كان يُمكِن للحرب الأهليّة في لبنان أن تندلع بشرارة أخرى غير «بوسطة عين الرمانة». كان يُمكِن أن يكون: «عطلة يوم الجمعة». حدث ذلك الضجيج بين عامي 1973 و1975. جابت الجماهير الغاضبة شوارع طرابلس وبيروت، مندّدة بقرار مجلس الوزراء القاضي بالتعطيل يومي السبت والأحد، مُستثنياً الجمعة، كعطلة رسميّة في البلاد.
جاء ذلك ضمن «البرنامج الإصلاحي» للحكومة. آنذاك، كان «الإحباط إسلاميّاً» في مقابل «المارونيّة السياسيّة» الحاكمة. هكذا تتبادل طوائف لبنان، على الدوام، ذلك «الإحباط». مسيرات مُسلّحة في طرابلس، ومشادات في بيروت، رفضاً لما عُد «اعتداءً على يوم الجمعة» مِن قبل المُسلمين، وهذا «ما اعتبرناه طعنة أو خيانة بحقّ الطائفة السُنيّة. كيف يُمكن أن نتجاوز الجمعة ونحن نُعطّل السبت في أعياد اليهود». هذا ما جاء في شهادة للداعية الراحل فتحي يَكَن. الجمعة يوم مُقدّس عند المُسلمين، فلا بدّ مِن عطلة رسميّة فيه مقارنة بعطلة يوم الأحد عند المسيحيين، ولهذا شهدت شوارع العاصمة، في تلك الحقبة، مُلصقات ترفع شعار «الجمعة كما الأحد». أحد المُلصقات عُلّق على باب المجلس النيابي (كما يروي القيادي في الجماعة الإسلاميّة آنذاك محمد علي ضنّاوي). سيولد، أيضاً، ما عُرِف بـ»مجمع طرابلس الإسلامي» ردّاً على «مجمع بعبدا الحكومي». تفاقمت الأزمة عندما قصد رئيس الجمهوريّة، وقتذاك، سليمان فرنجيّة دار الفتوى لمقابلة المفتي، إلا أنّه لم يدخل إذ رفع بعض المتحمّسين ليوم الجمعة ذاك المُلصق على باب الدار، فكانت مشادة، وأخيراً لم يكن مِن رئيس الحكومة صائب سلام إلا أن تراجع عن القرار. جاء ذلك بعد خطبة ناريّة ألقاها المفتي الشيخ حسن خالد في صلاة العيد. جاليات لبنانيّة مُسلِمة أصدرت مِن دول الاغتراب بيانات شجب واستنكار، مِنها الجالية في البرازيل، التي قالت: «إنّنا نُطالب مِن وراء البحار ونصرّ على أن يكون يوم الجمعة عيداً رسميّاً تُعطّل فيه جميع الدوائر الرسميّة، وذلك أسوة بيوم الأحد، كي نُصدّق أنّ في لبنان أخوّة وطنيّة حقّة لا أخوّة مزيّفة، وذلك لأنّ مُشاركة المُسلم للمسيحي في لبنان بالاحتفال بيوم الأحد لا يُساويه إلا مُشاركة المسيحي المُسلِم بالاحتفال بيوم الجمعة» (نُشِر في مجلّة الشهاب عدد 12 - عام 1973).

قبل 13 عاماً صدر قرار بتعطيل المدارس يوم الجمعة لكنّه سقط باحتجاج مسيحي

هكذا، إنّها أزمة يوم الجمعة وعطلته، المُزمنة في لبنان، والتي عادت للظهور أخيراً مع إقرار مجلس النوّاب، الشهر الفائت، تعديل دوام العمل في القطاع العام، فيكون السبت والأحد يومي عطلة رسميّة. مفتي الجمهوريّة السابق، الشيخ محمد رشيد قباني، غاضب كثيراً هذه الأيّام بسبب ذلك. نُقِل عنه أنّ رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري طلب، قبل أكثر مِن 14 عاماً، معرفة رأيه بإضافة يوم السبت إلى الأحد، كعطلة رسميّة، مِن دون الجمعة، كون المسألة مطروحة مِن قبل بعض الوزراء. أرسل الحريري موفده محمد السمّاك إلى المفتي، وبعد عرض الأمر واستيضاحه، وكون عطلة الجمعة مع الأحد غير مناسبة بسبب عدم التتالي، إذ يفصل السبت بين اليومين، اقترح المفتي أن تكون العطلة يومي الخميس والجمعة أو يومي الجمعة والسبت. هنّا علّق السمّاك: ماذا عن المسيحيين! فأجابه: وماذا عن المُسلمين؟ بقيت الأمور على ما هي عليه. كثيرون اليوم يرفعون صوت الاعتراض، مِن رجال دين وفاعليّات، مِن السُنّة تحديداً، كما تشهد دار الفتوى (المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان) نقاشاً في هذه المسألة. بالمناسبة، قبل 13 عاماً حاول وزير التربيّة، سمير الجسر، أن يعتمد الجمعة، إلى جانب الأحد، كيوم عطلة رسميّة في المدارس. صدر قرار بذلك. لكن بعد «ضجّة مسيحيّة» شاجبة سقط القرار عمليّاً. بقيت المسألة اختياريّة لدى بعض المدارس التي، إلى اليوم، لا تزال تعطّل أسبوعيّاً في يومي الجمعة والأحد. اللافت أنّ لا أصوات شيعيّة، لغاية الآن، في هذا الصدد. ربّما مردّ ذلك إلى كون القرار أتى مِن مجلس النواب الذي يرأسه نبيه بري، إضافة إلى كون رمزيّة «الجمعة» في التُراث السُنّي، كممارسة تاريخيّة - سياسيّة، هي أكثر حضوراً مقارنة بالتُراث الشيعي، في مسألة «صلاة الجمعة» تحديداً. لكن عموماً الجمعة يوم مقدّس عندهم أيضاً. هذا بحث يطول تفصيله.
المُهم، وبعيداً عن هذه المعمعة، لِمَ لا تكون العطلة ثلاثة أيام؟ الجمعة للمسلمين والسبت لليهود والأحد للمسيحيين. العلمانيّون وسائر الزنادقة والمهرطقة فيستفيدون مِن هذه العُطَل مُجتمعة، شاكرين رجال الدين ومتمنين لهم دوام الخلاف. هذا سيُرضي الجميع. هل ستتراجع إنتاجيّة الموظفّين اللبنانيين في الإدارات العامة؟ هذه نُكتة. السياسيّون القائمون على التعديل لم يكن في بالهم إلا خفض بدل النقل، إضافة إلى الحدّ مِن ساعات العمل الإضافية خارج الدوام، هذا كلّ ما في الأمر. أساساً الآن، قبل سريان التعديل، مَن الذي يَذهب باختياره إلى إدارة عامة ليُنجز معاملة يوم الجمعة أو السبت! يقولون «نصف دوام»... هذا إن كان مِن دوام أصلاً. إذاً، فلتكن العطلة ثلاثة أيّام، ويكون الدين لله... والعطلة للجميع.