مع اختتام أعمال القمة التاسعة لمجموعة «بريكس» التي عقدت في مدينة شيامن الصينية أخيراً بحضور رؤساء الدول الأعضاء يطرح السؤال عن مدى فعالية الإجراءات التي اتبعتها المجموعة منذ نشأتها، وهل الحديث عن عملة موحّدة، سواء أكانت رقمية أم ورقية جديّ وله أسس صلبة، أم أن المسألة ليست أكثر من مجرد طموحات، أقله في المستقبل القريب؟
بدأ التفاوض لتشكيل مجموعة بريكس عام 2006، وعقدت أول قمة لها عام 2009، وكانت حينها تعرف بال «بريك»، وذلك قبل انضمام جنوب أفريقيا عام 2010. من أبرز أهداف المجموعة، كسر الاحتكار الأميركي ــ الغربي على الاقتصاد العالمي وأبرز المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدفع باتجاه حوكمة أكثر عدالة في المجال الاقتصادي، إضافة إلى تشجيع التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي وتعزيزه بين الدول الأعضاء. ومن أبرز إنجازات المجموعة كان إطلاق بنك «التنمية الجديد» عام 2014 الذي باشر أعماله عام 2015 والذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار، ويراد منه تقديم التمويل لمشروعات البنية التحتية والتنمية في دول المنظمة.

تحديات رغم الإنجازات

تريد دول مجموعة «بريكس» أن تقدم نموذجاً متميّزاً يمكن أن يصلح بديلاً أو بالحد الأدنى منافساً للنظام الاقتصادي السائد حالياً، والذي يدار من واشنطن، ويستند إلى عدالة أكبر في التعاطي، وهو ما يبرز على سبيل المثال من خلال مساهمة الدول الأعضاء بحصص متساوية في رأسمال «بنك التنمية الجديد» بغضّ النظر عن الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة وحجم اقتصادياتها، ما يحول دون هيمنة أي منهم على القرار وقدرتها على التحكم بوجهة الأموال وكيفية صرفها، على عكس ما هو معتمد في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن على الرغم من حجم الآمال والطموحات والإنجازات التي حُققت حتى الآن، إلا أن دول «بريكس» لا تزال تواجه تحديات كبيرة تفرمل اندفاعتها وتعرقل مواجهة النفوذ الأميركي على الاقتصاد العالمي. فالاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعانيها دول المجموعة كل على حدة، إضافة إلى المشاكل التي تعتري علاقاتها في ما بينها، لا تساعد على طمأنة باقي الدول النامية وتشجيعها على التخلي عمّا هو سائد.

تُسهم بعض دول بريكس في منح الدولار قوته من خلال علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة

فعلى سبيل المثال، عانت كل من روسيا والبرازيل من ركود اقتصادي امتدّ لنحو عامين، ولم تخرجا منه إلا منذ شهرين تقريباً، وتأثرت كل من البرازيل وجنوب أفريقيا بموجة عدم استقرار سياسي لامست حد الهاوية، وتحديداً في بلاد السامبا، مع عزل الرئيسة السابقة ديلما روسيف في 31 آب من العام المنصرم، الذي لا تزال ارتداداته مستمرة حتى الآن.
كذلك تلقي الخلافات التاريخية ما بين الصين والهند بظلها على سير عمل المجموعة، وكانت آخر تجلياتها المواجهة العسكرية بينهما أخيراً عند هضبة دوكلام الحدودية المتنازع عليها، والتي اتُّفق على وضع حد لها قبيل انطلاق أعمال القمة.
أما إحدى أبرز علامات الاستفهام المطروحة بجدية عن مستقبل المجموعة، فهو مدى استعداد الصين التي تُعَدُّ الاقتصاد الأكبر بين الدول الأعضاء لوضع ثقلها في تطوير «بريكس» وتعزيزها، خاصة أن اهتمامها الأساسي والاستراتيجي البعيد المدى يتمثل بإنجاز مشروع «طريق الحرير». وأحد المؤشرات غير المطمئنة تمثل بإعلان الصين في ختام القمة تخصيصَها مبلغ 76 مليون دولار للتعاون والتبادل الاقتصادي والتكنولوجي بين الدول الخمس، فيما تستعدّ لضخّ عشرات مليارات الدولارات في مشروع الطريق.
دون أن ننسى السجل غير المريح لدول المجموعة في مجال حقوق الإنسان واستشراء الفساد فيها. بالتالي، في ظل هذه المعطيات، هل يمكن الحديث جدياً عن قدرة دول «بريكس» على إطلاق عملة موحّدة؟

علاقة ملتبسة مع الدولار

تتميز الـ Cryptocurrency بأنه لا توجد هيئة مركزية تحدد قيمتها وتقف خلفها. وفيما يرى الكثير من الخبراء أن هذه المسألة تُعَدّ من أكبر العوائق أمام نمو العملة الرقمية المشفرة، إلا أن البعض الآخر يرى أن غياب سلطة مركزية له حسناته، وخاصة لناحية التهرب من العقوبات التي قد تفرض ويكون الدولار إحدى أدواتها.
وفيما لا يزال الدولار هو العملة الأكثر تداولاً وقوة في العالم، إلا أن المحاولات للحدّ من طغيانه بدأت تتكاثر مع سعي بعض الدول، وعلى رأسها الصين وروسيا، لزيادة استخدام عملاتها المحلية في التبادلات التجارية. لكن إطلاق دول «بريكس» لعملة رقمية مشفرة قد يكون من نقاط قوته أنه يمنح عملة كهذه مشروعية، لكون دول كبرى تقف خلفها، وهو ما تفتقده العملة الرقمية الأشهر «بيتكوين» على سبيل المثال. كذلك إن استخدام عملة كهذه، لو جرى اعتمادها، يمكنه أن يسهّل التجارة ويجعل من التبادل التجاري بين دول «بريكس» وشركائهم أكثر إنصافاً.
يشير الخبير في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم، إلى أنه «لا يزال من المبكر الحديث عن توحيد العملة ما بين دول بريكس، ولو على شكل الـ Cryptocurrency، خاصة أن الدورة الاقتصادية لكل دولة من دول المجموعة مختلفة، واقتصادياتها ليست متشابهة، ما يجعل من الصعب توحيد سياستها النقدية، أقله في القريب العاجل».
في السياق عينه، يرى الحكيّم أنه إذا كان الهدف من إطلاق عملة رقمية مشفرة لدول بريكس، أو حتى عملة ورقية موحّدة هو الحد من هيمنة الدولار، فإن هذه الدول تُسهم هي أيضاً في منح الدولار قوته، خاصة أن «البعض منها شركاء إقتصاديون أساسيون للولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً الصين التي تمتلك أكبر احتياطي بالدولار في العالم». فهل الصين مستعدة لأن تهبط قيمة احتياط النقد الذي تملكه؟».
من جهته يشير الخبير الاقتصادي شربل قرداحي، إلى أن «دول بريكس لاعب فاعل ومؤثر في الاقتصاد العالمي، وطموحها أن يكون لديها عملة من عملات الاحتياط كاليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني والفرنك السويسري، خاصة أنها تملك المقومات والأساسيات الاقتصادية التي تساعد توجهاً كهذا. لكن أي عملة موحّدة قد تطلقها دول بريكس، سواء أكانت رقمية أم ورقية، لن تكون بديلاً للدولار، بل عملة منافسة كاليورو. ويوضح قرداحي أنه «لا يهم إن كانت العملة ورقية أو رقمية في ظل التوجه العام نحو مجتمع خالٍ من النقد. والعملة الرقمية يمكن أن تكون مقدمة للعملة الورقية. فعلى سبيل المثال، سبقت اليورو عملة رقمية تعرف بالـ ECU استخدمتها المصارف والمؤسسات المالية في أوروبا بين عامي 1979 و 1999».
أما عن حديث رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي عن تركيز دول «بريكس» على استخدام العملات الوطنية، فيشدد قرداحي على أن احتمالاً كهذا «غير ممكن في ظل نظام صرف متحرك، لكون المعيار المعتمد سيظل الدولار. وفي حال رغبتهم بتطبيق هذا الخيار، سيكون عليهم اعتماد نظام صرف موجَّه، ومن ثَمَّ يتحول إلى نظام صرف ثابت قبل أن ينتقلوا إلى العملة الرقمية».
حققت مجموعة «بريكس» العديد من الإنجازات منذ نشأتها، وفرضت جديّاً، ولو بالحد الأدنى، الحديث عن تطوير النظام الدولي السائد حالياً. لكن يبقى أن خلق بديل جدي لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية يفرض على هذه الدول أن تبدأ بمواجهة مشاكلها الداخلية والمشاكل في ما بينها لتقدم بديلاً جدياً يعوَّل عليه وقابلاً للحياة والصمود.





عملة رقمية تجمع أكبر مصارف العالم



انضمت 6 مصارف عالمية كبرى إلى مصرف UBS السويسري في جهوده لإطلاق نظام نقد رقمي يعرف بعملة التسويات المصرفية «utility settlement coin) «USC) والذي يهدف إلى السماح للأسواق المالية بتسوية المعاملات وتسديد المدفوعات بسرعة عن طريق تكنولوجيا البلوكشين.
المصارف المنضمة هي مصارف باركليز Barclays وكريدي سويس Credit Suisse والمصرف الامبريالي الكندي للتجارة Canadian Imperial Bank of Commerce و أتش أس بي سي HSBC و ام يو اف جي MUFG و مصرف ستايت ستريت State Street.
اعتماد "عملة التسويات المصرفية" من شأنه أن يزيد من كفاءة البنوك والأسواق المالية، خاصة وأن المعاملات بين البنوك والمؤسسات المالية في الوقت الراهن تتسم بالتعقيد وباستنزافها للوقت وتكلفتها العالية. وبالتالي ستساهم هذه العملة بجعل المعاملات شبه آنية بين المصارف.
والفكرة تقوم على أن كل عملة من "عملة التسويات المصرفية" ستمثل عملة ثابتة مثل اليورو أو الدولار على أساس واحد إلى واحد، وبالتالي ستكون مدعومة 100% من المصرف المركزي المحلي. وعلى الرغم من أن "البيتكوين" تم تطويره لتفكيك السلطة النقدية المركزية بدأت الكثير من البنوك المركزية من حول العالم وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية والصين التحقق ما إذا كان بإمكانهم إصدار عملات رقمية خاصة بهم. وفي هذا الإطار يعتقد بنك إنجلترا المركزي وفقاً لدراسة نشرها في تموز من العام الماضي بأن العملة الرقمية الصادرة عن المصرف المركزي من شأنها أن تعزز الاستقرار المالي، وتحفز النمو الاقتصادي وتزيد من فعالية السياسة النقدية.

* [email protected]