حين صفّقت قوى السلطة لنفسها على القانون الذي اتفقت عليه، «طمأنتنا» إلى أنّ النسبية في ١٥ دائرة ستسمح للأقليات والجماعات المستقلة بالتمثل. بناءً على ذلك، تنّفس أبناء الطائفة العلوية الصعداء، بأنّ تحرير أصواتهم بات مُمكناً، وفرصة نجاح مُرشّح من نسيجهم ارتفعت، عوض إسقاط مرشحين عليهم يحصلون على 3% فقط من أصوات طائفتهم (النائب خضر حبيب في عكار مثلاً). أكثر الذين كان من المفترض أن يستفيدوا من النسبية، علوياً، هو الحزب العربي الديمقراطي، المُمثل السياسي الأول لجماعته.
الطائفة والحزب مرتبطان لأسباب عدّة، فأصبح من الصعب التفرقة بينهما. على الرغم من وجود شخصيات مستقلة وجمعيات مدنية، ولكن لم تتمكن من فرض نفسها خياراً بديلاً. حتى السياسيون في طرابلس وعكار، خلال كلّ سنوات التحريض الذي مارسوه ضدّ العلويين، لم يكونوا يُفرقون بينهم وبين حزب آل عيد.
العلويون عانوا انتخابياً خلال دورتَي الـ٢٠٠٥ والـ٢٠٠٩، فلم يتمكنوا من ممارسة دورهم كـ«سلطة أقلية». السبب هو غياب الانقسام الحقيقي داخل الساحة السنّية، الأقوى في طرابلس وعكار. فلم ينفع للعلويين أنّ أصواتهم غير مُشتتة وقدرتهم التجييرية عالية، وحُرموا من أن يكونوا «بيضة القبان». من الأمثلة على ذلك، الـ٩٠٪ من الأصوات العلوية التي نالها رئيس الحكومة الراحل عمر كرامي (مُتقدّماً على الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد الذي نال ٨٣،٧٪) والتي لم تكن كافية ليُعوض إحجام الناخب السنّي (نال كرامي 26.9% من الأصوات السنّية) عن الاقتراع له. كذلك في عكار التي نال فيها النائب السابق وجيه البعريني 95.6% من الأصوات العلوية، مقابل 20.7% من أصوات السنّة.
فرصة جبل محسن بلعب دور انتخابي فاعل لاحت بعد انقسام القيادات الشمالية. أصبحت خيارات العلويين مُتعددة، ولا سيّما أنهم يملكون «بلوكاً» من الأصوات يُشكل عامل ضغط على كلّ من يحاول تهميشهم. في نظام تصويت أكثري، وتعدّد المرجعيات الشمالية، كانت الأصوات العلوية ستُشكل رافعة لأي لائحة تدعمها.
إقرار قانون النسبية، وتقسيم الدوائر إلى 15، أسقط الفرصة التي لاحت للعلويين. وبات أقصى ما يمكن حزب آل عيد القيام به، هو ضمان مقعدٍ له، شرط انضمامه إلى لائحة «قوية» أو عقد تفاهمات (ولو مع شخصيات مُستقلّة) تُتيح لهم تأمين الحاصل الانتخابي، لأنه حتّى لو ارتفعت نسبة التصويت بشكل استثنائي، لن يكون بمقدور العلويين تأمين عتبة التمثيل لوحدهم. فإذا افترضنا أنّ نسبة الاقتراع في طرابلس ــ المنية ــ الضنية ستبلغ قرابة الـ61% (في الـ2009، اقترع 46.2% في طرابلس، و56.6% في المنية ــ الضنية) من أصل 340 ألف ناخب مُسجل، يكون الحاصل الانتخابي 18 ألف صوت تقريباً. في حين أنّ عدد الناخبين العلويين المُسجلين قرابة الـ16 ألف صوت (يُضاف إليهم آلاف الأصوات من السنّة والشيعة والمسيحيين، الذين اضطروا منذ سنوات طويلة إلى تبديل مذهبهم حتى يتفلّتوا من التضييق الممارس عليهم على صعيد الوظائف). أما في عكار، فيُشكل العلويون 13700 ناخب مُسجل من أصل 277166 ناخباً.
حسابات مصادر مُقرّبة من الحزب العربي تختلف عمّا تقدّم: «الصوت العلوي هو الرافعة الوحيدة في طرابلس لأنّ الساحة الأخرى يتنافس عليها زعماء كثر». وتشير إلى أنّ «مصلحة العربي الديمقراطي هي في أن يكون ضمن لائحة يكون فيها أقوى الضعفاء أو أقوى الأقوياء. خيارات الحزب في النسبية أصبحت أوسع، والقدرة على إنجاح نائب ارتفعت، وحتى التأثير على مرشح ثانٍ». يبدو كما لو أنّ المصادر ما زالت تُقارب الملف الانتخابي بعقلية النظام الأكثري. فـ«بلوك» الأصوات القادر أن يُجيره الحزب العربي يؤمن نائباً له فقط. وقد تتحول القدرة التجييرية إلى «نقمة» للائحة التي ستضمها. صحيحٌ أن العلويين سيؤمنون أصواتاً إضافية للائحة، ولكن إذا كانت حصتها مقعداً فسيكون من نصيب العلويين، هذا إذا لم تنفض الأصوات السنية عن لائحة تضم مرشحاً مدعوماً من رفعت عيد. ما يعني أنّ على القيادات الشمالية دراسة وضعها جيداً لتقدير ما إذا كان من مصلحتها التحالف مع قيادة جبل محسن. هذا فضلاً عن أنّ معظم القيادات الشمالية التي تحدّثت معها «الأخبار» تؤكد «صعوبة تسويق مُرشح علوي. فكيف إذا كان ينتمي إلى العربي الديمقراطي، أو يدور في الفلك نفسه؟». هذه نتيجة التحريض الطائفي والسياسي ضدّ أبناء جبل محسن. يعترف سياسيو طرابلس بأن لا بديل سياسياً من «العربي الديمقراطي»، رغم وجود مستقلين وجمعيات عديدة، «ولكن التحالف معهم يعني خسارة كتلة سنية وازنة». المخرج «المقبول» هو في «إيجاد تسوية، لا يكون فيها آل عيد في الواجهة، وتُختار شخصية مقبولة من الجميع، قد يُسميها النائب سليمان فرنجية».
لا حلّ أمام «العربي الديمقراطي» سوى القبول بالتسوية، «ولا سيّما أن وضعه تراجع بعد خروج رفعت عيد من جبل محسن. والناس يؤيدون الحزب في الحرب وليس في السلم». لا يوجد إثبات لكلام المصادر الطرابلسية. وعلى العكس، يُمكن أن يُقدَّم احتفال قسم يمين الانتساب إلى الحزب، في آذار الماضي، كدليل على وجود حالة مُنظمة تستقطب الناس. يردّ الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي بلال شعبان، بأنّ «المؤسسات والانتسابات لدى تيار العزم تفوق ما لدى الحزب العربي، ورغم ذلك لم يستطع العزم التجيير بنحو كافٍ في البلدية». ويوضح أنّ «قدرة التجيير لن تكون عالية بغياب مُرشح مباشر من الحزب العربي». القرار محسوم بأنّ عيد ليس مُرشحاً إلى الانتخابات النيابية. ولكن «أبناء جبل محسن والحزب لا يزالون موجودين ولديهم القدرة على اختيار مُرشحهم»، تقول مصادر مُقربة من «العربي الديمقراطي»، مضيفةً أنه «لا مُشكلة لدينا مع أي شخص، شرط أن يكون مؤيداً للمقاومة وسوريا الأسد».
لا شيء محسوم بعد على مستوى التحالفات. الأكيد أنّ «فرنجية الحليف الثابت»، بحسب المصادر المُقربة من الحزب العربي. لدى السؤال عن العلاقة مع الرئيس نجيب ميقاتي، تُجيب المصادر بأنه: «لا ثقة». أما مع الوزير السابق فيصل كرامي، الذي يؤكد أنه لا يُمكن التحالف مع مُرشح من العربي الديمقراطي، «فحديثه مع قيادة الحزب يختلف عمّا يُنقل عنه في الإعلام». على ذمّة المصادر، هناك تواصل «غير مباشر مع الرئيس سعد الحريري». بعد التسويات في البلد، تبدّلت لهجة القوى السياسية «تجاه الحزب، وبات جوابهم أنهم يريدون دراسة تأثير التحالف معنا عليهم سياسياً وانتخابياً». ولكن يبقى الهمّ الأول، «محاولة توحيد صفوف فريق ٨ آذار».
تُمثّل سوريا العمق الاستراتيجي لكلّ العلويين. وهي تلعب دوراً أساسيا في اختيار المُرشَّح العلوي في طرابلس وعكار، والتحالفات الانتخابية. دفع «العربي الديمقراطي» ورفعت عيد ثمن ارتباطهم بسوريا، ونجحت عمليات التحريض ضدّهم. بعد 6 سنوات على الحرب السورية، أمورٌ كثيرة تبدّلت، ونظرة الطرابلسيين إلى الدولة الشقيقة باتت أقلّ حدّة. ميدانياً، الكفّة تميل منذ فترة لمصلحة محور النظام السوري وحلفائه. المناطق الأساسية المُعادية للنظام تسقط الواحدة تلو الأخرى. انعكس التقدّم سورياً، انتخاب رئيسٍ للجمهورية في لبنان حليفٌ للمقاومة. وشُكّلت «حكومة حلب» برئاسة سعد الحريري. فما الذي يمنع، إذا بقي «محور الممانعة» يتقدّم ميدانياً، من أن يُفرض في أيار المقبل مُرشح علوي داعم لسوريا والمقاومة، لا يخجل به سياسيو طرابلس وعكار؟