سارعت إسرائيل أمس إلى الرد على قرار لبنان الرسمي (المجلس الأعلى للدفاع) بالتوجه إلى مجلس الأمن، وتقديم شكوى بشأن الخرق الإسرائيلي للأجواء اللبنانية. ردّ إسرائيل الذي جاء صراخاً من نوع آخر، عبر خرق المقاتلات الإسرائيلية جدار الصوت فوق مدينة صيدا، لا يخلو من دلالات ورسائل، سياسة وعملياتية، أرادت إسرائيل إيصالها إلى الحكومة اللبنانية.
ويشير جدار الصوت، في أجواء مدينة صيدا تحديداً، وابتعاده عن مناطق انتشار المقاومة، إلى مستوى مرتفع من الامتعاض والانزعاج من الموقف اللبناني، الذي يدفع إسرائيل، نتيجة محدودية القدرة، إلى استخدام وسيلة احتجاج كانت مهجورة في السنوات الماضية، لمحدودية نتائجها العملية، وهي إزعاج اللبنانيين عبر خرق جدار الصوت. ومستوى الانزعاج الاسرائيلي يوازي تردّد الصوت وصداه الكبير في مدينة صيدا.
وجهة الرسالة هي الموقف الرسمي اللبناني و«التجرؤ» على وضع إسرائيل في قفص الاتهام بخرق القرار 1701 لدى المحافل الدولية، بعد جهد دبلوماسي أميركي وإسرائيلي غير مسبوق، أراد الجانبان من خلاله الوصول إلى نتيجة نقيضة. توجّه لبنان الرسمي شاكياً لدى مجلس الأمن الدولي، وإن كان لا يطيح النتيجة (الهزيلة) التي تحققت عبر قرار التمديد لقوة اليونيفيل، لكنه من ناحية إسرائيل، نظراً إلى تعقيدات واختلاف مواقف الدول الاعضاء في المجلس، يعيد في حدّ أدنى التوازن إلى طاولة النقاش الدولي، في أن الخروق للقرارات الدولية ليست من طرف واحد، بل إن إسرائيل، صاحبة الشكوى الابتدائية، هي أيضاً طرف فاعل ونشط، وتستدعي أيضاً معالجة ونقاشاً خاصاً لدى المنظمة الدولية.
من هذه الناحية، تقديم الدولة اللبنانية شكوى لدى مجلس الامن، عملاً بقرار مجلس الدفاع الأعلى، حتى من دون قرار يعقب الشكوى، يعدّ من ناحية إسرائيل انكساراً تحقق بمجرد تقديم الشكوى، وخرق جدار الصوت تعبير واضح عن رد الفعل على هذه الخسارة.
من ناحية عملياتية، رسالة إسرائيل أيضاً واضحة: لا مجلس الأمن ولا القرارات الدولية تثني إسرائيل عن استباحة الأجواء اللبنانية وخروقها. وهي رسالة أرادت إيصالها إلى الجانب اللبناني، الرسمي، قبل تقديم الشكوى وقبل مناقشتها، حتى مع إمكان التقدير أنها لن تصل إلى المناقشة الفعلية على طاولة المجلس.
مع ذلك، على اللبنانيين أن يقفوا ملياً أمام الحدث: خرق جدار الصوت، واعتباره حدثاً استثنائياً، يوجبان على الإعلام والخبراء والمحللين البحث في ماهيته وتداعياته ورسائله، علماً بأنه في السابق، في الزمن اللبناني السحيق، كان حدثاً اعتيادياً، وجزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للبنانيين، كما الاعتداءات الفعلية التي كانت تتكرر على الأراضي اللبنانية، وكانت حياة اللبنانيين ودورهم وأرزاقهم ضحايا لها. هذه هي إحدى نتائج الردع المحقق في وجه إسرائيل، التي يحاول البعض تناسيها، ويحاول دفع اللبنانيين إلى تناسيها.
يكثر لدى العدو، ومن دون حرج، استخدام مثل مشهور أيضاً لدى اللبنانيين، وربما قادر على التعبير تناسبياً مع «جدار الصوت» فوق مدينة صيدا: «الكلب الذي ينبح، لا يعض».