رسم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس خارطة الطريق للمرحلة المقبلة من معارك جرود القلمون الغربي، على الحدود اللبنانية ــ السورية، مؤكّداً استمرار المعركة ضد إرهابيي «داعش»، بغضّ النظر عن المسار التفاوضي الذي سيكون هدفه الأساسي الكشف عن مصير العسكريين المختطفين.
نصرالله الذي ألقى أمس خطاباً استراتيجياً من خلال تقييمه لمسار المعركة، وضع معادلات سياسية جديدة لأمن لبنان، لا سيّما إضافة الجيش السوري إلى المعادلة الذهبية التي كان قد أطلقها في الماضي «الجيش والشعب والمقاومة». وبموقفه هذا، يكون الأمين العام لحزب الله قد جعل من معركة الجرود مدخلاً رئيسياً لإعادة التواصل الرسمي مع سوريا، في جملة رسائل للداخل اللبناني والخارج، عن أن مسار العلاقات اللبنانية ــــ السورية لم يعد مقبولاً أن يستمرّ على النحو الذي كان عليه خلال السنوات الماضية، خصوصاً في ظلّ «عدوّ مشترك ومصير مشترك».

الأميركيون هددوا وسائل إعلامية لبنانية لعدم التعاطف مع حزب الله في المعركة


وكشف نصرالله معلومات مهمّة عن مسار المعركة في الجانب اللبناني، إذ أكّد أن المقاومة يوم السبت الماضي، أي يوم انطلاق المعركة، حرّرت 20 كلم مربّعاً من الأرض اللبنانية، ولم تكن تعمل فقط على الأرض السورية، ما يدحض النظريات القائلة بغياب التنسيق بين الجيش اللبناني والمقاومة والجيش السوري. وحدّد نصرالله مهمّة العملية العسكرية في البعدين اللبناني والسوري، بطرد «داعش» من كامل الأرض اللبنانية وإزالة تهديدهم للأراضي اللبنانية، ومن القلمون الغربي السوري بعدما كان هؤلاء يشكّلون تهديداً على طريق حمص ــ دمشق، تأمين الحدود اللبنانية ــ السورية بالكامل، كشف مصير الجنود اللبنانيين المختطفين لدى «داعش» واستعادتهم. وأكد «أننا نقاتل من أجل الأهداف في البُعدين، والمعركة لا يمكن تجزئتها أو تفكيكها». وذكّر بأن المعركتين، «فجر الجرود» التي أطلقها الجيش في الأرض اللبنانية، و«إن عدتم عدنا» التي أطلقها الجيش السوري والمقاومة في الأرض السورية، حصلتا بشكلٍ متزامن، مؤكّداً أن ما تحقّق حتى اليوم السادس على الجبهتين «كبير ومهم جداً وبكل المقاييس». وشرح كيف أن قيادة الجيش أعلنت أن ما ستعمل على تحريره هو 120 كلم مربعاً من الأرض اللبنانية، والجيش اللبناني حرّر حتى الآن 100 كلم مربّع، كاشفاً أن المقاومة حرّرت 20 كلم مربّعاً من الأرض اللبنانية هي: «قلعة الحصن، قلعة يونين باتجاه معبر الزمراني»، وبالتالي يبقى 20 كلم مربعاً محتلاً من الأرض اللبنانية، من أصل 140 كلم كان يحتلها «داعش». ومن الجهة السورية، أكّد أنه كان مطلوباً تحرير ما يزيد على 310 كيلومترات مربعة، مؤكّداً أن ما تمّت استعادته حتى صباح أمس يزيد على 270 كيلومتراً مربعاً. وبالتالي، «ما بقي تحت سيطرة داعش يقرب من 40 كيلومتراً مربعاً».
وتابع نصرالله شرح الواقع الذي وصل إليه مسلّحو «داعش» في البقعة المحاصرة، ضمن «مستديرة، 20 كيلومتراً منها داخل الأراضي اللبنانية، و40 كيلومتراً داخل الأراضي السورية»، أبرز نقطة فيها مرتفع «حليمة قارة» الاستراتيجي. ومن هذا المرتفع الذي يتوسّط الحدود بين لبنان وسوريا، والذي من المفترض أن يلتقي عليه الجيشان اللبناني والسوري، غمز من قناة ضرورة التنسيق العسكري بين البلدين من دون أن يذكره حرفيّاً. وأشار إلى أن المسلحين المتبقين معهم بعض عائلاتهم، وأكد أن العشرات من المسلحين استسلموا للجيش السوري والمقاومة ولم يتم عرض صورهم بسبب «الالتزام الأخلاقي» معهم.
وكشف نصرالله أن المقاومة، بعد أخذ موافقة الدولة السورية، بدأت بالتفاوض مع المسلّحين، لكن مع استمرار العملية العسكرية، مؤكّداً أن جميع المسلحين يريدون التسوية، لكن قرار «داعش» المركزي يريد أن تستمر المواجهة، حتى لو قتل جميع المسلّحين. وأشار إلى أن «وجود المدنيين أو تمترس المسلحين بالمدنيين، طبعاً سيضع القيادات العسكرية أمام الحاجة إلى عمل أكثر دقة واحترافاً».
وشرح نصرالله مسألة التفاوض، مؤكّداً أنها تجري على الأرض السورية، ومن دون إذن الحكومة اللبنانية، وأنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار قبل التوصل إلى اتفاق، و«عندما نتفق على كل الأمور والتفاصيل يكون وقف إطلاق النار هو البند الأول في التنفيذ». وشرح أن هدف التفاوض هو أن «لا يبقى داعش، لا في الأرض اللبنانية ولا في الأرض السورية»، مؤكّداً أن أي «اتفاق كامل سيحصل مع داعش سيكون شرطه الأول كشف مصير الجنود اللبنانيين».
وشدّد على أن المقاومة تتصرّف على «أساس أننا مصير واحد وجبهة واحدة وأمن واحد ومعركة واحدة، وبالتالي لا يخطر ببال لا قيادة الجيش اللبناني ولا عائلات الجنود اللبنانيين المختطفين أنه إذا كان التفاوض في تلك الجهة فمعناه أنه يوجد أحد سيقبل بحلّ يتجاوز هذا الهدف»، تاركاً المجال أيضاً للجانب الرسمي اللبناني للبدء بالتفاوض. لكنّ نصرالله، مرّة جديدة، عاد ليؤكّد على مسألة التواصل مع سوريا، كاشفاً أن أي اتفاق يتوصّل إليه الجانب اللبناني ستتعاون معه القيادة السورية بكلّ إيجابية، لكن «هذا شرطه الطلب الرسمي اللبناني والتنسيق العلني، وليس تحت الطاولة بل فوق الطاولة، أي أن ترسل الحكومة اللبنانية رسمياً إلى دمشق لتقول للقيادة السورية أو الحكومة السورية نحن تفاوضنا مع المسلحين... ونحن نطلب منكم رسمياً أن نتعاون لإنجاح هذه المهمة».
ووجّه الأمين العام لحزب الله رسالة إلى قيادة «داعش» تحمل تهديداً مبطّناً، بأن «هذه المعركة قرارها حاسم ونتيجتها حاسمة، وليس لدينا وقت طويل لنضيّعه ونستهلكه في هذه المعركة، وبالتالي تضييع الوقت من خلال إطالة أمد المفاوضات لن يكون مجدياً». كذلك وجّه رسالة إلى اللبنانيين، مؤكّداً أنهم «مقبلون على نصر كبير»، وأن «الحدود اللبنانية، من آخر نقطة مشتركة في الحدود مع فلسطين المحتلة وسوريا إلى طول الحدود اللبنانية السورية إلى البحر، أصبحت آمنة من الإرهابيين».
وانتقد أداء بعض وسائل الإعلام اللبنانية التي ميّزت بين شهداء المقاومة وشهداء الجيش، بالقول إن شهداء المقاومة «قتلى»، كاشفاً أن السفارة الأميركية في بيروت هدّدت بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية لتغيير أدائها بعد التعاطف الذي أبدته مع المقاومة في معركة جرود عرسال، من باب التخويف بمواجهة ما تواجهه المصارف من عقوبات أميركية.
وقال متوجّهاً للأميركين ولهذه القنوات: «إن عقلكم صغير جداً، من الممكن القول ولدنة، كمن يريد أن يثير بعض الدخان وبعض الغبار من أجل حجب الشمس وحضورها وتأثيرها».
إلّا أن نصرالله فجّر مفاجأة، عندما قال إن هذا الإنجاز هو «من النتائج الممتازة جداً للمعادلة الذهبية (الجيش والشعب والمقاومة)، وهنا سنضيف إليهم الجيش السوري، والذي يريد أن يزعل فليزعل»، مؤكّداً أن ما حصل هو تكامل في الجبهتين. وختم بالقول إن «25 أيار 2000» هو عيد التحرير الأول، والتحرير الثاني في 2017، هو عيد تحرير الحدود اللبنانية السورية.
(الأخبار)