أخذت الهيئات الاقتصادية ثلاثة أيام لإصدار موقف من الضرائب التي أقرّها مجلس النواب والتي تطاول الأرباح المصرفية والعقارية، كما تصيب الاستهلاك والمعاملات الإدارية. قررت هذه الهيئات مواصلة التهويل الذي رافق كل معركة تصحيح الأجور وسلسلة الرتب والرواتب، إلا أن اللافت في بيانها الصادر أمس هو التطابق بينها وبين موقف النائب سامي الجميّل، الذي طالب رئيس الجمهورية بردّ قانون التعديلات الضريبية الأخير.
يرفض أركان الهيئات الاقتصادية الإفصاح عن خطة تحرّكهم بعد إقرار هذه القانون، إلا أنه يمكن التكهن بأن الخطوة الأولى في هذا التحرّك هو خلق مناخ ضاغط يسمح بإعادة النظر بهذا القانون، عبر ردّه من قبل رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب ليناقشه مجدداً!
ما يعزز من قوّة التكهن، هو الكلام المنقول عن رئيس الجمهورية ميشال عون في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، إذ قال: «كان يجب إقرار الموازنة قبل السلسلة لتحديد الموارد والنفقات، لذلك يجب علينا العمل على تحسين الإيرادات المالية للدولة حتى لا يزداد العجز وتتراكم الديون». كلام عون فيه الكثير من التلميح؛ وإن كان لا يحمل موقفاً جازماً مع أو ضد إقرار قانوني السلسلة والضرائب، إلا أن خلفية كلام عون تتصل بما كان يطرحه رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان منذ فترة عن إمكانية تحقيق وفر في الموازنة بقيمة 1000 مليار ليرة، علماً بأن فكرة كنعان التي كرّرها في المجلس النيابي أشعلت مواجهة كلامية مع وزير المال علي حسن خليل، الذي اعتبرها بمثابة مزحة تفتقد الجدية، لكونها تفترض إلغاء بنود إنفاق قائم بهذه القيمة الكبيرة، وهو ما يعدّ أمراً صعباً للغاية، فضلاً عن أنه لا يمكن أن يحل محل زيادة الضرائب، نظراً إلى العجز الكبير القائم، سواء مع احتساب كلفة السلسلة أو من دون احتسابها.

عون: كان يجب
إقرار الموازنة قبل السلسلة لتحديد
الموارد والنفقات



على أي حال، موقف الهيئات بقي تهويلياً، أقله بالشكل. فهي قالت في بيانها إن المخاطر الناجمة عن سلّة الضرائب التي أقرّت بذريعة تمويل سلسلة الرتب والرواتب استدعت عقد اجتماع طارئ للهيئات الاقتصادية، التي رأت أن لهذه السلّة «تأثيراً كارثياً على الاقتصاد والمجتمع اللبنانيين، وسيهزّ السلامة المالية للبنان وتصنيفه الائتماني ومرتكزات الاقتصاد اللبناني، وذلك لمصلحة الاقتصاد غير الشرعي».
وتابعت: «إزاء هذه الأخطار، تناشد الهيئات الاقتصادية فخامة رئيس الجمهورية، وهو المؤتمن على الدستور والبلاد، واستناداً إلى المادة 57 من الدستور، أن يرد القانون إلى المجلس النيابي لإتاحة المجال أمام قراءة ثانية ومتأنية واستدراك المخاطر التي يرتبها على الاقتصاد والمجتمع اللبنانيين». وختمت الهيئات الاقتصادية بيانها بأنها قرّرت إبقاء اجتماعاتها مفتوحة «لمتابعة تطورات الموقف والتداعيات المترتبة عنه».
في الواقع، ليست هذه المناشدة لرئيس الجمهورية سوى الخطوة الأولى في اتجاه الاعتراض على السلّة الضريبية التي أقرها مجلس النواب، إذ إن البيان يلمّح إلى أن الهيئات لن تقبل تمرير الضرائب التي تصيب أرباحها للمرّة الأولى منذ نهاية التسعينيات. وبحسب المعلومات المتداولة بين المصرفيين، فإن المسألة كلها تتعلق بالمادة 19 التي قضت بزيادة الضريبة على الفوائد من 5% إلى 7%، واعتبار هذه الضريبة التي تسددها المصارف عبئاً عادياً ينزل من أرباحها، ليس كما يحصل اليوم، إذ تُحتَسَب سلفةً على حساب ضريبة الأرباح، ما يؤدي فعلياً إلى إعفاء المصارف كلياً من موجبات تسديد هذه الضريبة. تزعم جمعية المصارف التي تقود حملة الضغوط أن هذه المادة «ترتب كلفة أكبر على أسعار الفوائد الرائجة في السوق، فضلاً عن أنها تشمل الأموال الموظفة سابقاً لدى الدولة اللبنانية، فيما كان يجب أن يشمل التوظيفات الجديدة فقط، لذا فإن المصارف ستلجأ إلى مجلس شورى الدولة للاعتراض على هذا الأمر».
ويشير مصرفيون إلى أن السلطة «لم يكن لديها الجرأة على التعرّض لسندات اليوروبوندز حتى لا تهتزّ صدقيتها أمام المجتمع المالي الدولي، لأن فرض ضريبة على اليوروبوندز كان سيفجر كارثة، لكنهم قرّروا أن يحصلوا على التمويل المطلوب بهذه الطريقة التي تؤدّي إلى ضرب المصارف الصغيرة التي سيرتفع معدل الضريبة على بعضها إلى نحو 60%».
وكان الجميّل قد عقد مؤتمراً صحافياً قبل يومين ناشد فيه رئيس الجمهورية ردّ قانون الضرائب لإنقاذ «الطبقة الفقيرة والوسطى في لبنان والوضع الاقتصادي». ويقول الجميّل إن «الدراسات تشير إلى أن القدرة الشرائية للمواطن ستنخفض بين 10% و20% إذا اعتمدت الضرائب، وأنه سينزل أكثر من مئة ألف لبناني تحت خط الفقر بسبب الضرائب والـtva»، مشيراً إلى أن «القسط المدرسي سيرتفع بنسبة 27%»، وكذلك أسعار الشقق وشبابنا سيعانون، فقد أقدمت السلطة على كارثة اقتصادية من دون أي جدوى اقتصادية أو دراسة».
(الأخبار)