بعد يومٍ كامل من المماطلة والشروط غير القابلة للتحقّق، رضخت «جبهة النصرة» قبيل منتصف ليل أمس لشروط المفاوض اللبناني بتنفيذ المرحلة الثانية من صفقة «جرود عرسال»، فسلّمت ثلاثة من أسرى المقاومة لديها، مقابل تسلّمها موقوفَيْن من سجن رومية، وثالث لدى الأمن العام اللبناني، ما فتح الباب أمام وضع حد للوجود العسكري للتنظيم الإرهابي في لبنان، إثر العملية التي خاضتها المقاومة ضده بدءاً من فجر 21 تموز 2017.
ولم يغب التشاؤم عن بال المعنيين في المقاومة ومدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم أمس، خلال ساعات بعد الظهر وحتى إلى ما قبل منتصف الليل، إثر اقتراب الصفقة من الانهيار أكثر من مرة، بعد أن أظهر «أمير» الجبهة في الجرود المدعو أبو مالك التّلي تعنّتاً غير منطقي في رفع سقف التفاوض، محاولاً قلب الوقائع، والتفاوض من موقع القوة رغم الخسارة التي مُني بها، والابتزاز من خلفية وجود أسرى للمقاومة في حوزته.
إلّا أن كلام اللواء إبراهيم ليلاً كشف ورقة ضغط المقاومة التي دفعت «النصرة» إلى الرضوخ. فلم يعد خافياً أن أبرز أدوات الضغط التي استخدمها المفاوض اللبناني، كانت منح «النصرة» مهلةً حتى منتصف ليل أمس لمتابعة تنفيذ مراحل الصفقة والتخلّي عن المطالب الإضافية، وإلّا تعتبر الصفقة لاغية أيّاً كانت نتائجها، ولن يبقى سوى العودة إلى الخيار العسكري لسحق مسلّحي «النصرة».

أعطيت «النصرة» فرصة
حتى منتصف الليل للتنفيذ
وإلا الحسم العسكري


هكذا إذاً، تحت تهديد الحسم الميداني، أعادت القوّة العسكرية قيادة «الجبهة» في الجرود إلى «رشدها» بتنفيذ الصفقة وتسليم المقاومة أسراها الثلاثة (حمد حرب، شادي زحيم وحسام فقيه) الذين ضلّوا الطريق بعد وقف معارك الأسبوع الماضي، ووصلوا إلى المنطقة التي كانت لا تزال خاضعة لسيطرة «النصرة».
وحاول التلّي مراراً تحصيل مكاسب إضافية عبر المراوغة في إضافة أسماء جديدة لإرهابيين على لائحة مطالبه، فتارةً كان الهدف مجموعات من عين الحلوة على رأسها الإرهابي المطلوب شادي المولوي، والإرهابي الموقوف في رومية علي أحمد اللقيس المتّهم بقتل الجندي الشهيد محمد معروف حمية. إلّا أن قرار الدولة كان واضحاً برفض إطلاق أي موقوف تلطّخت يداه بالدماء، سواء من عين الحلوة أو من شارك في قتل الجنود اللبنانيين.
ومن أصل 18 اسماً طلبها التّلي، وافق المفاوضون اللبنانيون على تسليم «النصرة» موقوفَين من رومية هما عبد الغني شروف (موقوف بجرم الانتماء إلى تنظيم إرهابي) والمدعو عبد الرحمن زكريا الحسن، والأخير محكوم بجرم تجارة المخدّرات وعليه مذكّرة توقيف لارتباطه بـ«جبهة النصرة» الإرهابية، وثالث هو السوري عدنان محمد الصليبي، الذي انتهى حكمه وسلّم في 27 تموز للأمن العام لترحيله إلى سوريا، وهو أوقف في تشرين الأول 2016 بتهمة الانتماء إلى «جبهة النصرة»، لكن لم يثبت أنه نفّذ أي عمل إرهابي، فنال حكماً مخففاً. وبعدما أثار أفراد من عائلة الحسن قضية ابنهم لجهة القول إنه يرفض الانتقال مع جبهة النصرة إلى سوريا، خيّره الأمن العام بين الذهاب أو البقاء في لبنان، فاختار الذهاب إلى سوريا. والحسن سبق أن قاتل في سوريا، وتحديداً في منطقة تلكلخ المحاذية للحدود اللبنانية من جهة وادي خالد، وكان ينتمي إلى جماعة «جند الشام». وهو كان متخصصاً بتصنيع حبوب الكبتاغون والإتجار بها، كمصدر لتمويل المجموعات الإرهابية التي ينتمي إليها.
من جهته، أعلن إبراهيم ليلاً عودة الحياة إلى الصفقة، مؤكّداً أن اليوم الأربعاء سيُستكمل تنفيذ المرحلة الثالثة منها بخروج نحو 9 آلاف مدني من مخيّمات عرسال ومعهم التلّي و120 مسلّحاً آخرين، في أكثر من 200 حافلة تجمّعت في الجرود، لتسلك طريق عرسال ــ فليطا ــ النبك ــ حمص ــ السلمية، وصولاً إلى منطقة السعن في ريف حماه الشمالي الشرقي، ومنها إلى إدلب وريف حلب. وأشار إبراهيم إلى أن أسرى المقاومة الخمسة، سيُسلَّمون دفعة واحدة بعد وصول القافلة إلى وجهتها. وحول المفاوضات مع «داعش» لحلّ قضية العسكريين المختطفين، قال إبراهيم إن «الوسيط مع داعش موجود، لكن لم يحن الوقت لفتح الخطوط». وبدا لافتاً تأكيد المدير العام للأمن العام أن «الرئيس سعد الحريري هو أوّل من طلب مني تولي عملية التفاوض»، مؤكّداً أن «لبنان بأكمله انتصر الليلة»، متوجّهاً إلى المجتمع الدولي بالقول: «إننا في الخطوط الأمامية لمحاربة الإرهاب وعليكم مساعدتنا».
وكان إبراهيم قد رعى نهار أمس لقاءً لفاعليات بلدة اللبوة مع رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري، الذي أكّد أن «أهالي عرسال يشعرون بارتياح من تطهير الجرود لأنّه عبء عليهم من كلّ النواحي، وهذا الانسحاب المسلح ينعكس ارتياحاً على أهالي عرسال ولبنان بأكمله».
وفيما باتت نهاية «النصرة» في لبنان مسألة ساعات، يستمر الجيش اللبناني في تحضيراته العسكرية واللوجستية استعداداً لمعركة استعادة الأراضي المحتلة من «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع. وأكّد مصدر معني لـ«الأخبار» أن «انطلاق العمليات بات وشيكاً بعد أن أتمّ الجيش استعداداته الأولية وبدأ بالتمهيد المدفعي والجوّي باصطياد أهداف للتنظيم خلال اليومين الماضيين»، مشيراً إلى أنه «في الذكرى السنوية الثالثة لاعتداءات الإرهابيين على مواقع الجيش في عرسال وخطف العسكريين، سيقوم الجيش باستعادة الأراضي المحتلة ومحاسبة كل من تورّطت يده بدماء العسكريين والمدنيين من أهالي عرسال».