لا تقارن زيارة الرئيس سعد الحريري غداً الأحد لموسكو بزياراته السابقة. ومع أن الحريري يزور العاصمة الروسية بصفته رئيساً للحكومة هذه المرّة، إلّا أن الظروف الدولية والإقليمية وعلاقة المملكة السعودية نفسها مع روسيا تغيّرت، وبات التسليم بالدور الروسي على شاطئ المتوسّط أمراً محتوماً، تماماً، كما ثبّت الميدان السوري شرعية الحكومة السورية وحكم الرئيس بشّار الأسد على المساحة الأوسع من البلاد.
وما لا يمكن تجاهله هذه المرّة هو أن التسوية الإقليمية التي تتّضح معالمها يوماً بعد يوم، والتي أفضت إلى تحوّل في مواقف الدول المحيطة بسوريا برعاية روسية، لا سيّما الأردن وتركيا لناحية الاعتراف العلني أو المبطّن بشرعية الأسد، لا يمكن أن يبقى لبنان خارجها، ويبقى فريق الحريري مصّراً على موقفه الذي بات متقدّماً على المواقف الخليجية.
مصادر دبلوماسيّة روسيّة أكّدت لـ«الأخبار» أن «موسكو تلمس التحوّلات الخليجية تجاهها، على الرغم من المواقف الأميركية المعترضة»؛ فبعد التواصل القطري المتقدّم، على خلفيّة الخلاف القطري ــ السعودي، تنتظر موسكو زيارة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي من المتوقّع أن «يسمع نصائح روسية بضرورة إعادة فتح الخطوط مع الأسد، لما فيه مصلحة السعودية وسوريا ومصلحة إنجاح مهمّة مكافحة الإرهاب».

قوى الأمن الداخلي تستثني السلاح الروسي من مناقصاتها!


وعدا عن التفاهمات والمداخلات التي طُلب من الوزراء المرافقين للحريري تقديمها أمام رئيس الحكومة الروسية ديمتري مدفيديف، فإن الحيّز السياسي وأزمة النازحين السوريين والملفّ السوري، ستأخذ مساحة من النقاش، إن كان مع مدفيديف، أو في اللقاء المرتقب مع الرئيس فلاديمير بوتين. وتقول المصادر الدبلوماسية إن الحريري لن يسمع موقفاً مغايراً في موسكو عمّا يقوله الروس في العلن. وهذه المرّة، «سيكون ترميم العلاقات اللبنانية ــ السورية الرسمية في أولوية النصائح الروسية للحريري، لما فيه خير لبنان ولضرورة حلّ أزمة النازحين». إلّا أن بعض المحيطين بالحريري يروّجون أن رئيس الحكومة سيسعى إلى تعديل الموقف الروسي من الأسد، بعد أن روّجوا خلال الأيام الماضية، بعد عودة الحريري من باريس، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعد رئيس الحكومة برحيل الأسد في غضون ستّة أشهر خلال «المرحلة الانتقالية»... في تكرار لرهانات خاسرة!
يتلقّف الروس الإيجابية التي يتعامل بها العهد الجديد مع موسكو، والتي تُوِّجت بزيارة وزير الدفاع يعقوب الصراف قبل أسبوعين، ومشاركته في «منتدى الجيش الروسي 2017». تركت زيارة الصّراف أثراً طيباً في العاصمة الروسية لدى المسؤولين العسكريين والسياسيين الروس. فوزير الدفاع، الذي عكس إيجابية موقف عون من روسيا خلال لقاءاته، جهد لدراسة آليات تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وأمضى أيام رحلته الثلاثة متنقّلاً بين مصانع الأسلحة ومقار الشركات المعنية بالتصنيع، واضعاً أمام المؤسسة العسكرية الروسية حاجيات الجيش اللبناني، من الدبابات والصواريخ والمدافع المتعدّدة المديات، والرشاشات المتعدّدة الأصناف والأسلحة المضادة للدروع والذخائر المتنوّعة. ويمكن القول إن زيارة الصّراف مسحت «السواد» الذي خلّفه وزير الدفاع السابق سمير مقبل في العلاقة بين لبنان وروسيا، والذي ترك أثراً سيّئاً حتى على مستوى البروتوكول، بعد تغيّبه عن عشاء رسمي دعاه إليه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. ومن نتائج زيارة الصرّاف، قرار وزارة الدفاع الروسية تزويد لبنان بهبة عسكرية تصل خلال أسابيع، وتتضمّن ملايين الذخائر والقذائف والأعتدة العسكرية.
وفي مقابل ودّ الرئيس عون والصرّاف وعلاقة الرئيس نبيه برّي بروسيا وزيارة «التكفير عن الخطايا» التي قام بها النائب وليد جنبلاط إلى موسكو، يتلمّس الروس أيضاً إيجابية يبديها الحريري.
إلّا أن هذه المبادرة تبقى ناقصة، مع المعلومات التي تصل إلى الروس عن أن نوّاب تيار المستقبل هم المسؤولون عن عرقلة اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين، والتي لا تزال محتجزة في أدراج لجنة الدفاع النيابية منذ عام 2012. وتقول مصادر المجلس النيابي إن «اتفاقية التعاون العسكري حالما تخرج من اللجان، يضعها الرئيس نبيه برّي على جدول أعمال الهيئة العامة، وعندها لا تناقش وتحوّل فوراً إلى التصديق من قبل النوّاب، لكن الخلاف عليها لا يزال في لجنة الدفاع التي يرأسها النائب سمير الجسر». كذلك فإن العقود العسكرية التي وُقّعت بين لبنان وموسكو لم تنفّذ ولم تسدّد قيمتها حتى الآن، علماً بأنه «كان من المفترض أن تدفع من هبة المليار دولار السعودية». وفيما دُفع حوالى نصف مليار لأطراف أخرى تسديداً لأسلحة تم شرائها من دول أوروبية من الولايات المتحدة الأميركية لمصلحة الجيش والأمن العام وقوى الأمن الداخلي، يتذرّع المعنيون بأن عدم دفع الأموال لروسيا سببه عدم القدرة على تحويل الأموال بسبب العقوبات الأميركية على روسيا الاتحادية. وهو أمر مثيرٌ للسخرية عند المسؤولين الروس، ويسألون: «هل جرّبوا أن يدفعوا لنا نقداً ولم نقبل؟».
وفي حين يقول أحد المراجع الأمنيين إن «العلاقات العسكرية مع روسيا سوف تتحسّن وقد يحصل شيء مهمّ في زيارة رئيس الحكومة»، ثم يضيف ممازحاً «إن سمح الأميركيون بذلك»، تعرض مصادر روسية مثالاً حول عدم رغبة اللبنانيين في التعاون، هو دفتر شروط خاص بتلزيم أسلحة وذخائر لصالح المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بتاريخ 30 أيار 2017، إذ يحدّد دفتر الشروط بلد المنشأ لشراء 2000 مسدس دول أوروبا الغربية والولايات المتحّدة الأميركية، متجاهلين المصدر الروسي. ولدى سؤال المرجع الأمني عن سبب استثناء المسدّسات الروسية في دفتر الشروط، يردّ بالقول إن «المسدسات الروسية لا تقارن بجودة المسدسات الأميركية والغربية عموماً، وهذا هو السبب، وعندما نريد أن نشتري قنّاصات، سنشتري من روسيا»!