وقّعت جمعية مصارف لبنان ونقابة موظفي المصارف عقد العمل الجماعي عن الفترة 2016-2017. العنصر الوحيد المتغيّر في هذا العقد مقارنة مع العقد السابق 2013-2014 يتعلق بالمادة 49، التي كانت نقطة خلاف بين الطرفين، ومحورها إدارة الصندوق التعاضدي الاستشفائي الذي أنشأته النقابة، والذي يؤمّن لموظفي المصارف الاستشفاء بعد التقاعد. الاتفاق يتضمن الصيغة التنفيذية لتطبيق نظام الاستشفاء بعد سن التقاعد، وهو يأتي بعد مفاوضات استغرقت سنوات حول إنشاء وإدارة الصندوق التعاضدي الاستشفائي.

في البدء كانت جمعية المصارف ترفض هذا الصندوق، إلا أنها تراجعت أثناء توقيع العقد الجماعي 2013-2014، إذ تضمن العقد اعترافاً منها بوجود هذا الصندوق وبحقوق الموظفين في الاستفادة منه بعد بلوغهم سن التقاعد.
رغم ذلك، لم تطبّق بعض المصارف هذا النظام، فضلاً عن أن جمعية المصارف كانت تنظر إلى إنشاء الصندوق على أنه كلفة إضافية لزيادة الأعباء على المصارف. لاحقاً، أعربت الجمعية عن قلقها من ضعف قدرة النقابة على إدارة الصندوق وعلى استعماله في الانتخابات النقابية لنقابة موظفي المصارف واتحاد موظفي المصارف. هواجس الجمعية تبدّدت في المفاوضات الأخيرة، بعدما أظهر اتحاد نقابات موظفي المصارف مرونة في النقاش حول إدارة الصندوق.
وتنصّ المادة 49 من عقد العمل الجماعي على الآتي:
ـــــــ تلتزم المصارف مباشرةً بعد توقيع عقد العمل الجماعي 2016- 2017 أن تؤمن للمستخدمين العاملين لديها حق الاستمرارية الاستشفائية المعروفة بالـCPO Conversion Privilege Options فيستفيدون بعد سن التقاعد من تغطية شركة التأمين المتعاقدة مع المصرف و/ أو الصندوق التعاضدي لموظفي المصارف للاستشفاء من الدرجة الثانية، على أن يتحمّل الموظف كلفة هذه التغطية (قسط التأمين) وأن يمارس هذا الحق كحدّ أقصى خلال فترة تسعين يوماً من تركه العمل. ويحق للموظف شراء الاستمرارية الاستشفائية (CPO) لزوجته على أن يتحمل كلفتها.
ـــــــ يلتزم المصرف بنقل المستخدمين العاملين لديه والذين بلغوا سن التقاعد ومارسوا هذا الحق ضمن المهلة المذكورة أعلاه الى شركة التأمين التي حلّت مكان الشركة المصدرة لحق الاستمرارية (CPO). كما يلتزم المصرف المتعاقد مع شركة التأمين المصدّرة للـ CPO أن يتضمن عقد التأمين البنود الآتية: عدم إدخال أي استثناء Exclusion لم يكن موجوداً من قبل أو عدم إلغاء موظفين مستفيدين من حق الخيار بعد بلوغهم سن التقاعد، تسعير بوليصة الاستشفاء في الدرجة الثانية للراغبين شراءها عند بلوغهم سن التقاعد وتركهم العمل بالاستناد إلى التسعيرة الواردة في جدول الأسعار (وفقاً للفئات العمرية) المصرح به إلى إدارة المصرف والمطبّق من قبل شركة التأمين على مستخدمي المصرف الذين ما زالوا في العمل وعلى المتعاقدين مع المصرف بعد بلوغهم سن التقاعد.

أظهر اتحاد نقابات موظفي المصارف مرونة في النقاش حول إدارة الصندوق

ــــــ إذا كان لدى المصرف نظام خاص (تغطية مصاريف الطبابة والاستشفاء) للمتقاعدين أكثر فائدة للمتقاعدين من نظام الاستشفاء بعد التقاعد الوارد في هذا العقد، يبقى هذا النظام معمولاً به.
وبحسب رئيس جمعية المصارف، جوزف طربيه، فإن تطبيق هذا النظام يأتي «بعدما تحسّست المصارف قلق موظفيها لهاجس الاستشفاء بعد سن التقاعد»، لافتاً إلى أن «المؤسسات المصرفية باتت اليوم، بفضل إقرار آلية تطبيق النظام الاستشفائي للمتقاعدين، من المؤسسات الاقتصادية القليلة في القطاع الخاص التي تؤمن للعاملين فيها تغطية صحية أثناء مزاولة العمل وكذلك الحق بها بعد التقاعد إذا قرّر الموظّف ممارسة هذا الحق». وأضاف طربيه: «الجمعية تنظر بتقدير بالغ إلى صندوق التعاضد الاستشفائي وتتعاطى معه بإيجابية، وقد سبق لها أن عمّمت على المصارف دعوة لتشجيع الانتساب إلى الصندوق، خصوصاً في ضوء الضمانات المعطاة من اتحاد نقابة موظفي المصارف بأن تتعزّز إدارة الصندوق بأصحاب الكفاية والخبرة والنزاهة، وأن تعتمد في تسيير شؤونه أحدث قواعد الحوكمة والشفافية الكفيلة بتأمين توازنه المالي المستدام ومقوّمات استمراريته».
من خارج عقد العمل الجماعي، توصّلت النقابة والجمعية إلى اتفاق حول المشكلة الأكبر المتعلقة بالمصارف التي ترفض تطبيق بنود العقد الجماعي. وفي الواقع، إن هذا المطلب كان محور بحث دائم بين الطرفين، إلا أن موقف الجمعية لم يكن على قدر طموحات النقابة الساعية إلى استفادة كل موظفي المصارف من العقد الجماعي. نقابة المصارف حاولت مراجعة الجمعية، مراراً وتكراراً، عن هذه الخروقات، لكنها لم تتمكن من التوصّل إلى طريقة لمعالجتها. المشكلة تكمن في تملّص الجمعية من مسؤولية «الفرض» على أعضائها، وبالتالي كان الخيار متروكاً للتطبيق الكامل للعقد الجماعي أو التطبيق الجزئي أو التطبيق الكيفي، أو الامتناع عن التطبيق كلياً. بهذه الوضعية حدّدت نقابة الموظفين مجموعة واسعة من الخروقات التي تبدأ بالامتناع عن تطبيق سلم الرتب والرواتب (بعض المصارف تدفع رواتب أقل من المنصوص عنها في العقد) وصولاً إلى المنح العائلية الإضافية (50% إضافية من المنح التي يدفعها الضمان الاجتماعي)، ودوام العمل الذي يسمح بأن يزداد الدوام سبع ساعات أسبوعياً بشرط ألا يكون الأمر دائماً ومتواصلاً (غالبية المصارف جعلت الساعات الإضافية ثابتة ومتواصلة)، أما الزيادات الإدارية فهي الأكثر حراجة، إذ إن بعض الموظفين يحصلون على زيادات إدارية تبلغ قيمتها 7 آلاف ليرة في السنة، وبعضهم تصل كحد أقصى إلى 25 ألف ليرة!
إذاً، كيف ستعالج المشكلة؟ يقول رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج حاج إن «العمل يداً بيد مع جمعية المصارف سيركز على موضوع الخروقات التي تزداد في تطبيق نصوص العقد. وبحسب مصادر مصرفية، فإن اتحاد المصارف تلقّى وعداً خلال المفاوضات بأن تصدر الأمانة العامة لجمعية المصارف تعميماً يوجّه لكل المصارف من أجل تطبيق نصوص العقد الجماعي وتطبيق كامل بنوده.
الحديث عن معالجة الخروقات يعني أنها موجودة منذ توقيع العقد السابق في 2013، وهذا يعني أن المشكلة قائمة منذ ذلك الوقت، فماذا فعلت الجمعية؟ يجيب طربيه: «السؤال مشروع، لكن الجواب مشروع أيضاً؛ فالجمعية ملتزمة بهذا العقد وتطبيقه بشكل كامل». الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر يقول إن «الخروقات محدودة وليست بالحجم المثار».