لم تعد الخيارات مفتوحة أمام البند الطارئ في خطّة الكهرباء، أي استقدام معامل لتوليد الطاقة. كان يفترض أن تكون هذه الخطّة إنقاذية لصيف 2017 من ضمن الخطة الكبيرة المقرّة في 2010. وكان يفترض أن يكون هدف هذه الخطة تخليص الأسر اللبنانية من ميليشيات المولدات من خلال استئجار مولدات كهرباء موقتة، ريثما يبدأ إنشاء المعامل الدائمة.
كان يفترض أن تحصل الأسر على ساعات تغذية تتجاوز 19 ساعة يومياً، وأن يبقى الاعتماد على مولّد الحيّ بنسبة لا تزيد على 20%... كل فرضيات الخطّة تبخّرت بين آذار وتشرين الأول من السنة الجارية وصارت الخيارات ضيّقة؛ فقد أخذ استدراج عروض معامل الكهرباء وقتاً طويلاً من دون أن يصل إلى التلزيم؛ في نهاية آذار أُطلق استدراج العروض الأول الذي ألغاه مجلس الوزراء، ثم أعيد إطلاقه بعد تعديلات على دفتر الشروط، قبل أن يسمح للشركات باستكمال النواقص في ملفاتها للجولة الثالثة التي عقدت الثلاثاء الماضي وكشفت نتائجها عن الفشل الثالث. المسافة الزمنية الفاصلة بين إطلاق استدراج العروض الأول وفشل الأخير ثمانية أشهر، وهي تساوي نصف المدّة التي يتطلبها إنشاء معمل في سوريا. الأنباء الواردة من سوريا تشير إلى أن اتفاقاً وقّع بين شركات إيرانية والحكومة السورية لزيادة القدرة الإنتاجية بنحو 2300 ميغاوات يتم تنفيذها خلال 18 شهراً بكلفة لا تصل إلى ملياري دولار. استطراداً، الإيرانيون سيعملون على نقل معامل التصنيع لديهم إلى سوريا لتنفيذ الاتفاق، أي أنهم لن يشتروا مولدات للمعامل من أي دولة أخرى في العالم، بل سينقلون معامل التصنيع من إيران إلى سوريا (!) المفارقة أننا في لبنان نريد استئجار مولدات (عائمة أو على اليابسة) بقدرة 850 ميغاوات لمدّة ثلاث سنوات (قابلة للتجديد سنتين) بكلفة 1.8 مليار دولار (ما عدا ثمن المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات)، وفي نهاية العقد يعود المعمل إلى الشركة المستأجرة.
بين مناقصات لبنان الفاشلة وقدرات إيران، برز أمر خطير إلى الواجهة: تقول مصادر مطلعة إن العقد الموقع بين الحكومة اللبنانية وشركة «كارباورشيب» (كارادينيز) التركية لاستئجار خدمات تحويل الطاقة من باخرتي «فاطمة غول» و«أورهان بيه» ينتهي بعد 10 أشهر. هذا العقد كان قد جدّد خلال الفترة الماضية من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، ولا يمكن تجديده بتوقيع مؤسسة كهرباء لبنان ووزير الطاقة كما حصل في المرة السابقة لأنه ينص على أنه قابل للتجديد مرة واحدة، أي أنه بحاجة إلى إقرار في مجلس الوزراء. إلى ذلك، فإن التجديد يخضع لمفاوضات واتفاق بين الطرفين قبل ستة أشهر من انتهاء العقد، أي أنه يجب أن يبت هذا الأمر قبل نهاية آذار المقبل كحدّ أقصى. وبحسب المصادر، فإن الشركة التركية لا تسعى إلى التجديد، بل تسرّب معطيات عن رغبتها في إنهاء العقد والتوجه إلى تشغيل الباخرتين مع زبائن آخرين.

شركات إيرانية ستزيد القدرة الإنتاجية في سوريا 2300 ميغاوات خلال 18 شهراً

هذه المفاجأة قلصت الخيارات المتاحة في هذا الملف. قبلها، كانت الخيارات تتراوح بين إعادة استدراج العروض بعد تعديل الشروط وتوسيعها لإتاحة المجال أمام مزيد من العروض الجديّة، أو التفاوض مع شركة أو اثنتين لتوقيع عقد بالتراضي. وهناك خيار أثبت فشله، وهو إعطاء الشركات مهلة جديدة لاستكمال النواقص في المستندات المطلوبة. الخيار الأخير يبدو الأسوأ بعدما أعطيت الشركات مهلة من دون أن تتمكن من تلبية الشروط الإدارية، علماً بأن هذا الخيار غير منطقي لأن العروض التقنية لم تفتح بعد وقد يكون فيها الكثير من النواقص، فهل نعطي مهلة الاستكمال الواحدة تلو الأخرى بدلاً من أن نفسح المجال أمام استقطاب عروض جديّة وقادرة على الإيفاء بمتطلبات وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان؟ أما الخيارات الأخرى، فهي تأتي بعدما «وقعت الواقعة»، أي بعد فشل الاستدراج، علماً بأن استدراج العروض الجديد قد لا يؤدي إلى النتيجة المطلوبة وقد يوسّع الفجوة الزمنية لإنشاء المعامل تحت ضغوط «كارادينيز» المفاجئة، إلا إذا كان المقصود ترك الأمور تذهب إلى الخيار البغيض وهو التراضي، علماً بأن رئيس مجلس النواب نبيه برّي كان له موقف واضح من قبول أي صفقة فوق 100 مليون ليرة من دون أن تمرّ عبر إدارة المناقصات.
على أي حال، تمارس الشركة التركية ضغوطاً على الحكومة للتوصل إلى اتفاق، أو مفاوضات بالحد الأدنى، تضمن حصولها على صفقة إضافية، سواء في تجديد عقدَي البواخر العاملة في لبنان حالياً، أو الفوز بصفقة استقدام معامل توليد كهرباء. وبحسب المصادر، إذا كانت الشركة تعتبر نفسها صاحبة حقّ في المطالبة بتجديد العقد بهذه الطريقة، فإن الحكومة اللبنانية يجب أن تتصرف بمسؤولية عالية تجاه اللبنانيين ومصالحهم وأمنهم الاجتماعي، لا أن تعمل على ترتيب الصفقات بالتسويات، إذ إن من مصلحة الشركة أن يُمدّد العقد الحالي بدل نقل الباخرة إلى موقع آخر وتحمّل تكاليف التفكيك، ثم إعادة الربط والتجهيز وفترة الانقطاع.
هذا المشهد يضع رئيس الحكومة ووزير الطاقة وفريقيهما السياسيين أمام وضع صعب قبل الانتخابات النيابية ويكشف موقفهما أمام الابتزاز السياسي من الأطراف الأخرى. هذان الفريقان يعوّلان على تحقيق إنجاز ما في قطاع الكهرباء قبل الانتخابات. أما الشائعات المتداولة عن وجود عمولات مدفوعة هنا أو هناك، فقد لا يكون لها أساس من الصحة وتبقى مجرّد شائعات. فالمشكلة في هذا الملف أنه لم يعد محصوراً بوزارة الطاقة، بل أصبح يخضع للبازار السياسي، ولا سيما بعد انتقاله من عهدة وزير الطاقة إلى لجنة وزارية مؤلفة من وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، وزير المال، وزير الشباب والرياضة، وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان، وزير الأشغال العامة ووزير الطاقة والمياه. تشكيلة سياسية تضع أي ملف تحت وصاية التجاذبات السياسية.
إذاً، هل قُضَي على الخطّة بصيغتها الإنقاذية التي أقرّها مجلس الوزراء مطلع هذه السنة، واعتبرت الخطوة الأولى للعهد نحو إنجاز في قطاع الكهرباء؟ في الواقع، الخطّة الأصلية كانت تنصّ على ألا ينتهي العقد مع هاتين الباخرتين قبل استئجار باخرتين بقدرة إنتاجية مضاعفة. الباخرتان الحاليتان قادرتان على إنتاج نحو 400 ميغاوات أو ما يعادل نحو 5 ساعات تغذية، لكن المعامل المطلوب استئجارها بحسب استدراجات العروض «الفاشلة» تبلغ 850 ميغاوات (+/- 10%)... أما الفشل الذي أصاب هذه الخطّة، فسببه الإصرار على محاولات «تفصيل» دفتر الشروط والتحايل على القوانين، وهو ما خلق فجوة زمنيّة كافية للانتقال من «حلم» الحصول على التيار الكهربائي لمدة تزيد على 19 ساعة يومياً إلى «احتمال» تراجع التغذية بالتيار إلى أقل من 12 ساعة يومياً.
في ضوء هذا الواقع، ثمة كثير من الأسئلة التي يجب أن تطرح للنقاش الجدّي: هل فعلاً كانت هناك حاجة لاستئجار معامل كهرباء في الصيف الماضي؟ هل شعر أي من اللبنانيين بنتائج فشل استدراج العروض وأثره على ساعات التغذية بالتيار الكهربائي؟ ألم تعتمد الأسر اللبنانية على مولدات الأحياء في هذا الوقت، ويمكنها أيضاً الاستمرار في الاعتماد على هذه المولدات التي تديرها عشائر ومافيات وأزلام وقبضايات أحياء وأحزاب، إلى حين إنشاء معامل دائمة تعزّز القدرة الإنتاجية لمؤسسة كهرباء لبنان وتغنينا عن هذه الآفة؟ لماذا يتم تجاهل القدرات الإيرانية لإنشاء معامل بحجم كبير خلال فترة قصيرة؟ ولماذا يتجاهل المعنيون حقيقة أن التطور التكنولوجي قلّص مدّة إنشاء المعامل من خمس سنوات إلى أقل من سنتين؟ هل نحن بحاجة إلى مناقصة استئجار بواخر جديدة بكلفة 1.8 مليار دولار لثلاث سنوات، فيما يمكننا إنشاء معامل بالقدرة الإنتاجية نفسها خلال سنتين بكلفة أقل من 850 مليون دولار؟ على أي أولوية ستعمل اللجنة الوزارية: استدراج عروض معامل توليد طاقة بقدرة 850 ميغاوات، أم التفاوض مع كارادينيز لتجديد العقد؟




من الخطة الإنقاذية

تشير خطّة وزير الطاقة الإنقاذية، التي أقرها مجلس الوزراء في مطلع 2017، إلى أن الهدف من استقدام معامل توليد الطاقة هو زيادة التغذية بالتيار الكهربائي من معدل وسطي يبلغ اليوم 12 ساعة يومياً على مدار السنة مع تفاوت بحسب الفصول، إذ تتدنى في فصل الصيف مع ارتفاع الطلب على الطاقة، إلى 19 ساعة يومياً، علماً بأن استئجار معملين سيرفع كمية الطاقة المنتجة بنسبة 42.5%، أو ما يعادل سبع ساعات تغذية إضافية. وتتوقع الوزارة أن تنتج كمية إضافية من الطاقة، من معملَي الذوق والجية الجديدين بقدرة 272 ميغاوات، أو ما يوازي 14.3% من الكمية المنتجة، أي ما يعادل 3 ساعات تغذية إضافية، وهو ما يتيح التخلّي عن باخرتَي «فاطمة غول» و«أورهان بيه» في أواخر 2018، على أن يتزامن هذا الأمر أيضاً مع بدء إنشاء 8 معامل جديدة بقدرة 500 ميغاوات لكل واحد منها، اعتباراً من 2020 في دير عمار والذوق والجية وسلعاتا والزهراني ومناطق غير مسماة أيضاً.