قبل أيام أعلن وزير الصناعة حسين الحاج حسن، وسفيرة الاتحاد الأوروبي كريستينا لاسن، وضع خريطة طريق تسمح للدواء المصنّع محلياً بالدخول إلى أوروبا. أهمية هذا التطوّر بالنسبة إلى مصانع الدواء في لبنان، أن الفرصة صارت سانحة أمامها لتطوير خطوط إنتاجها واتفاقات الإنتاج مع شركات الأدوية العالمية.
اختراق السوق الأوروبية يرفع، تلقائياً، قدراتها التنافسية في السوق المحلية وفي السوق العربية أيضاً، حيث تلقّت هذه المصانع رفض غالبية أسواق البلدان العربية، ولا سيما البلدان الخليجية.
خلال السنوات الماضية، كان لدى مصانع الدواء في لبنان مطلب واحد، هو المعاملة بالمثل في الدول الخليجية. محاولاتها في الدخول إلى هذه الأسواق لم تنجح، إذ كانت تتعرض في كل مرّة لمجموعة واسعة من القيود الفنية والإدارية التي تمنع دخولها. فعلى سبيل المثال، إن تسجيل دواء في السعودية يتطلب استيفاء شرط أساسي، هو أن يكون الدواء مسجلاً في أيٍّ من دول مجلس التعاون الخليجي، وعندما تحاول الشركات تسجيله في أيٍّ من دول مجلس التعاون تصطدم بالشرط نفسه، ما يجعل تسجيل أي دواء مستحيلاً.
البوابة الخليجية لا تزال مقفلة إلى اليوم بوجه تسجيل الأدوية المصنعة في لبنان، ولم تتمكن وزارة الصناعة في لبنان من تسجيل أي تقدم على مسار معالجة هذه المشكلة، رغم أن الحلّ المقترح من مصانع الدواء اللبنانية أن تجري معاملتها بالمثل، وهذا يعني أن موافقة السلطات اللبنانية على إدخال الأدوية السعودية والمصنعة في الدول الخليجية يجب أن يكون مشروطاً بموافقة هذه الدول على إدخال الدواء اللبناني إلى أسواقها.
طبعاً، دونَ هذا الخيار عقبات واسعة، أبرزها اعتراضات مستوردي الأدوية، والأهم منها اعتراضات سفراء الدول الخليجية في لبنان الذين يحظون بمعاملة خاصة من رئاسة الحكومة. لا بل يكفي أن يعترض الملحق التجاري السعودي على مبدأ المعاملة بالمثل حتى تنهال الاعتراضات المحلية تحت عنوان ضرورة الحفاظ على العلاقات مع السعودية. والتجارب السابقة في هذا المجال تثبت أن هناك أطرافاً لبنانية ستقف سريعاً من دون أي تفكير إلى جانب الملحق التجاري السعودي، وهو ما أثبتته القرارات التي اتخذتها وزارة الصناعة في حزيران 2015 بشأن حماية مصانع رقائق البطاطا والألمنيوم... يومها كان الملحق التجاري السعودي يهدّد ويتوعّد إلى أن أجبر الوزير حسين الحاج حسن على التراجع عن قراراته. لكن هذا الوزير تمكّن اليوم من تجاوز هذه العقدة، والابتزاز الذي تعرّض له في السابق عندما اتهم بأنه قراراته بشأن حماية رقائق البطاطا والألمنيوم نابعة من كونه وزيراً من حزب الله حاقداً على السعودية، وأن قراراته لا تصنّف ضمن القرارات التجارية السيادية.

يمكن زيادة حجم أعمال المصانع بما يتخطّى السقف الحالي
البالغ 100 مليون دولار


اليوم، قرّر الحاج حسن أن يسلك مساراً مختلفاً مع مصانع الدواء اللبنانية الممنوعة من الدخول إلى السعودية وأخواتها في مجلس التعاون. فبالإضافة إلى كون هذا القطاع، لا يقع ضمن صلاحياته وحده، بل إن القرار الأساسي فيه هو لوزارة الصحة. فقد قرّر الحاج حسن التركيز على أسواق غير الأسواق الخليجية. وفي هذا الإطار جاءت زيارة الحاج حسن مع وفد من المفوضية الأوروبية وسفيرة الاتحاد الأوروبي كريستينا لاسن لمصنعي «بنتا» و«الغوريتم». وبحسب البيان الصادر بعد الزيارة، فإن وزير الصناعة «بلور خريطة طريق تمهد الطريق أمام مصانع الدواء في لبنان للاعتراف بالدواء اللبناني وتسجيله وإدخاله إلى الاسواق الأوروبية، بدءاً بإعداد طلب تسجيل المصنع وأصناف الدواء التي ينتجها وعرض الطلب أمام بعثة أوروبية ستزور لبنان خلال أيلول المقبل التي ستدرس هذه الطلبات وتقيم مدى استكمالها للشروط المطلوبة لتسجيل الملف في الدول الأوروبية وشرح النواقص وآلية استكمالها».
هذا التطوّر لم ينتج من الزيارة بحدّ ذاتها، بل ما يتعلق بطبيعة هذه الصناعة التي تضم 11 مصنعاً. أثناء الزيارة طرح الحاج حسن أسئلة استيضاحية للمشرفين على المصنعين، وقد بيّنت الأجوبة التي سمعها الوفد الاوروبي أن «كل المواد الأولية التي تستخدم في تركيب الدواء تستورد من دول أوروبية وأميركية، كما أن غالبية التجهيزات والآلات والمختبرات في هذه المصانع مصدرها أوروبا».
وقد جاء تصريح لاسن بعد الزيارة مشجعاً، إذ اشارت إلى «المهنية العالية والجودة المتبعتَين في المصنعين»، لافتة إلى أن «ما نحاول القيام به من جهة الاتحاد الأوروبي، هو دراسة كيفية تقديم المساعدة من أجل تطبيق أفضل ممارسات التصنيع الجيد، ما يسهّل ويساعد على التصدير وعلى البيع والتسويق في السوق المحلية أيضاً، فمن المؤكد أن العديد من المؤسسات يريد التصدير إلى أوروبا، ونحن نسعى إلى إيجاد السبل لتحقيق ذلك. ولقد بحثنا اليوم مع الوزير الحاج حسن طريقة تقديم المصانع طلبات تسجيل لدخول منتجاتهم إلى أوروبا».
إذاً، المفارقة أن هناك فرصة لاختراق السوق الأوروبية، وهناك فرصة لزيادة القدرة التنافسية للمصانع في السوق المحليّة، لكن الفرصة لن تكون متاحة لها قريباً في السوق الخليجية، ما يعني أنه يمكن زيادة حجم أعمال المصانع بما يتخطّى السقف الحالي البالغ 100 مليون دولار، علماً بأن مبيعات الدواء المستورد في لبنان تزيد على 1.6 مليار دولار، منها أكثر من 460 مليون دولار أرباحاً صافية تتوزّع بين المستوردين والصيادلة. مصدر هذه الأرباح هو الجعالة التي تفرضها الدولة على استيراد الأدوية، وهي تحتسب من خلال معايير لتسعير الدواء تضعها وزارة الصحة. أسس التسعير التي أصدرها وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور والتي أدّت إلى خفض أسعار الأدوية خلال السنوات الأخيرة، مطعون فيها من الصيادلة ومستوردي الأدوية، علماً بأنها تناسب المستشفيات الخاصة التي تحقق من خلالها أرباحاً هائلة.
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب مالكي مصانع الدواء الـ11 في لبنان ليسوا مجرّد صناعيين فحسب، بل هم أيضاً تجار أدوية يستوردون من الخارج ويبيعون أصنافاً إلى جانب الأصناف التي تصنع في لبنان، سواء كانت تصنع تحت ترخيص من الجهة المخترعة للدواء، أو بعدما أصبح الدواء خارج الحماية العالمية.