لعلّ أكثر ما يلفت المدقّق في وجه الرئيس سعد الحريري هو بروز الشيب فيه أكثر من كل ساسة تياره الذين يكبرونه سنّاً. لم يعد لقب الزعيم «الشاب» يتناسب مع تعب الوجه وانتفاخ العينين وثقل المسؤولية.
كل الذين عايشوا عصر والده الذهبي، وورثهم كتركة سياسية، يفوقونه حيوية وشباباً. مع ذلك، ليس بينهم من حمل إليه إنجازاً واحداً، يروي به عطش قاعدة شعبية، "جفّ ريقها" في زمن الشحّ المالي والسياسي والخدماتي. المؤتمر العام الثاني لتيار المستقبل بدا أشبه ما يكون ببيت بـ "طبقات" كثيرة تفصل بينها آراء ومواقف وطموحات ومطالب. طبقات «برجوازية» لم يزِدها غياب الحريري إلا توسّعاً وتخمة، وطبقات «مسحوقة» تحمّلت وحدها أزمة تيار خرج بعد 11 عاماً قاده فيها الحريري الابن بنتائج «مخيبة» على مختلف الصعد. وقد حظي «المسحوقون» بفرصة «فش خلقهم» حول تقاعس المسؤولين في التيار وإهمالهم وتهاونهم. وفيما استبشر حوالي 2500 كادر مستقبلي خيراً في اليوم الأول للمؤتمر، بنزول الحريريّ لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، فوجئوا بانسحابه من المؤتمر فور الإنتهاء من كلمته. وبدلاً من تخصيص هذا النهار لسماع الإنتقادات والمراجعات النقدية، ترك رئيس تيار المستقبل المهمة لكل من الكتلة النيابية والمكتب السياسي، ما أثار إمتعاض الشبان والشابات، قبل أن يعود الحريري بعد الظهر إلى البيال للمشاركة في النقاشات والرد على الأسئلة والمُداخلات التي تجاوزت الـ 180 مداخلة.
تباهى الحريري أمام شابات «المستقبل» وشبانه بقوة التيار التي لا تقهر بفضل «المخلصين». لكن الحقيقة المّرة، كما أكدت التجارب، هي أن من استلم الدفة طيلة السنوات الماضية في فترة غيابه من صقور وحمائم يحسنون إطلاق البالونات الفارغة في الهواء، فيما لم يحصد الجمهور المستقبلي إلا الخيبة نتيجة تبجّح القياديين بقوة غير موجودة، وخوض معارك خاسرة على المستويين السياسي والتنظيمي. وهذا يعني أن ترجمة رغبة الإصلاح عند الرئيس الحريري تستدعي تغيير الطاقم كله واستبداله بفريق عمل جديد، أكثر ارتباطاً بالتيار. مع ذلك، يبقى أن الذهاب إلى هذا المؤتمر خطوة جيدة، إذا ما فرضت الإنتخابات الداخلية جيلاً جديداً قادراً على النهوض بالتيار من وضعه المترهل، وأنتجت لوائح حقيقية بعيداً عن «التزوير»، كما وعد الحريري حين قال «لا أحد يقول لكم هذه لائحة سعد الحريري.. أنتم جميعكم سعد الحريري».
المؤتمر الذي عارضه أغلب مستشاري الرئيس الحريري، حضره أكثر من ألف شخصية سياسية واجتماعية، لبنانية وعربية وغربية، استمعت إلى كلمة الرئيس الحريري، وغادرت قبل أن تبدأ الجلسات المغلقة لمناقشة الوثائق السياسية والإجتماعية والإقتصادية. بعد تلاوة التقرير تمحور النقاش حول القضايا السياسية والوطنية، إضافة إلى عمل المكتب السياسي والكتلة النيابية والأمانة العامة.

سنوات التحريض
لا تزال آثارها موجودة بقوة لدى القاعدة الحزبية
واستعرض الصعوبات التي واجهها التيار منذ 2010، مروراً بوضع فريق 14 آذار، والمحكمة الدولية والقضاء اللبناني و"هيمنة حزب الله وايران"، والمبادرات التي اطلقها الحريري وصولاً إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
«الأخبار» اطلعت على بعض ما جاء في مداخلات الكوادر المستقبلية، بعيداً عن عدسات الكاميرا في جلسة اليوم الأول التي أدارها النائب محمد الحجار. وهذه المداخلات إن دلّت على شيء، فعلى أن التحريض الذي مارسه قادة المستقبل طيلة السنوات الماضية، قد فعل فعله في نفوس هذه القاعدة، إلى حدّ أنها لم تعد تستطيع التأقلم مع استدارة الرئيس الحريري، كما هو الحال مع أحزاب وتيارات أخرى. وقد ترجم هذا التأثير على ألسنة المشاركين خلال مداخلاتهم، ما يؤكد أن القاعدة في واد منفصل كلياً عن القيادة. وقد ظهر فعلياً بأن هذه القاعدة لا تواكب الرئيس الحريري كما يواكب قاعدة الحزب الإشتراكي النائب وليد جنبلاط على سبيل المثال.
بالنظام، بدأ كل كادر كلامه بعد التعريف عن نفسه والقطاع الذي ينتمي إليه. بعضهم أعرب عن سخطه من «القضاء الذي يتعاطى بمكيالين. فيحاسب متهمين من فريق معيّن، فيما لا يجرؤ على مقاضاة كل من يحمل صفة (مقاوم)»، في إشارة إلى حزب الله. ومنها انتقل الحديث عن «المحكمة الدولية التي لم تفلح في القاء القبض على المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، متسائلاً عن «ما الذي سيفعله تيار المستقبل في ما يتعلق بالمتهمين الذين وردت أسماؤهم في تقرير المحكمة». آخرون عبّروا عن تضامنهم مع «المساجين الإسلاميين»، رافضين «طريقة التعامل معهم». بعض الشبان «رفضوا الحوار مع حزب الله ودعم عون لرئاسة الجمهورية»، مستغربين لماذا «لا يسأل التيار قاعدته عما إذا كانت توافق على هذه السياسات، أو أقله يجري إعدادها لتقبل قرارات من هذا المستوى». وماذا عن حزب الله؟ «كيف ستجري مواجهته، وما هي استراتيجية التيار للوقوف في وجهه»؟ أما الإنتقادات التي تعرض لها كل من المكتب السياسي والكتلة النيابية، فقد نزلت على رؤوس الأعضاء كصاعقة. استحق هؤلاء أن يكونوا في قفص الاتهام بعد سنوات من الإهمال، ونالت منهم الإعتراضات، بصفتهم «أعضاء ونوابا غير فاعلين وغير خدماتيين». يغضب المستقبليون من كون «أكثر المستفيدين خدماتياً من نواب التيار هم أشخاص ليسوا في التيار إنما مقربون منه». ولذلك طالب هؤلاء بأن تكون حصة المستقبل في الحكومة «وزارات خدماتية كتلك التي تحصل عليها بقية الأحزاب والتيارات، والتخلّي عن وزارات البرستيج كالداخلية والعدل». في الوجدان بقيت «الثورة السورية» و«ثورة الأرز»، ويبدو أن جمهور المستقبل لا يزال يعيش على أمجادهما. ولعلّ أكثر ما يدعو إلى الإستغراب، هو أن يطالب الجمهور تياره بمساندة «الثورة السورية» فيما هو يحتاج إلى من يسنده! كما دعاه الى القيام «بجهد أكبر لمنع تفكّك 14 اذار»، بعدما وردت هذه النقطة في التقرير السياسي، معتبرين أنه «يجب أن يكون هناك مشروع واضح ومحدد». وبمناسبة الحديث عن 14 آذار، خرجت من بين الكوادر صبيّتان إحداهما من الضاحية وأخرى من الجنوب، للسؤال عن «ما الذي فعله تيار المستقبل كي يحتوي الشيعة الذين لا ينضوون تحت لواء حزب الله وحركة أمل»! فيما طالبت إحدى المستقبليات الرئيس سعد الحريري بأن «ينصف الطائفة السنية كما ينصف باقي الطوائف»، فردّ عليها بالقول «انتِ أول من سأرشحه الى المكتب السياسي غداً لأننا نحتاج إلى أشخاص بصراحتك»!
بعد المداخلات، جاء وقت النواب الذين ردوا ممتعضين مما اعتبروه ظلماً بحقهم. منهم النائب أحمد فتفت الذي اعتبر بأنه «ليس من المقبول الهجوم علينا بهذه الطريقة وخصوصاً أننا نعمل في ظل ظروف صعبة». أما الرئيس فؤاد السنيورة، الذي نال تصفيقاً حاداً دوناً عن باقي الشخصيات، فلم يجد سوى برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن مثالاً يستشهد به، للرد على من اعترضوا على «سياسة الأمر الواقع» التي يسير بها التيار، والإنقسام الحاد الذي ظهر بشدة مع ترشيح عون إلى الرئاسة. فقال «حين ذهب الرئيس المصري أنور السادات إلى اسرائيل قال لبيغين إن 99 في المئة من الشعب المصري يؤيد معاهدة السلام مع اسرائيل، فرد بيغن بالقول ان 51 في المئة فقط من الإسرائيليين يؤيدونها، وعليك أن تتنازل أكثر لإقناع ما تبقى من الشعب الإسرائيلي»، وقد جاء هذا المثال في معرض إقناع الجمهور المستقبلي بأن «المعارضة تحسّن شروط التفاوض»!
في اليوم الثاني للمؤتمر، صدر التقرير التنظيمي والتعديلات النهائية على النظام الداخلي بعدما انتخب المندوبون مكتبهم السياسي (18 عضواً من أصل 85 مرشحاً). وهذه الإنتخابات هي الجزء الأكثر أهمية من كل الخطابات والمناقشات التي حصلت، حيث إن نتائجها ستحدد سياسة عمل التيار وإعادة إحيائه، فيما لو مارس المشاركون حقهم في اختيار قيادات جديدة من دون ضغط، وأعطيت الفرصة لجيل الشباب والشابات، حتى يصلح هؤلاء ما أفسده من يصفونهم بـ «النفعيين» في تيار المستقبل.




غلبة شبابية على أعضاء المكتب السياسي

توّجت إنتخابات المستقبل مساء أمس بإعادة انتخاب كل من سعد الحريري رئيساً للتيار وأحمد الحريري أميناً عاماً بالتزكية. وقد نال الحريري (أحمد) أكبر عدد من الأصوات، يتبعه مصطفى علوش ووسام شبلي (رئيس قطاع الشباب) وزياد ضاهر. وانتُخب أعضاء في المكتب السياسي أيضاً كل من أمل شعبان، جورج بكاسيني، سامر حدارة، محمد جميل قمبريس، عبد الستار ايوبي، محمد كجك، محمد شومان، وسام ترشيشي، منير الحافي، فادي سعد، نوال مدللي، نزيه خياط، ربيع حسونة، حسن درغام، محمد صالح، عامر حلواني. فيما عيّن الرئيس الحريري 14 عضوا آخرين، هم طارق مرعبي، شذا الأسعد، ميشلين أبي سمرا، ربى دلاتي، ميرنا منيمنة، روبينا أبو زينب، طارق الحجيري، رفعت سعد، معتز زريقة، بشار شبارو، راشد فايد، سمير ضومط، هيثم مبيض وباسم السبع. وبحسب المصادر فقد تركت هذه الإنتخابات انطباعاً ايجابياً عند قطاع الشباب الذي نال المرشحون منه أعلى الأصوات، فيما ابدى البعض إستغرابه، لكون أغلب الأعضاء الذين عيّنهم الحريري غير معروفين، ولا يملكون تجربة سياسية كافية، لكنهم عبّروا عن تفاؤلهم لأن الأكثرية هي من فئة الشباب، ولأن الانتخابات افرزت أسماء جديدة، باستثناء قلّة قليلة من الذين يعدّهم الحريري من «الفاعلين».