التيار الوطني الحر ليس على ما يرام. الفترة الذهبية التي أعقبت انتخابات رئيس الحزب والهيئات المناطقية والانتخابات الداخلية من جهة، والحصة الوزارية الوازنة من جهة أخرى، أفَلَت بسرعة كبيرة. اليوم، لا الحكومة «ماشية»، ولا الوضع التنظيمي الداخلي «ماشي»، ولا الانتخابات الداخلية الديمقراطية لاختيار المرشحين تُرجمت ايجاباً، الأمر الذي راكم امتعاضات حزبية في الأقضية، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
لذلك كله، بدأ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، على ما تقوله مصادر مقربة منه، «إعادة هيكلة هيئات الأقضية التي يفترض أن تتحول إلى ماكينات انتخابية تدير المعركة المقبلة»، إذ إن الهيئات التي تشكلت عقب انتخابات على قاعدة النسبية لم تنجح في بثّ نفحة الديمقراطية لتحفيز نشاط الجميع، بل أدت إلى عرقلة عمل الهيئة في غياب الكيمياء بين أعضائها الـ13، نظراً إلى انحياز كل مجموعة إلى نائب أو مرشح معيّن، وتعمدها تنفيذ أجندته الخاصة لا أجندة التيار. وكان من المستحيل، تالياً، أن تتمكن غالبية هذه الهيئات من خوض الانتخابات النيابية كفريق متجانس، علماً أن ولاية الهيئات تنتهي في كانون الثاني المقبل، فيما «الانتظار حتى ذلك الحين لتعيين ــ أو انتخاب ــ هيئة جديدة سيساهم في تضييع الوقت وتأخير العمل إلى ما بعد بداية العام الجديد»، وهو ما دفع باسيل إلى السعي لإيجاد حلول فعالة قبيل نهاية العام حتى يتسنى للهيئات إطلاق ماكيناتها باكراً وبدء العمل الجدّي على الأرض بعيداً عن الخلافات الداخلية. الخطوة الأولى تمثلت بسعي رئيس التيار إلى إعطاء فرصة للهيئة المشكّلة، على ما يجمع المسؤولون في عدة هيئات، عبر جمع أعضائها والمسؤولين والنواب والمرشحين وبعض الحزبيين لمحاولة رأب الصدع بينهم. وقد نجح بعض هذه المساعي فيما عجز المجتمعون عن التوافق في أخرى، فقدمت الهيئة أو منسقها استقالتها لتُعيَّن أخرى مكانها. ويولي التيار أهمية استثنائية لعمل هيئاته في الأقضية، لكونها العمود الفقري للعمل الحزبي في المناطق، خصوصاً إبان التحضير للانتخابات النيابية. ويرتفع مستوى تلك الأهمية قبل استحقاق أيار 2018 الذي تتعامل القوى السياسية المختلفة معه بصفته محطة مفصلية لتحديد أحجام جميع الأحزاب والتيارات، لكونها المرة الأولى التي ستخاض فيها الانتخابات وفق النظام النسبي. وفي ما يأتي، عرض لأبرز الهيئات الحزبية التي تعاني من انقسام ينعكس سلباً على وضع التيار في عدد من الدوائر. ورغم أن العونيين لم يخوضوا أي انتخابات سابقاً كحزب سياسي بماكينة انتخابية حديدية، بل كانوا دوماً يستفيدون من الحالة الشعبية التي تؤيد الجنرال ميشال عون بلا أطر تنظيمية، إلا أنه من الجائز اليوم طرح السؤال عن قدرة «الوطني الحر» على خوض الانتخابات بـ«عدّة شغل» شبه معطّلة.

زحلة في الصين



في زحلة، كانت الهيئة قد فازت بالتزكية ولا تعاني تالياً من عدم تجانس أعضائها. لكن معارضين لها يتهمونها بعدم الفعالية. وفي نظرهم، «ظهر ذلك جلياً خلال الانتخابات البلدية حين اضطررنا للجوء إلى ماكينة القوات لتزويدنا بالمعطيات». رغم ذلك، حاول باسيل، المقتنع بالمنسق الحالي قزحيا الذوقي، لمّ شمل حزبه في عاصمة البقاع، وتأسيس ماكينة انتخابية، بمساعدة مسؤول الماكينة الانتخابية المركزية في التيار منصور فاضل، مع المحافظة على الهيئة. لم ينجح ذلك، إذ يقول البعض إن الهيئة مقربة من الوزير السابق غابي ليون وعلى خلاف كبير مع النائب السابق سليم عون، وبالتالي لا يمكن أن تكون على مسافة واحدة من المرشحين إلى الانتخابات النيابية. لذلك، وعقب الانتهاء من جولته في البقاع الغربي (8 تشرين الأول)، عقد باسيل، في مطعم عرابي في زحلة، اجتماعاً لبحث شؤون التيار في البقاع الأوسط.

يسعى باسيل إلى إعادة إحياء الهيئات المنقسمة وغير الفاعلة قبل تحويلها إلى ماكينات انتخابية
وبحسب مصادر المجتمعين، أكد المنسق أن إقالة الهيئة، أو بعض أعضائها، مخالف للنظام الداخلي للحزب. وبعد طول نقاش، اتُّفق على تسمية شخصين ليحل أحدهما مكان الذوقي، فرسا الخيار على «خليل عبد الأحد ومارون روحانا من دون اعتراض أحد. فأعلن باسيل أن أحدهم سيعين منسقاً، والثاني مديراً للماكينة الانتخابية». ومن جهة أخرى، توجه باسيل باللوم إلى «سليم عون لإهماله العمل الحزبي منذ نحو عامين». خلص الاجتماع إلى الاتفاق على استقالة الذوقي، وهو ما لم يحصل، إذ بادرت الهيئة في اليوم التالي إلى عقد اجتماع قررت في نهايته عدم الاستقالة. وعند اعتراض البعض على ما صدر لدى باسيل، وعد «بحلّ المسألة بنفسه عند عودة المنسق من الصين التي يزورها في رحلة عمل». ليون ينفي لـ«الأخبار» أن تكون الهيئة محسوبة عليه، مؤكداً أنه «متعلق عاطفياً لا عقلياً فقط بالتيار ويدعم هيئته كما يدعم أي عوني ويساهم في إنجاحها بدل مدّها بالطاقة السلبية». ويرى أن ما يجري «يجري تضخيمه، فالقصة لا تتعدى رغبة بعض من في الهيئة في العمل ضمن الماكينة الانتخابية». وهو بالمناسبة «ليس مع الاستقالة ولا ضدها بل مع كل من يريد العمل جدياً». أما في ما خصّ وعد الذوقي بالاستقالة وتراجعه في اليوم التالي، فيشير ليون الذي كان حاضراً في الاجتماع إلى أن الذوقي «أبدى استعداده للاستقالة إن كان الأمر مفيداً، للتيار وترك القرار للرئيس، وهو ما فتح باب التأويل، لأن ما جرى كان حمّال أوجه».

جزّين: حرب على المختار



في جزين، حسمت انتخابات رابطة المخاتير مصير هيئة التيار ومنسقها أسعد هندي. فالأخير الذي جاء بدعم من النائب أمل بو زيد والمرشح الكاثوليكي جاد صوايا، سرعان ما عادى بو زيد متقرّباً من النائب زياد أسود. ويسوّق المقربون منه كلاماً عن رغبته في الترشح عن المقعد الكاثوليكي، أي منافسة صوايا. هكذا عمّت الخلافات داخل الهيئة (7 مقربين من بو زيد و6 من أسود) وبين الهيئة والمرشحين لتتأجج خلال انتخابات رابطة المخاتير على هوية المختار الذي ستدعمه الهيئة والنواب. فكان أن قدم 8 أعضاء استقالتهم لتفرط الهيئة، وعيّن باسيل، خلفاً لهندي، أنطوان حداد الذي يجمع كل الأفرقاء على عدم انتمائه إلى أي معسكر.

منسّق بيروت لا يشدّ العصب




منسق دائرة بيروت الأولى يدعى ميشال متني، وكان قد عُيّن بهدف «إعادة لمّ شمل التيار وتوحيده» عقب إقالة الهيئة السابقة وفصل منسقها. علماً أن متني نفسه كان قد أقاله الرئيس ميشال عون بعد انتخابات 2009، نتيجة عدم التزامه قرارات التيار. يواجه متني اليوم مشكلتين، بحسب مصادر قيادة التيار: «الأولى في سلوكه العام وعدم قدرته على شدّ عصب التيار في الأشرفية، ولا مواكبة الناس على الأرض. والثانية في غياب الكيمياء بينه وبين المرشح الأساسي للتيار في الدائرة، نقولا صحناوي، ما يجعل إبقاءه إلى حين الانتخابات أمراً صعباً». وتقول مصادر الهيئة إن اجتماع ماكينة صحناوي الانتخابية لا يحضره متني أبداً. فيما يؤكد صحناوي أن «أموراً شخصية كالكيمياء لا تمنعنا من العمل سوياً، لأن ما يجمع التيار هو قضية لا صداقة». ويشير في هذا الصدد إلى أن علاقته بمتني جيدة ويتقابلان دورياً. وفيما ينتظر تيار الأشرفية قرار الوزير جبران باسيل بشأن المنسق والهيئة بعد إعطاء متني مهلة معينة لتصحيح الخلل، يتداول هؤلاء ثلاثة أسماء لخلافة متني: المحامي الياس عباس، المحامي عماد جعارة، والمنسق الحالي في المدور المهندس حميد دياب (على اعتبار أن القانون الجديد ضمّ المدور إلى الأشرفية). فيما بادر متني أخيراً، بحسب المصادر، إلى استئجار مسرح في الأشرفية ليكون مقراً للماكينة الانتخابية.

قلة خبرة الشوف



من جزين الى الشوف، هيئة أخرى ومشكلات بالجملة بدأت مع انقسام أعضائها بين الوزير السابق ماريو عون (3 أعضاء) والمنسق السابق غسان عطالله (9 أعضاء)، فيما كان المنسق الحالي بدري سالم على الحياد. لم تبق الحال على ما هي عليه، نتيجة انتقال بعض الأعضاء من ملعب مرشح إلى آخر، خصوصاً مع تعيين طارق الخطيب وزيراً للبيئة، على ما يقول بعض أعضائها، ونتيجة قلة خبرتهم، إذ إن غالبيتهم لم يكونوا منتسبين إلى التيار قبل 2005. انتهى الأمر بغياب التنسيق بين هيئة القضاء وهيئات الضيع.

منسِّق زحلة أبدى استعداده للاستقالة ثم تراجع، ومعارضوه ينتظرون قرار رئيس التيار

وهناك من يقول في إطار تقصير الهيئة إنها حتى لا تعرف بما يدور في القضاء ولا بالانتسابات الجديدة إلى الحزب، ما أدى الى إضعاف القضاء بدل تقويته. وزاد في الطين بلة اعتبارها مقربة من المنسق السابق والمرشح عن المقعد الكاثوليكي غسان عطالله، واتهام الوزير السابق ماريو عون والوزير الخطيب المنسق بعدم الوفاء بوعده بالوقوف على الحياد. ويُضاف إلى ما تقدّم «العدائية» بين الهيئة والمرشح غياث بستاني نتيجة دعمه للفريق المنافس لها خلال الانتخابات. للأسباب السابق ذِكرها، طالب عدد من المرشحين العونيين إلى الانتخابات النيابية بتغيير الهيئة، فيما اختار باسيل منحها فرصة جديدة، رغم امتعاضه منها ومن عدم تنظيم جولة له في الشوف أسوة بباقي هيئات الأقضية. وأخيراً، طلب رئيس التيار من الهيئة تنظيم ريسيتال ديني ووطني في الشوف يرعاه بنفسه، ففشلت في تلقف الاقتراح وتنظيمه، كذلك طلب منها التحضير لزيارة له في الـ29 من الشهر الجاري. الهيئة، وفقاً لبعض العونيين، رمت الكرة في ملعب المرشحين، الذين اقترحوا أن يزورهم باسيل في منازلهم كلّ في بلدته، الأمر الذي أغضب رئيس التيار الراغب في لقاء الشوفيين لا التنقل من مأدبة مرشح إلى أخرى. لذلك حصل اجتماع الأسبوع الماضي، بطلب من باسيل ضم المرشحين والهيئة، واتُّفق على زيارة بلدات الشوف والإقليم وشحيم في الموعد نفسه (29 تشرين الأول)، على أن يُبتّ بمصير الهيئة بعد ذلك. كذلك رفض زيارة المرشحين في منازلهم، خصوصاً أن بعض المرشحين الذين يتعاملون مع أنفسهم كمرشحين جديين قد يشطبون من السباق قبيل الزيارة، إذ ستعلن نتائج المرحلة الثالثة من انتخابات التيار الداخلية بعد أسبوع.

المتن وكسروان يتقيّدان بالتعليمات



خلافاً لباقي الهيئات، لا مشكلات داخلية فعلية بين أعضاء هيئة المتن الشمالي. غير أن بعض المرشحين يأخذون عليها قربها من النائب إبراهيم كنعان أكثر من باقي المرشحين. وكما في مختلف الأقضية، طلب باسيل منها تفعيل الحوار والتنسيق مع مختلف الأطراف، وهو ما بادرت إليه وفقاً للمصادر، وأدى إلى مشاركة الجميع في النشاط الذي أقامته بمناسبة ذكرى 13 تشرين. ترفض مصادر الهيئة اتهامها بالوقوف إلى جانب مرشحين دون الآخرين وترى أن وظيفتها أن تكون «ممسكة بالأرض، ولديها كل الداتا اللازمة لخوض الانتخابات بنجاح وعلى تواصل مع المخاتير والبلديات، وطبعاً هيئات البلدات. وليس المطلوب أبداً أن تكون لا على غرام ولا انتقام مع المرشحين، بل على مسافة واحدة، وهو ما تفعله اليوم». رغم ذلك، يستمر بعض منافسي كنعان العونيين في تأكيد أن «التيار لا يمكنه خوض الانتخابات النيابية المقبلة بالهيئة الحالية، بسبب العلاقة الوطيدة بين المنسق وكنعان، وسوء علاقته بباقي مرشحي التيار».
أما في كسروان، فيؤخذ على المنسق جيلبير سلامة أن هيئته غير فعالة وساهمت في إضفاء فتور على العلاقة بينها وبين مناضلين أساسيين في التيار كجوزيف فهد وجورج دغفل (عمل لسنوات مديراً لمكتب النائب ميشال عون في كسروان)، إضافة إلى المرشح روجيه عازار. ويشير المعارضون لها إلى أن نصف أعضائها لا يعملون ولا يمكن الذهاب إلى الانتخابات النيابية بهيئة غير فعالة في معقل التيار الرئيسي. في المقابل، تنفي مصادر الهيئة ما سبق، مؤكدة أنها «تجتمع باستمرار وباقية في عملها بعد نجاحها بإدارة الاختلاف في الرأي مع من ذُكروا سابقاً».

منسق عكار المستقيل عائد؟



في عكار، استقالت هيئة التيار الوطني الحر بالتوافق ومن دون أي خلافات، على ما يشير عونيو المنطقة. فنحو 6 أعضاء من أصل 13 لم يعملوا جدياً نتيجة كسل البعض من جهة، والتزام البعض الآخر وظيفةً وواجبات، كتعيين أحدهم مديراً لأهراءات القمح في بيروت وزواج إحداهن حديثاً. لذلك، جرى التوافق على استقالة الهيئة عقب اجتماع أجراه باسيل مع المرشحين والهيئة والمنسق طوني عاصي. ويقول المطلعون على ما يجري إن باسيل سيعيد تعيين عاصي منسقاً للهيئة ويبقي على قسم كبير من أعضائها، فيما التغيير سيقتصر على الذين أثبتوا قلة فاعليتهم حتى يعاد تفعيل العمل الحزبي بزخم أكبر تحضيراً للانتخابات النيابية. ويقول عاصي لـ«الأخبار» إن ما يحصل يدخل في إطار «تجديد النشاط وتحقيق اندفاعة جديدة لخوض الانتخابات، خصوصاً أن الهيئة كانت غير مكتملة مع وجود التزامات أخرى لبعض أعضائها». ويؤكد أن الاستقالة «جرت بالتنسيق مع القيادة ولا خلافات داخلية أبداً بين مختلف الأطراف».