حجم الاحتياطيات
حسب «إدارة معلومات الطاقة» (EIA)، تقدَّر قيمة احتياطيات الغاز في لبنان بحدود 163.91 مليار دولار للفترة الممتدة بين عامي 2020 و2039. كذلك إن قيمة احتياطيات النفط المقدّرة هي بحدود 90 مليار دولار للفترة ذاتها.

ووفق تقديرات «Beicip Franlab»، فإن إجمالي احتياطيات النفط تراوح بين 440 و675 مليون برميل، أو بمعدل 557.5 مليون برميل. وإذا وُزِّع إنتاج النفط اليومي بالتساوي على امتداد عشرين عاماً، فإن إنتاج النفط سيكون بحدود 76,370 برميلاً يومياً. وهذا الرقم يضع لبنان في المرتبة الـ 52 عالمياً (من بين 102 دولة منتجة للنفط)، وفي المرتبة الـ 13 إقليمياً وفق قائمة CIA.
أما بالنسبة إلى احتياطيات الغاز الطبيعي، فإن شركة «Spectrum» تقدّر احتياطيات الغاز الأوفشور بين 12-25 تريليون قدم مكعب، أو نحو 20 تريليون قدم مكعب. وإذا كان إنتاج الغاز سيكون متساوياً على امتداد عشرين عاماً، فإن إنتاج الغاز السنوي سيكون بحدود تريليون قدم مكعب. وهذا الرقم يضع لبنان في المرتبة الـ 30 عالمياً والمرتبة الـ 8 إقليمياً وفق قائمة CIA.
وفي ظل هذه الأرقام، فإن المعدل الوسطي لإنتاج الغاز سنوياً هو بحدود 8.2 مليارات دولار، والمعدل ذاته بالنسبة إلى النفط 4.5 مليارات دولار.

حسنات

بيّنت الدراسة أن عائدات النفط والغاز المحتملة سيكون لها إسهام مهم ومؤثّر في الاقتصاد اللبناني والأوضاع المالية والاجتماعية. وهذه التقديرات لاحتياطيات النفط والغاز ستُسهم بالتأكيد في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للبنان ونموه العام على امتداد العشرين سنة المشار إليها أعلاه. فعلى صعيد المالية العامة للبنان، من المقدَّر أن تزداد الإيرادات العامة من جراء استغلال النفط والغاز: 15% ضريبة على الدخل، 60% رسم ملكيّة على إنتاج الغاز، و5-12% رسم ملكيّة على إنتاج النفط.

سيسجّل الميزان التجاري فائضاً مالياً على امتداد 20 عاماً

وبهذه الأرقام، فإن المعدل الوسطي المقدّر لإيرادات النفط والغاز هو بحدود 5.7 مليارات دولار على أساس سنوي للسنوات العشرين المذكورة آنفاً. وهذه الإيرادات ستعزز مستويات الإيرادات العامة وتُبقي نسبة العجز المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات مقبولة بحدود 4-5% سنوياً. وبالتالي، سيكون للحكومة قدرة أكبر على التحكم بمعدل نمو الدين العام، وربما خفض نسبته من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون 100%، خصوصاً إذا طُبِّقَت إصلاحات مالية تستهدف ضبط الإنفاق العام وتحسين الإيرادات العامة. وإذا أخذنا بالاعتبار ميزان المعاملات الجارية، فمن شأن إنتاج النفط والغاز أن يقلّل مستوردات لبنان من هاتين السلعتين، ما يؤثّر إيجاباً في تحسين وضعية هذا الميزان، حيث يمكن هذا الميزان أن يسجّل فائضاً مالياً قد يصل إلى نحو 1-1.5% من الناتج المحلي الإجمالي على امتداد عشرين عاماً.
كذلك إن استخراج النفط والغاز وإنتاجهما سيتطلبان استثمارات كبيرة من قبل الشركات العالمية. وهذا يعني تدفقات أكبر للاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى لبنان، ما يحسّن وضعية ميزان الرساميل. وبهذا التحسّن المرتقب في وضعية كل من الميزان الجاري وميزان الرساميل، قد يسجّل ميزان المدفوعات فوائض مالية كبيرة على امتداد عشرين سنة.
كذلك إن استخراج النفط وإنتاجه في لبنان سيساعده على تخفيف معدلات التلوث عبر التحوّل من إنتاج الكهرباء باستخدام الفيول أويل إلى إنتاجها باستخدام الغاز، ما يوفّر للبنان فرصة مهمة لتطوير إمكاناته على صعيد الطاقة المتجددة. وكل ذلك سيؤدي إلى تعزيز معدلات النمو الاقتصادي المستقبلية وخفض معدلات البطالة المحلية.

سلبيات

في مقابل هذه الإيجابيات لاستخراج النفط والغاز وإنتاجهما في لبنان، تطرقت الدراسة إلى بعض السلبيات التي قد تنجم عن تحوّل لبنان إلى بلد منتج للنفط والغاز، وتحديداً ما يعرف بـ»لعنة الموارد» و»المرض الهولندي».
بحسب الدراسة، فإن الأدب والوقائع الاقتصادية تشير إلى علاقة محددة بين وجود الموارد الطبيعية (مثل النفط والغاز) والأداء الاقتصادي الضعيف، وهذا ما يُسمى «لعنة الموارد». في الواقع، إن العديد من الدول المنتجة للنفط شهدت صعوبات اقتصادية متنوعة مع بدء أعمال استغلال موارد النفط والغاز. وهذا يحصل عندما تؤثّر تحركات أسعار النفط والغاز في النمو الاقتصادي بنحو سلبي، من خلال تحقيق تراكم أقل في الرأسمالين البشري والمادي. وإذا كانت صناعة النفط والغاز كبيرة في لبنان، وإذا لم تتحقق إجراءات حازمة لتقوية المؤسسات والحوكمة والمحاسبة المالية والشفافية، عندها يمكن المراقب أن يتوقع حصول «لعنة الموارد» ويزداد نطاق الفساد أكثر.
وهناك مصدر قلق آخر للبنان من استخراج النفط والغاز وإنتاجهما: إنه ما يسمّى «المرض الهولندي». وهذا يعني أن حصول تدفقات مالية خارجية أكبر إلى الاقتصاد اللبناني من جراء عائدات النفط والغاز سيُسهم في تحقيق تحسّن حقيقي في سعر صرف العملة الوطنية، ما قد يؤدي إلى نهضة أكبر في قطاع المنتجات غير المتبادلة، ولا سيّما قطاعات المصارف والبناء، وذلك من خلال خفض أسعار المستوردات أو زيادة التسليف الخارجي. وهذا التطور قد يقلّل من قدرة البلد المالية على الصمود ويعرّض الاقتصاد الوطني لمخاطر أكبر مع احتمال تراجع أسعار النفط والغاز وعائداتهما. إلى جانب ذلك، إن التحسّن الحقيقي في سعر صرف العملة الوطنية وازدياد معدلات التضخم الناجمة عن التدفقات الأكبر للموارد المالية الخارجية وزيادة عرض النقد في الاقتصاد الوطني ستؤثّر سلباً في دخول المؤسسات والشركات إلى القطاع التجاري، ما سيحدّ من التنويع في الإنتاج الوطني، وبالتالي من إمكاناتها التصديرية.

* [email protected]