يعيش تيار «المستقبل» حالة غير مسبوقة من التخبّط، في واحد من أهم «معاقله» في الإدارة العامة، وزارة الاتصالات. هذه الوزارة التي تحوّلت إلى منجم للمال، تسعى قوى سياسية عدة إلى «الغرف» منه. وقد ظهر هذا التخبّط جلياً أمس على شكل قرارات اتخذها وزير الاتصالات المستقبلي جمال الجراح، بقيت عصيّة على الفهم عند المتابعين. ففي يوم واحد فسخ الجراح عقد الاتفاق مع السيد نبيل يموت المكلف بصفة مستشار لوزير الاتصالات، ومن ثمّ أعاده بقرار آخر كمستشار أول. كذلك أصدر الوزير قراراً بوقف عقود الصيانة والتشغيل مع هيئة أوجيرو. ولعلّ أكثر ما يثير الاستغراب، أن «الحرب» القائمة في الوزارة ليست بين تيارين مختلفين أو خصمين في السياسة، بل بين أشخاص كلّهم تابعون لتيار المستقبل، وتمّ تعيينهم بقرار من الرئيس سعد الحريري، لكن لكل منهم أهداف مختلفة.
أصل المشكلة يعود إلى قرار الاستحواذ على حصة كبيرة من سوق الاتصالات، وتحويلها إلى مصدر للمال والتوظيف والخدمات، كما إلى حرب الصلاحيات بين الوزير ويموت من جهة أخرى. ويموت يوصف بوزير الظل، كونه الرجل الأقرب في قطاع الاتصالات إلى مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري.
وفي هذه القضية، يبرز اسم شركة «جي دي أس» التي يملكها تحالف رجال أعمال محسوبين على عدد من القوى الساسية، أبرزهم تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ. الجراح، ومن خلفه التياران، منح الشركة حق استخدام أملاك الدولة، لإيصال خدمة الانترنت والاتصالات عبر الألياف الضوئية إلى المنازل والمكاتب. وبقرار الجراح (راجع «الأخبار» يوم 18 أيار 2017) ، باتت لـ«جي دي أس» القدرة على تحصيل مكاسب كبرى بمئات مليارات الليرات، على أن تكون حصتها من العائدات 80 في المئة، فيما تحصّل الدولة 20 في المئة فقط. لكن الضجّة التي أثيرت بعد قرار الجراح قبل أشهر، أدت إلى إدخال شركتين إضافيتين لتقوما بعمل «جي دي اس» نفسه. وأوجيرو، المملوكة من الدولة، هي واحدة من الشركتين. وقد بدأت هيئة أوجيرو العمل في مجال تمديد الألياف الضوئية، حتى تقدّمت على «جي دي أس». ويبدو أن هذا الأمر أزعج الوزير الجراح، لأن مدير الهيئة عماد كريدية الذي قيل إنه تمّ تعيينه لتمرير ما لم يلبّه المدير السابق عبد المنعم يوسف، سار على قاعدة أن «أوجيرو يجب أن تعمل». وبناءً على ذلك، اندلعت الخلافات بين الجراح وكريدية، ما اضطر الأخير إلى طلب إجازة إدارية استمرّت لمدّة 21 يوماً، قبل أن يعاود العمل الثلاثاء الماضي. وبعد عودته تطوّر الخلاف، بسبب مطالبة الجراح بتوظيف عدد كبير من المحازبين من البقاع في هيئة «أوجيرو»، وطالب بإنشاء مراكز لأوجيرو في البقاع، لكن كريدية لم يتمكّن من تحقيق ذلك لأن التوظيف محكوم بالمحاصصة، ما دفع وزير الاتصالات إلى اتخاذ قرار بحق الهيئة ممثلة برئيس مجلس إدارتها مديرها العام عماد كيريدية. وفي القرار الصادر أول من أمس، اتهم الجراح كريدية بـ«القيام بأعمال الصيانة والتشغيل انتقائياً ولغايات خاصة وشخصية من دون مراعاة الحاجات الفعلية لسير العمل وخدمة المواطنين، بل يعمد إلى تنفيذ أعمال مخالفة للقانون متجاوزاً صلاحياته ومسؤولياته القانونية ومسبباً بهدر المال العام»! وبناءً على ذلك، قرر الجراح فسخ العقد الرئيسي بين «الاتصالات» وأوجيرو، طالباً من الأخيرة تقديم طلب إلى الوزارة قبل تنفيذ أي عمل، متضمناً المدة الزمنية المتوقعة للتنفيذ والكلفة.

السعودية تهدّد حلفاء حزب الله: يجب معاقبة من يتعاون معه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً


أما يمّوت الذي أقاله الجراح من منصبه كمستشار له قبل ظهر أمس ثم أعاده «مستشاراً اول» بعد الظهر، فتقول مصادر الوزارة إن «الوزير يعتبره العقل المدبر لكل ما يقوم به كريدية». ويمّوت معروف «بقربه من نادر الحريري»، وكان سابقاً مستشاراً في وزارة المالية من ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الوزارات، وكان محسوباً على الرئيس فؤاد السنيورة. وتقول مصادر في وزارة الاتصالات إن «الجراح امتعض لأن الحريري (نادر) أصرّ على أن يوافق يموت على كل الإجراءات المالية والإدارية في الوزارة، كذلك عملية التوظيف، فقرر الوزير الانقلاب عليه». وبعد البلبلة التي حصلت، عقدت اجتماعات في بيت الوسط أمس، حضرها رئيس الحكومة ونادر الحريري وعدد من المعنيين في قطاع الاتصالات، وأُجبر الجراح على التراجع عن قرار إقالة يموت، فيما أكدت مصادر الرئيس الحريري أن قضية أوجيرو في طريقها الى الحلّ أيضاً. في هذا الإطار، عقد المجلس التنفيذي لنقابة العمال في الهيئة أمس اجتماعاً طارئاً لبحث المستجدات الناتجة من قرار وزير الاتصالات، معلناً أنه «نظراً للأهمية القصوى لهذا الموضوع، فهو يناشد المسؤولين كافة العمل السريع لمعالجة هذه الأوضاع المستجدة». ورغم محاولة المقرّبين من رئيس الحكومة التخفيف من أهمية ما جرى، وتأكيدهم أن الامور ستعود إلى ما كانت عليه، فإن قرارات الجراح تطرح علامات استفهام كثيرة حول كيفية إدارة الامور في الهيئة القيادية في تيار المستقبل من جهة، وحول المستقبل السياسي للوزير الجراح، الذي نفّذ أمس محاولة انقلابية على نادر الحريري، الذي يعمل بصفته كبير مساعدي رئيس الحكومة.
من جهة أخرى، وبعد يوم واحد على إقرار مجلس النواب الأميركي قوانين العقوبات على حزب الله، دخل وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان على خطّ الضغط، داعياً الى «لجم حزب الله»، وموجّها تهديداً لجميع حلفاء الحزب، ومعتبراً أنه «يجب معاقبة من يعمل ويتعاون معه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، والعمل الجاد على تقليمه داخلياً وخارجياً ومواجهته بالقوة».
في سياق آخر، عقد مجلس الوزراء أمس جلسة عادية، أقرّ فيها التمديد 4 أشهر لإعطاء داتا الاتصالات كاملة الى الأجهزة الأمنية. كذلك تمّ بحث موضوع استخدام البطاقات البيومترية في الانتخابات النيابية، من دون التوصل إلى اتفاق، إذ ستعقد اللجنة الوزارية المكلفة بحث تطبيق قانون الانتخاب اجتماعاً لها اليوم. وقد أمهلت الحكومة أمس مجلس الإنماء والإعمار 15 يوماً من أجل إعداد دراسة توسعة مطمرَي برج حمود ــ الجديدة والكوستابرافا، وذلك تطبيقاً لاقتراحات اللجنة الوزارية المُكلّفة بدراسة مسوّدة ملف التلزيم العائد لمناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات الى طاقة. وكانت هذه اللجنة قد اقترحت أيضاً، إضافةً الى دراسة توسعة المطامر، استحداث معمل للنفايات العضوية بقدر 750 طن يومياً في موقع الكوستابرافا مطابق لمعمل الكورال الحالي، من أجل تقليص كميات النفايات قبل طمرها. مساعي «التوسعة» تأتي في ظل اقتراب بلوغ المطامر طاقتها الاستيعابية قبل الموعد الذي كان محدداً لها (قبل أكثر من سنتين على الموعد المُقدّر لبلوغها الطاقة الاستيعابية)، بسبب عدم الالتزام بنسب الفرز التي نصّت عليها المناقصات من جهة وبسبب تزايد نسبة النفايات الواجب طمرها من جهة أخرى، ما سرّع في بلوغ المطامر طاقتها الاستيعابية. وكان مجلس الإنماء والإعمار قد طلب من وزارة البيئة منذ فترة «إيجاد حلول سريعة تفادياً لإعادة تكدّس النفايات في الشوارع». الجدير ذكره أن توسعة المطامر من شأنها أن تُرتّب أكلافاً إضافية ستُضاف الى المبالغ الكثيرة التي نصّت عليها خطة النفايات الحكومية والتي قاربت نحو 590 مليون دولار، كذلك فإن التوسعة ستستلزم حُكماً ردم المزيد من البحر.