هل صدر أمر عمليات أميركي سعودي لقوى 14 آذار بالعودة إلى توحيد صفوفها، تمهيداً لفتح باب المواجهة مع حزب الله؟ السؤال بات مشروعاً، في ظل التلويح باستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، تارة بذريعة الاحتجاج على اللقاء بين وزير الخارجية جبران باسيل ونظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، وما تعتبره هذه القوى «سعياً من رئيس الجمهورية ميشال عون وحلفائه لفرض تطبيع العلاقات مع النظام السوري»، وطوراً بحجة الغضب من قرار المجلس الدستوري الذي أبطل قانون الضرائب، وأشار إلى ضرورة إصدار قطع الحساب عن الأعوام السابقة.
منذ أشهر، بدأت شخصيات بارزة في تيار المستقبل، وأخرى في ما كان يُعرف بفريق 14 آذار، تروّج معلومات تفيد بأن أوان إسقاط الحكومة قد اقترب. وتربط هذه الشخصيات في أحاديثها مصير الحكومة بقرار أميركي ـــ سعودي ـــ إماراتي يقضي بفرض عقوبات على لبنان، بذريعة محاصرة حزب الله. وترى هذه الشخصيات أن القرار الأميركي لن يسمح بأي مهادنة، وسيطلب من الحريري مواجهة حزب الله. وفي هذه الحالة، لن يكون أمام الحريري سوى خيارين: إما مواجهة حزب الله، وبالتالي فرط الحكومة؛ وإما عدم المواجهة، وتالياً التنحي عن رئاسة الحكومة لترك مهمة المواجهة لغيره.
على هذه الخلفية، أتت أزمة قرار المجلس الدستوري، وما تبعها من إعادة فتح النقاش حول ما يوجبه الدستور لجهة تبرئة ذمة الحكومات المتعاقبة لما أنفقته من أموال بلا سند قانوني.

ربط ماكرون عودة النازحين السوريين إلى بلادهم بالتوصل
إلى «حل سياسي مقنع»

وهذا التوجه يصيب بالدرجة الأولى فريق الحريري، وعلى رأسه الرئيس فؤاد السنيورة. وبحسب مصادر معنية بالأزمة المالية الدائرة حالياً، فإن الحريري يريد حماية فريقه، تماماً كما فعل مع الرئيس تمام سلام والقائد السابق للجيش العماد جان قهوجي، عندما أصرّ رئيس الجمهورية على إجراء تحقيق شامل بأحداث عرسال. وتلفت هذه المصادر إلى أن الحريري يرفع سقف التحدي إلى مداه الأقصى، بهدف حماية السنيورة، عبر تلويح مقرّبين من رئيس الحكومة بإمكان أن يدفعه هذا الأمر إلى الاستقالة.
التصعيد الأبرز يأتي بسبب العلاقة مع سوريا. فقوى 14 آذار عادت في خطابها السياسي في اليومين الماضيين إلى ما كانت تعتمده في سنوات الأزمات، بعد عام 2005، كما لو أن التسوية الرئاسية لم تُعقد، وأن حكومة الحريري الثانية لم تبصر النور. ويبدو واضحاً أن هذه القوى، على رأسها تيار المستقبل والقوات اللبنانية، تهوّل على رئيس الجمهورية ميشال عون، بهدف تطويقه، ومنعه من الالتزام بسياسة فيها الحد الأدنى من الاستقلالية والحرص على مصالح لبنان. فمن جهة، عادت نغمة التحذير من الاغتيالات السياسية إلى التداول في الصالونات السياسية للقوات والمستقبل، لتصوير أن لقاء وزيري خارجية لبنان وسوريا، الهادف إلى البحث عن حل لأزمة النازحين، سيؤدي إلى عودة الاغتيالات! ومن جهة أخرى، ورغم أن الزيارة الخارجية الأولى لعون بعد انتخابه كانت للمملكة العربية السعودية، ورغم إعلانه سابقاً أنه سيلبّي الدعوة الإيرانية التي وجّهت له لزيارة طهران، بدأ القواتيون والمستقبليون التحريض على رئيس الجمهورية، من خلال القول إن تلبيته للدعوة الإيرانية تعني ارتماءه في الحضن الإيراني. كذلك ترفع قوى 14 آذار من صوتها لمنع أي حل لأزمة النازحين السوريين، التزاماً منها بالسياسة السعودية والغربية في هذا المجال، والتي تريد استغلال قضية المهجرين السوريين في أي مفاوضات على مستقبل سوريا. وقد عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس عن هذه السياسة، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع عون في باريس. ففي مقابل تأكيد الأخير ضرورة تسهيل العودة الآمنة للنازحين، ربط ماكرون هذه العودة بـ«حل سياسي مقنع»، ما يعني أن على لبنان تأجيل البحث في هذه القضية إلى ما بعد انتهاء الحرب على كامل الأراضي السورية، والتوصل إلى نتيجة يرضى عنها الغرب. وفي هذا الإطار أيضاً، بدا لافتاً تأكيد ماكرون «أن فرنسا اليوم تعتبر أن تمسك الحكومة (اللبنانية) بسياسة النأي بالنفس هو أفضل طريق للحفاظ على استقرار لبنان ومن أجل العمل على معالجة أزمة النازحين والإرهاب». والنأي بالنفس في القاموس الغربي، يعني عدم التواصل الجدي مع دمشق.
خلاصة ما تقدّم أن ثنائي الحريري ــ سمير جعجع بدأ بتنفيذ خطة سياسية تحمل في طياتها عدداً من الأهداف، أبرزها خمسة: محاولة فرض سياسة خارجية على رئيس الجمهورية تراعي مطالب واشنطن والرياض؛ منع أي محاسبة حقيقية، سواء في أحداث عرسال أو في المالية العامة؛ تمهيد الطريق أمام مواجهة حزب الله في الداخل اللبناني؛ بدء التحضير للانتخابات النيابية بخطاب سياسي حاد، بعدما أفقدها التفاهم الرئاسي والحكومي كل أدوات التحريض التي استخدمتها منذ عام 2005؛ أو... تطيير الانتخابات النيابية المقبلة.
(الأخبار)