تنتج إدارة حصر التبغ والتنباك «الريجي» نحو 80 مليون علبة سجائر سنوياً. وعلى عكس الانطباع الشائع، لا ترتكز في عملية التصنيع على التبغ المنتج محلياً فقط، بحجة عدم ملاءمته، بل تجري 6 مناقصات كل سنة لشراء نحو 5 ملايين كيلوغرام من التبغ، من أنواع ومصادر مختلفة (أوروبي، أميركي، أفريقي، برازيلي، مُعاد تصنيعه وضلع منفوش)، فضلاً عن مناقصات أخرى لشراء الفلاتر والنايلون والكرتون، كمواد أساسيّة تدخل في عمليّة تصنيع سجائر «سيدرز» المعروفة.
هذه المناقصات، بالإضافة الى آليات دعم زراعة التبغ المحليّة، تنطوي على شبهة الفساد كسائر المناقصات، إذ تفيد المعلومات بأن المناقصة الأخيرة لشراء تبغ أميركي (فرجيني وبيرلي) فازت بها شركات قدّمت أسعاراً أعلى بنحو 1.5 مليون دولار عن شركات أخرى مشاركة، وهي تنتظر قراراً نهائياً يصدر عن إدارة «الريجي» يقضي بقبول هذه النتائج أو رفضها. ولكن مهما كان هذا القرار، فإن ما جرى يطرح علامات استفهام حول دفاتر الشروط والاستنسابية في تقييم العروض التي تؤدي عادة الى فوز موردين محددين بأسعار غير مبررة.

المناقصة رقم 13/ صناعيّة

في 23 آب الماضي، أعلنت الإدارة عن إطلاق المناقصة رقم 13/ صناعيّة/ 2017، بطريقة الظرف المختوم، وحصرتها بالشركات الأميركيّة المتخصّصة بفرز وتجارة التبغ والورق، عبر وكلائها المحليين. وطلبت الإدارة في هذه المناقصة شراء ورق تبغ أميركي من نوع فرجيني صنف A (198 ألف كلغ) وفيرجيني صنف B (514 ألفاً و800 كلغ) وبيرلي (653 ألفاً و400 كلغ).
في 9 تشرين الأول الحالي، جرى فضّ أغلفة العروض الماليّة المُقدّمة من الشركات، وأتت النتائج كالتالي:
- مناقصة تبغ بيرلي: فازت بها شركة Morehead Diamond (وكيلها المحلي مؤسّسة حلبي)، بسعر 5 ملايين و782 ألف دولار، وهو أعلى بـ 790.6 ألف دولار عن السعر الأدنى الذي قدمته شركة BSC (وكيلها المحلي نبيل طعمة).
- مناقصة تبغ فيرجيني صنف A: فازت بها شركة Richloam (وكيلها المحلي سيرج زوين) بسعر مليون و564 ألف دولار، وهي قدّمت السعر الأدنى.

اللجنة الإدارية للمناقصات:
لم يتم تلزيم أي شركة بعد
بانتظار قرار الإدارة النهائي

- مناقصة تبغ فيرجيني صنف B: فازت بها شركة USTG (وكيلها المحلي جورج فتوح) بسعر 4 ملايين و149 ألف دولار، وهو أعلى بنحو 705.2 آلاف دولار عن السعر الأدنى الذي قدمته شركة Tobacco de Wilson.
في الحصيلة، حصلت 3 شركات على صفة «العارض الأنسب»، بعروض تبلغ قيمتها 11 مليوناً و496 ألف دولار، بمعدل وسطي لسعر الكيلوغرام الواحد بلغ 8.4 دولارات، في حين من الممكن تخفيض القيمة الإجمالية للصفقة الى 10 ملايين دولار، أي بمعدل وسطي لسعر الكيلوغرام الواحد يبلغ 7.3 دولارات، في حال إرساء العقود على الشركات التي قدّمت أدنى الأسعار.
ولكن في مجال المناقصات، لا يعتد دائماً بالسعر الأدنى إذا كان صاحب العرض لا يلتزم بدفاتر الشروط والمواصفات المطلوبة، وذلك حرصاً على الجودة والنوعية والالتزام... فهل هذا ما قد يدفع إدارة «الريجي» إلى قبول عروض السعر الأعلى؟
يقول مدير عام إدارة حصر التبغ والتنباك ناصيف سقلاوي أنه لا يملك «أي معلومات عن هذه المناقصة، فالنتائج لم تصلني بعد، ولم أوقّع على أي نتيجة». فيما يشير رئيس لجنة المناقصات في الإدارة حسن نجا إلى أن «المناقصة لم تلزّم بعد إلى أي شركة. لقد أنهت اللجنة الفنيّة تقييمها ووضعت العلامات، فيما كشفت لجنة فض العروض عن الأسعار التي قدّمتها الشركات المطابقة للمواصفات، وطبّقت عليها معادلة «الأسعار والعلامات الفنيّة» المنصوص عنها في دفتر الشروط. إذاً ما زلنا في المراحل الأوليّة للمناقصة، حيث من المتوقّع أن تنجز اللجنة الإداريّة للمناقصات تقريرها، ورفعه إلى لجنة الإدارة، التي يعود لها اتخاذ القرار بقبول النتائج أو رفضها وفقاً لنظام عقد الصفقات والعرض الأنسب للإدارة».

هكذا تتمّ عملية التلاعب بالنتائج!

تثير هذه المناقصة تساؤلات كثيرة، ففي مرحلة التقييم الفني عدّت اللجان المختصة عروض 6 شركات من أصل 8 شركات مطابقة للمواصفات في الشق المتعلّق بتوريد تبغ بيرلي. وكذلك قبلت عروض 3 شركات من أصل 7 شركات في الشق المتعلّق بتوريد تبغ فرجيني A، وقبلت عروض 4 شركات من أصل 7 في الشق المتعلّق بتوريد تبغ فرجيني B، من ضمنها عرضا الشركة الفائزة وشركة أخرى يمتلكها نجل الشركة الأولى! وهذا يعني أن جميع العروض المقبولة مؤهلة للفوز بالصفقة، وبالتالي يصبح السعر هو العامل الحاسم، أو هكذا يفترض أن يكون.
اللغز الكامن وراء النتيجة التي أدّت إلى فوز شركتين قدّمتا أعلى الأسعار، بالمقارنة مع شركات أخرى مطابقة للشروط الفنيّة، تكشفه ثلاثة عوامل وهي:
- كيفيّة تسلّم العيّنات بما يضمن تحديد هوية العارض عند إجراء التقييم الفني.
- معايير وضع العلامة الفنيّة الاستنسابيّة وغير المحدّدة في دفتر الشروط.
- طريقة احتساب العلامة النهائيّة وفقاً لمعادلة تضمن فوز شركات محدّدة على حساب الشركة التي تقدّم السعر الأدنى.
ينصّ دفتر الشروط على أن يقدّم العارض الراغب في الاشتراك بالمناقصة، عيّنة من التبغ، يلصق عليها ورقة تتضمّن اسمه وعنوانه، ويرفقها بشهادة منشأ، وورقة تتضمّن معلومات عن نوعية التبغ وصنفه، وسنة الحصاد، وبلد المنشأ، والكمية المتوفرة، وشهادة تحليل مختومة من قبل مختبر مستقل ومعتمد تفيد بمعدّلي النيكوتين والسكر المسموح به في تبغ فرجيني ومعدّل النيكوتين في تبغ بيرلي.
تُسلّم العيّنات ضمن المهل المُحدّدة إلى مصلحة المشتريات في «إدارة حصر التبغ والتنباك»، حيث يتم إخفاء اسم العارض وإعطاء رقم للعيّنة، مع الإبقاء على اسم المختبر مكشوفاً، وهذا يجعل عمليّة التعرّف إلى هوية العارض مُمكنة. بعدها ترسل النشرات الفنيّة التابعة للعيّنات إلى اللجنة الفنيّة التي ترفض وتقبل كلّ منها بحسب النتائج المخبريّة لنسب النيكوتين والسكر المحدّدة في دفتر الشروط، وتجري تجارب تدخين العيّنات، بغية إعداد تقريرها الذي تعطي فيه علامة لكلّ عيّنة من 0 إلى 20 وفقاً لمعايير غير محدّدة في دفتر الشروط، فتخضع عند تقييمها لاستنسابية اللجنة الفاحصة.
في المناقصة الأخيرة، قررت اللجنة اعتماد المعدلات التالية من دون أي تبرير: تجربة التدخين (4 نقاط)، معدل الاحتراق (نقطتان)، اللون (نقطتان)، معدّل الرطوبة (نقطتان)، النضوج (نقطتان)، سماكة ورق التبغ ورائحتها (نقطتان)، نوعية واتساق ورقة التبغ (نقطتان)، غياب أوراق التبغ الصغيرة والأضلاع والأجسام الغريبة (نقطتان).
في جلسة فضّ العروض، ترفض العروض غير المطابقة وغير المكتملة وتستبعد شركاتها، ويفضّ غلاف السعر التابع للعروض المطابقة، وتحتسب العلامة الإجماليّة لكل عرض وفق المعادلة الآتية: أدنى سعر معروض مضروباً بـ 50% ومقسوماً على سعر العارض، مضافاً إلى علامة التقرير الفني (الموضوعة باستنسابيّة) مضروبة بـ 5% ومقسومة على أعلى علامة فنيّة أخذها عارض. صاحب العلامة الإجماليّة الأعلى يكون صاحب العرض الأنسب بدلاً من العارض المطابق للمواصفات والذي قدّم السعر الأدنى.




مثال تبغ بيرلي

في مناقصة تبغ بيرلي، على سبيل المثال، فازت شركة morehead diamond صاحبة السعر الأعلى (8.85 دولارات/ كلغ – العلامة الفنيّة: 20/20)، فيما خسرت شركة BSC صاحبة السعر الأدنى (7.64 دولارات /كلغ – العلامة الفنية 16/20)، وهو ما يعني أن الشركة صاحبة السعر الأدنى خسرت الصفقة ليس على أساس السعر أو مطابقة المواصفات، وإنما على أساس العلامة الاستنسابية التي تضعها اللجنة لتفضيل فوز شركة على أخرى، عبر معادلة احتساب العلامة النهائيّة التي تقارن بين الأسعار والعلامات الفنية، و«اختراع» العلامة الفنيّة التي توضع باستنسابيّة ومن دون خضوع العيّنة لفحوص مخبريّة تبيّن معدّلي الرطوبة والاحتراق.