بعد أشهر من فوزها في الانتخابات البلديّة في بكفيّا في أيار 2016، قرّرت لائحة «سوا للإنماء» التي رأَستها نيكول الجميّل (ابنة رئيس الجمهوريّة الأسبق أمين الجميّل)، معالجة الوجود السوري في نطاقها الإداري على طريقتها، ففرضت رسماً بقيمة مئة ألف ليرة لبنانيّة على كلّ نازح/ة عامل/ة وغير عامل/ة فوق الثامنة عشرة من العمر، وكلّ نازح/ة عامل/ة بلغ/ت الخامسة عشرة من عمره/ا، على أن يُدفع دورياً كلّ ثلاثة أشهر، لتتمكّن من «تنظيف الأوساخ التي ينشرونها في محيط سكنهم»، فضلاً عن ممارسة أشكال عدّة من التمييز بحقّهم عبر منعهم من التجوال ليلاً، وركوب الدرّاجات الناريّة، وحتى إقامة الحفلات.
يبدو من ذلك، أن حزب الكتائب لم يشفَ بعد من عقدة «الغريب» التي طبعت تاريخه قبيل الحرب اللبنانيّة وخلالها تجاه اللجوء الفلسطيني، والتي ترافقت مع أحداث دموية. وها هي اليوم تأخذ شكلاً مشابهاً تجاه النزوح السوري، في ظل استمرار «الدولة اللبنانيّة» بالنأي بنفسها عن إدارة هذه الأزمة التي تتفاقم يومياً، وتتنامى معها مشاعر العنصريّة والحقد، بما ينعكس سلباً على المواطنين والنازحين على حدّ سواء، وهم الحلقة الأضعف.

البلدية: نريد الحفاظ «عليهم»

يهدف هذا القرار البلدي إلى «المحافظة على صحّتهم (النازحين) أولاً، والمحافظة على البيئة ثانياً» بحسب ما يقول عضو المجلس البلدي ومحامي البلديّة ساسين بو ضومط في اتصال مع «الأخبار»، مشيراً إلى أن «البلديّة بدأت تطبيق هذا الإجراء منذ أكثر من تسعة أشهر لتنظيم سكن السوريين في بكفيّا. ووضعنا هذا الرسم على كلّ سوري راشد بلغ الثامنة عشرة من عمره، وكلّ سوري غير راشد ولكنّه يعمل وتخطّى الخامسة عشرة من عمره، وذلك لتغطية المصاريف التي تتكبّدها البلديّة على السوريين، سواء في أعمال التنظيفات أو توسيع شبكة الصرف الصحي التي تواجه ضغطاً نتيجة وجود نحو ألف سوري في البلدة».
وعن السند القانوني الذي ارتكزت عليه البلديّة لتكليف النازحين السوريين حصراً هذا «الرسم» المُدرج قانوناً ضمن القيمة التأجيريّة التي تستوفى عن كلّ مبنى، قال بو ضومط: «المستأجر اللبناني يدفع للبلديّة رسم القيمة التأجيريّة عن المبنى الذي يسكنه، بينما السوريون يسكنون في شقق سكنيّة أو هنغارات من دون وجود أية عقود تأجيريّة مسجّلة تسمح بوضع الضريبة الصحيحة، لذلك قرّرنا وضع هذا المبلغ المقطوع على كلّ لاجئ بدل جمع النفايات وصيانة الصرف الصحيّ والأرصفة، وهو لا يدخل ضمن حسابات البلديّة، بل نقبضه منهم وندفعه مباشرة إلى عمّال النظافة في البلدة». وتابع: «لا شكّ في أن هذا الإجراء يكبّدهم أعباءً إضافيّة، ولكنهم مستفيدون من مساعدات كثيرة تقدّم لهم عبر الجمعيّات المدنيّة والأمم المتحدة، فيما الأعباء الملقاة على البلديّة أكبر ولا توجد جهات تمويليّة للمساعدة، مع العلم أن أغلب النازحين الموجودين هم من العمّال الذين انتفت صفة النزوح عنهم، وبمقدورهم دفع هذا المبلغ الرمزي، وهو عبارة عن ألف ليرة لبنانيّة تدفع يومياً. أمّا المعترض فعليه البحث عن مكان آخر للسكن خارج بكفيّا».

يخالف القرار القوانين نتيجة تكليف سكّان ضريبةً غير منصوص عليها وفرضها بطريقة تمييزيّة


رسوم عنصريّة

لا يختلف هذا الرسم المفروض على السوريين عن الإجراءات العنصريّة التي تمارسها الكثير من البلديّات بحقّ النازحين منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، وهي تضاف إلى الاعتداءات التي تعرّضوا لها من الشرطة البلديّة في كلّ من عمشيت وجونية، وإلى أعمال السخرة التي فُرضت عليهم في بلدة ترتج الجبيليّة، إضافة إلى حظر التجوّل وغيرها من الممارسات التي تحدّ من حريّتهم وتنتهك الكرامة الإنسانيّة وتنمي مشاعر الحقد لدى السوريين والعنصريّة لدى اللبنانيين.
يكبّد هذا القرار النازحين أعباءً إضافيّة، وفق ما تشير المسؤولة الإعلاميّة لمفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دانا سليمان، «نظراً إلى عدم قدرة اللاجئين على الدفع، نتيجة تراجع نسبة المساعدات التي لا تطاول الجميع أساساً، ولعدم توافر فرص عمل لهم. إذ إن 70% من اللاجئين المسجّلين يستفيدون من المساعدات الغذائيّة التي لا تتخطّى الدولار الواحد للفرد يومياً، و30% فقط يستفيدون من المساعدات الماليّة البالغة 175 دولاراً للفرد شهرياً، وهي أرقام غير كافية لتأمين معيشة محترمة فوق حدّ الفقر. وتالياً أي أعباء إضافيّة سيكون من الصعب عليهم تأمينها، بما يسهم في تفاقم أزماتهم على المستوى الإنساني».

رسم مخالف للقانون

عدا عن العنصريّة التي تتلطّى وراء هذا القرار، فهو يخالف أيضاً كلّ القوانين المرعيّة نتيجة تكليف سكّان ضريبة غير منصوص عليها بقانون، وفرضها بطريقة تمييزيّة وعنصريّة على فئة معيّنة من المقيمين في المجال العام نفسه. وتقول المحامية غيدا فرنجية إنه «لا وجود لأي نصّ يفرض هذه الضريبة، وهو إجراء غير قانوني، أولاً لأن الضريبة لا تفرض من دون قانون، وثانياً لأن الرسم البلديّ يؤخذ سنوياً ويفرض على العقار لا على الفرد، وثالثاً لأنها تمييزيّة تفرض على فئة معيّنة (السوريين حصراً) من المقيمين في المساحة العامّة نفسها».
ويشير مستشار وزير الدولة لحقوق الإنسان المحامي فاروق المغربي إلى أن «البلديّة لا يحقّ لها أن تفرض الضرائب على الأفراد، خصوصاً أن قانوني البلديات والرسوم والعلاوات واضح، ويحدّد الرسوم التي يحقّ للبلديّة أن تستوفيها، وتالياً تدخل بدلات النظافة وصيانة الأرصفة والصرف الصحيّ ضمن رسم القيمة التأجيريّة على الأبنيّة الثابتة السكنيّة والتجاريّة (الهنغارات من ضمنها)، الذي يُحدّد بناءً على تخمين العقار وليس على أساس قيمة الإيجار، وتالياً هذه الضريبة غير قانونيّة وتمييزيّة وعنصريّة، غير منصوص عليها قانوناً، وهو ما يفسّر عدم إدراجها في حسابات البلديّة الخاضعة لرقابة القائمقام والمحافظ».