القوى في دائرة الشمال الثالثة (البترون ــ الكورة ــ زغرتا ــ بشرّي)، لا تنحصر بالأحزاب السياسية والشخصيات التقليدية. ثمة مجموعات أفرزتها الانتخابات البلدية العام الماضي، كانت خياراً بديلاً من قوى «الأمر الواقع» في مناطقها. صحيحٌ أنها لم تتمكن من الفوز (حصلت لائحة «بشري موطن قلبي» المعارضة على نسبة 38.9%.
أما لائحة «إنماء زغرتا» المعارضة فحصلت على قرابة الـ 20%)، لكنها سجلت خرقاً يُمكن الاستفادة منه، والبناء عليه للمرحلة المقبلة. يُطلق هؤلاء على أنفسهم تسمية «المجتمع المدني»، ولكنهم أقرب إلى أشخاص قرّروا التفلّت من دائرة «التقليد السياسي» (أحزاباً وشخصيات). أغلب الناشطين متخرّجو «مدرسة 14 آذار»، أو كانوا يدورون في فلكها. يمكن وصفهم بأنهم «يمين 14 آذار»، وأحياناً يظهرون «يسارها». قسمٌ منهم كان حتّى الأمس القريب من «حُراس» حزب القوات اللبنانية. أما «سَنْدة» ظهرهم، فليس إلا حزب الكتائب، الخارج حديثاً من السلطة.

ابن شقيق النائب الراحل فريد حبيب مُرشح للانتخابات ضد القوات


الأمل في إحداث تغييرٍ ما أجّجه إقرار القانون النسبي. خيار المشاركة في الانتخابات النيابية حسمه «التغييريون» في دائرة الشمال الثالثة. يستفيدون من أخطاء السلطة، وصراعات أركانها بعضهم مع البعض الآخر. أما محلياً، فيصب لمصلحتهم ارتفاع نقمة أبناء المناطق ضدّ مجالس بلدياتهم (راجع «الأخبار» العدد 3210). ولكنّ ذلك لا يعني أنّ «المجتمع المدني» في الشمال الثالثة، بات قاب قوسين من الدخول إلى البرلمان.
الملاحظات على هؤلاء الناشطين عديدة، أبرزها نقطتان. الملاحظة الأولى هي عدم تأطيرهم في إطار موحد. نقطة ضعف للجماعات المستقلّة، أن لا تعقد اجتماعات تحضيرية، ولا تضع برنامج عمل موحداً، ولا تُحدّد الاستراتيجية التي على أساسها ستُخاض الانتخابات النيابية. قبل 10 أشهر فقط من أيار 2017، يعتقد ناشطو «المجتمع المدني» أنّ بإمكانهم «تقليد» قوى السلطة في كيفية مقاربة الملف الانتخابي.
أما الملاحظة الثانية، فهي أنّ الرأي العام اللبناني لا يعرف من هم أعضاء «المجتمع المدني» في الشمال الثالثة، الذين يطرحون أنفسهم خياراً بديلاً. حركتهم محصورة ضمن نطاق ضيق، لا يكفي للحشد وإعلان «الثورة» ضدّ أحزاب وزعامات مُتغلغلة في المجتمع.
يبرز في بشري الإعلامي والناشط ضمن الحركة المدنية الناشئة في القضاء، رياض طوق. محاولات تقويض حركته تتم عبر اتهامه بأنه خرج من القوات اللبنانية لأنه لم ينل المنصب الذي يريده. «لنحسب أنني كذلك، ماذا عن الـ 39% في البلدية؟ كلهم لديهم مصالح؟» يردّ طوق لـ«الأخبار»، مضيفاً أنه كان «لدينا أولوية محاربة سلاح حزب الله، والمطالبة بالعدالة والمحكمة الدولية. ما هي العناوين السياسية اليوم؟ تحولت المعركة إلى تحديد أحجام، ونحن غير معنيين في المساهمة بتحديد حجم (الوزير) جبران باسيل أو (النائب) سليمان فرنجية كما تقوم القوات». الحركة المدنية في بشري «مكونة من المجتمع الأهلي ومن أشخاص كانوا مؤيدين للقوات، ولا يدورون في فلك الزعامات التقليدية».
بعدما «انتفضت» هذه المجموعة على «غياب الإنماء والتنمية البشرية وتحكّم فريق واحد بكل الأمور»، في الانتخابات البلدية، حدّدت معركتها المقبلة «ضدّ السلطة». ويقول طوق «لن ننتظر تحالفات الأحزاب لنُقرر على أثرها موقعنا. نتطلع إلى من يُشبهنا». لم تُحسم التحالفات بعد، ولكن يبدو طوق إيجابياً تجاه «المجتمع المدني» في زغرتا والنائب السابق قيصر معوض، «الذي نتذكره قربنا في 14 آذار». في البترون، هناك «رفيقنا» النائب سامر سعادة، «ويوجد تواصل مع النائب بطرس حرب». أما في الكورة، فابن شقيق النائب القواتي الراحل فريد حبيب، جو. وسنياً، «هناك تواصل مع اللواء أشرف ريفي». على صعيد الترشيحات، يجري التداول باسم طوق عن قضاء بشري، لكنه يؤكد أن لا شيء محسوم بعد.
إمكانية خلق «موجة تغييرية»، موجودة لدى المنسق السابق للائحة «إنماء زغرتا» الأستاذ الجامعي ميشال دويهي. يتحدث لـ«الأخبار» عن تحدّيين أمام «المجتمع المدني» في الشمال الثالثة: «أولاً، خوض المعارك بلوائح موحدة وإلا فستربح السلطة، وثانياً خوضها بنَفَس سياسي وليس مجتمع مدني». لا يُصرح دويهي إن كان مُرشحاً للانتخابات أو لا، لكنه يُشدد على أنه «لا يجوز الاستخفاف بالمعركة والترشح عشوائياً. يجب أن يكون هناك وجوه شبابية، لا تجربة سابقة لها». ماذا عن حزب الكتائب إذاً؟ يرد دويهي بأنّ الجميل «يمد يده للمستقلين بإيجابية وجرأة. هو حليف، ولكنه لن يكون على رأس المعارضة لهذه السلطة». ولأنّ الانتخابات النيابية «تُخاض سياسياً وليس إنمائياً، التحالفات ستكون مفتوحة مع من يتبنى البرنامج الانتخابي الموحد». يتحدث دويهي عن أهمية «الربط بين المجموعات المدنية في كلّ المناطق وأن يكون الخطاب وطنياً». تأخر التنسيق كثيراً بين المجموعات. يوافق دويهي، مشيراً إلى أنّ «الأشهر المقبلة يجب أن تكون للتشبيك بين بعضنا البعض».
يلتقي جو حبيب، المُرشح، مع أفكار طوق ودويهي. الانتخابات النيابية هي «الأمل الوحيد لإحداث تغيير». يقول لـ«الأخبار» إنه يجب التنسيق بين مكونات المجتمع المدني «حتى لا يكون التحرك اعتباطياً ونتمكن من الخرق». لدى السؤال عن التقارب بين «المجتمع المدني» وسامي الجميل، يقول حبيب إنه «يُناسبنا أنّه يُغرد خارج سرب السلطة. إذا وجدنا أن المصلحة العامة تفترض التنسيق معه، فلا مشكلة». ابن شقيق النائب الراحل فريد حبيب يواجه الضغوط نفسها التي تُمارس على طوق، لانتمائهما سابقاً إلى القوات اللبنانية. يردّ بأن «كل الناس تعرف من الذي ضحّى. ولكن إذا لم يكن الشخص ملتزما حزبياً، لا يكون له دور؟ هم يريدون مَن يُصفق لهم فقط».