لم تحسم بعبدا قرارها بعد. وهي، كسائر اللبنانيين، لا تملك جواباً شافياً عمّا حصل عقب سفر رئيس الحكومة إلى السعودية في رحلة عمل ليعلن استقالته من مكتب مجهول هناك. لذلك، «الرئيس ميشال عون متريث ولم يتعامل مع الاستقالة كأنها حاصلة. وهو بذلك يحفظ كرامة لبنان ورئاسة الحكومة»، تقول مصادر التيار الوطني الحر. فالوضع «ملتبس وهناك علامات استفهام عدة حول هذه الاستقالة، الأمر الذي دفع الرئيس عون إلى انتظار جلاء الصورة في اليومين المقبلين.
فالحريري، في الاتصال الوحيد الذي أجراه برئيس الجمهورية بعد ظهر السبت الماضي، قال إنه سيعود إلى بيروت في غضون أيام». ومروحة الاحتمالات هنا واسعة: «أن يعود ويكرر ما تلاه في بيان الاستقالة، أو أن يكون لديه موقف آخر، أو ألّا يعود». لكن الثابت أن «طريقة الاستقالة بالشكل الذي حصلت فيه تناقض كل الأعراف وتشكل سابقة بأن يعمد رئيس حكومة دولة إلى إعلان استقالته من دولة أخرى». وبالتالي، «نحاول اليوم أن نفهم ما إذا كان فعلاً يخضع للإقامة الجبرية، خصوصاً أنه فاجأ حتى أقرب المقربين إليه». وإذا صحّ هذا الأمر، «يصبح لزاماً على الدولة المطالبة به، ويفترض بالمجتمع الدولي أن يصدر موقفاً في هذا الشأن حتى نبني على الشيء مقتضاه: أنعتبر رئيس الحكومة مستقيلاً بقرار حرّ، أم هو مخطوف وقراره مصادر؟».

عون يعوّل على دور مصري وأردني لتبيان حقيقة ما جرى


والغريب أن أحداً لا يملك أدنى فكرة أو تفصيل عمّا جرى حقيقة، فلا الأطراف السياسية تعرف، ولا المسؤولون الدبلوماسيون يملكون خبراً يقيناً، ولا الرئيس عون بوسعه إيضاح الصورة للبنانيين. تعقب المصادر العونية: «حتى الحريري ما معو خبر».
لكن التريث لا يعني البقاء في حالة المراوحة إلى ما لا نهاية. وفي النقاشات التي شهدها القصر الجمهوري أمس، طُرِحت فكرة متشائمة، عن إمكان بقاء الحريري في السعودية لأشهر مقبلة. فما الذي سيفعله عون في هذه الحالة؟ لن يسمح رئيس الجمهورية بحصول فراغ في الرئاسة الثالثة، وهو ما جرى تداوله أيضاً في دار الفتوى، حيث أكّد المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان أن الأمر لا يتصل حصراً بشخص الرئيس سعد الحريري، بل بدور الطائفة السنية في النظام.
من ناحية أخرى، لا ترى مصادر التيار أن هذه الاستقالة موجهة ضد عون وهدفها شلّ العهد، «لذلك يجدر بنا الانتظار لفك ملابسات ما حصل واستيضاح ظروف الاستقالة وأسبابها». لكن من المفيد أولاً «فهم ما يرمي إليه هذا القرار. فمطلب السعودية ــ الذي أعلنه السبهان في كلامه إلى قناة «أم تي في» مطلع الأسبوع الفائت ــ تأليف حكومة من دون حزب الله يحتاج قراراً وطنياً ولا يعود للرئيس وحده، بل هو بحاجة إلى طاولة حوار». وهنا تشير المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» إلى أن الرئيس «لن يدعو إلى طاولة حوار يشارك فيها رؤساء الكتل السياسية بسبب إشكالية تمثيل الطائفة السنية، فالدخول في أزمة حول هذا الشأن وحول الجهة التي تمثل السنة على طاولة الحوار من شأنه أن يخدم السعودية ويعزز موقفها».
في موازاة ذلك، تؤكد مصادر القصر الجمهوري أن الرئيس عون يعمل على 4 خطوط: أولها التريث في إعلان موقف سلبي أو إيجابي من استقالة الحريري، ولا سيما أن الدستور لا يتطرق إلى هذا الموضوع، وبالتالي لا إعلان عن تكليف الحريري تصريف الأعمال إلا حين تتضح صورة الاستقالة وأسبابها بشكل نهائي. ثانيها، يكثف الرئيس من اتصالاته بمختلف القيادات السياسية لتأكيد الوحدة والاستقرار والبحث عن حلول تحظى بموافقة الجميع. ثالثها، متابعة كل شؤون الدولة لضمان الاستقرار العام من ضمنها القيام باجتماعات مع المسؤولين المعنيين بالقضايا الاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية. رابعها، إجراء اتصالات دبلوماسية وخارجية للبحث بالمستجدات وتكوين صورة واضحة عمّا يحدث في السعودية، نظراً إلى غياب أي معلومة جدية لدى الدوائر المقربة من الحريري. وفي هذا الإطار جاء الاتصالان اللذان أجراهما عون بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبالملك الأردني عبد الله بن الحسين، ولا سيما أن علاقتهما بالسعودية مميزة. ويعوِّل الرئيس على دور لهما لتبيان حقيقة الموقف السعودي وتفسير ما جرى في اليومين الماضيين.