطة العنف لتخويفهم بهدف إرغامهم على عدم المشاركة في تظاهرة سلمية مثلاً أو بسبب تصنيفهم العرقي أو الإثني أو الطائفي أو المذهبي. هذا القانون لا يصنف التعذيب الحاصل في هذه الحالة كتعذيب، وبالتالي قد تقتصر محاسبة العناصر الأمنيين في هذه الحالة (إذا تمت فعلاً محاسبتهم) على عقوبات مسلكية بسيطة أو على عقوبات قضائية مخففة.
أثناء جلسة النقاش أمس، عرض مخيبر "الأحكام المتعلقة بالتعذيب المنصوص عليها في القوانين النافذة" التي لم ترد في القانون الجديد بسبب ذلك، ومنها عدم جواز طرد أو تسليم أي شخص الى دولة أخرى في حال وجود خطر التعرض للتعذيب. لكن بعض الحقوقيين المشاركين في الجلسة أشاروا الى عدم وجود أي آلية واضحة لمحاسبة من يتجاوز هذه القاعدة القانونية.
وتناول مخيبر حق عرض الأشخاص المحتجزين على طبيب لمعاينتهم وحق الحصول على التعويض العادل عن الأضرار الناتجة من التعذيب. ولدى إثارته موضوع التأكيد على صلاحية المحاكم العدلية وليس المحكمة العسكرية، ومن دون الحاجة الى طلب إذن في قضايا التعذيب، قال حقوقيون إن نص المادة 15 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ليس حاسماً بهذا الشأن.
لكن بالرغم من اعترافه بصوابية بعض الملاحظات التي أثيرت، أصرّ مخيبر على الإيجابيات وأعلن صراحة أن "مديرية المخابرات في الجيش تخضع للقضاء العدلي" وأن شكاوى التعذيب ليست من اختصاص المحكمة العسكرية.
ومستعيناً بممثل مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، نضال الجردي، الذي رحب بصدور القانون الجديد، قال مخيبر "هناك ثغرات، وعلينا معالجتها. لكن يجب أن نعرّف المواطنين على هذا القانون بشكل صحيح من خلال وسائل الإعلام».
(يمكن الاطلاع على كامل نص القانون الجديد وأسبابه الموجبة على الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء، في قسم الجريدة الرسمية، عدد 26 تشرين الأول 2017)
http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpgoldJo.aspx?pageid=3836




القانون يلغي الأدلة الناجمة عن التعذيب

إن الأحكام الجديدة المتعلقة بالتعذيب المنصوص عليها في القانون الجديد هي: أولاً، استحداث تعريف جريمة التعذيب في لبنان؛ ثانياً، إنزال عقوبات متدرجة من حد أدناه سنة الى حد أقصاه عشرون سنة، بحسب الضرر الذي أفضى إليه التعذيب؛ ثالثاً، تطبيق مهل طويلة وغير مسبوقة لمرور الزمن على جريمة التعذيب لا تسري إلا بعد خروج ضحية التعذيب من السجن أو مكان الاحتجاز المؤقت؛ رابعاً، حظر تبرير التعذيب بشكل مطلق؛ خامساً، حظر التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب؛ سادساً، بطلان الأدلة والقرائن الناتجة من أفعال التعذيب؛ سابعاً، ضمان فعالية الشكاوى والمحاكمات وسرعة النظر وبتّها؛ ثامناً، ضمان حماية ضحايا التعذيب والشهود؛ تاسعاً، تمتع ضحايا التعذيب بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب، وبالحق في العلاج وإعادة التأهيل.