يُعدّ لبنان نسخة متطرفة من البلدان التي يعاني أبناؤها من مديونية عالية في ظلّ تفاوت هائل في مستوى الثروات بين طبقاتها الاجتماعية، وبالتالي، ووفقاً للمعايير التي يستند إليها تقرير "كريديه سويس"، فإنّ عامل الخطر الذي يودي بالعائلات إلى هوّة الثروات المتواضعة، موجود بقوّة.
وتظهر تلك المخاطر بوضوح بعد قراءة البيانات التي يؤمّنها التقرير بالاستناد أساساً إلى المعلومات المتاحة (من المصارف والإدارات العامة)، على الرغم من وصفه المعطيات التي يتم الحصول عليها لتقييم الثروة في البلاد بأنها "ضعيفة".
بداية مع عدم المساواة في توزّع الثروة، والخلل الذي يولّده النظام الاقتصادي الاجتماعي القائم على إدارة تحالف الرساميل وزعماء الطوائف للدورة الاقتصادية. توضح البيانات أن نسبة البالغين الذين تقلّ ثرواتهم عن 10 آلاف دولار هي 67%، فيما الذين يتمتعون بثروة بين هذا الحدّ ومئة ألف دولار فنسبتهم 29.7%، أما الشريحة من بعدهم بثروة حتّى حدود مليون دولار فنسبتها 2.8% من الإجمالي، ليبقى 0.3% من البالغين في لبنان بثروات تفوق مليون دولار.
هذه البيانات قابلة لكثير من التمحيص والمراجعة باعتراف معدّي التقرير أنفسهم، نظراً إلى "ضعف" مصادرها، ونظراً إلى نظام الإدارة الاقتصادية الذي يحتمل نقداً جماً، لدرجة أنّ البنك الدولي دعا في إحدى المراحل القيمين عليه إلى أخذ حصص معقولة من الجبنة الاقتصادية وتأمين هامش معيّن لتعزيز الإنتاجية والخدمات العامة وفرص العمل.

لبنان من بين أسوأ عشرين بلداً على صعيد عدم المساواة في توزّع الثروات

غير أن الخلاصة التي لا تحتمل التأويل من البيانات هي تلك الخاصة بـ"مؤشّر جيني" الذي يقيس التفاوت في المداخيل ويُعدّ الأداة الاقتصادية الأساسية لقياس عدم المساواة في اقتصاد ما. إذ يُفيد التقرير بأن المؤشر يبلغ حالياً 86.1%، ما يجعله من بين أسوأ عشرين بلداً على صعيد عدم المساواة في توزّع الثروات.
في عام 2010 وصل معدّل ثروة اللبناني إلى مستوى قياسي تاريخي (وهو مستوى اسمي لا يُحتسب فيه عامل التضخّم) وذلك نتيجة استفادة النظام المالي اللبناني ذي السرية المصرفية والفوائد العالية من الأزمة المالية العالمية وهرب الرساميل من الأسواق الغربية بالتزامن مع اتفاقات سياسية داخلية أنعشت السياحة، إضافةً إلى مجموعة اتفاقات تسهيلية على مستوى الإقليم لعب فيها الاقتصاد اللبناني دوراً محورياً. ولكن بعد تلك المرحلة، أخذ المعدّل منحى انحدارياً نتيجة الاضطرابات الإقليمية، وعلى رأسها الأزمة السورية، إضافة إلى عودة الاستقرار النسبي إلى الأسواق العالمية. هكذا هوت ثروة اللبناني بنسبة 13.5% خلال السنوات الست الماضية، فيما انخفضت ثروة البلاد الإجمالية (بدون احتساب ثروة الدولة ومديونيتها العامة) من مئة مليار دولار إلى 94 مليار دولار.
اللافت في بيانات الثروة اللبنانية، هو ما يُمكن ملاحظته منذ مطلع الألفية. ففيما تضاعفت ثروة البلاد الإجمالية، بعدما كانت 47 مليار دولار في عام 2000، نما معدّل ثروة الفرد بنسبة أقل من 50%. ويعود هذا التفاوت في توزّع الثروات إلى عدم المساواة في النظام الضريبي اللبناني، المحاباة على مستوى إدارة الشأن العام وتوزيع الإيرادات المتولّدة من العقود العامّة والتي تُضعف قدرات الطبقة الوسطى على الادخار ومراكمة الثروات عموماً.
وإذ تؤشّر هذه البيانات إلى تركّز كبير في الثروة، تُفيد بأنّ النموذج الاقتصادي الذي لا يوزّع خيراته على نحو منطقي أو يطبّق آليات معينة من الإدارة العادلة، يدفع أبناءه أكثر نحو الاستدانة. فخلال تلك الفترة نفسها، تضخّم معدّل مديونية اللبناني البالغ بنسبة 207%.
في بداية العقد الماضي، كان معدل مديونية الفرد إلى ثروته في لبنان 32% لترتفع تلك النسبة إلى 45.5% في عام 2016. أما على مستوى العالم، فالنسبة كانت 15.7% فقط في مطلع الألفية، وارتفعت إلى 16.4%؛ هذا يعني أن معدّل مديونية اللبناني إلى ثروته يعادل ثلاثة أضعاف المعدّل العالمي.
ويتخطّى لبنان بأشواط المعدّلات الإقليمية التي يُمكن احتسابها من بيانات التقرير، والتي تبلغ 11% فقط في أفريقيا، 18% في منطقة آسيا - المحيط الهادئ (التي يُصنّف فيها لبنان بحسب هذا التقرير)، 17.5% في أوروبا، وفي أميركا اللاتينية النسبة هي 17%، أما في أميركا الشمالية، حيث أعلى معدّل لمديونية الفرد في العالم (فوق 56 ألف دولار) فتبلغ نسبة المديونية إلى ثروة الفرد 16.7%.