لم يكد يمر شهر على تفكيك الخليتين المرتبطتين بتنظيم «داعش» الذي كان يعدّ لعمليات انتحارية وانغماسية تستهدف مطار بيروت الدولي ومطعماً في الضاحية الجنوبية وأهدافاً مدنية وعسكرية في بيروت وصيدا والنبطية وطرابلس، حتى أُمسِك فجر أول من أمس بالفلسطيني خالد مسعد (٢٩ عاماً)، المشهور بـ«خالد السيد»، المتهم بأنه العقل المدبر والمنسّق الرئيسي بين الخليتين الإرهابيتين. عملية التوقيف كانت مختلفة في الشكل هذه المرة.
ولو أنها أعادت إلى الأذهان عملية تسليم المطلوب بديع حمادة في عام 2002 الذي أدين بقتل ثلاثة جنود لبنانيين، والذي كان ينتمي إلى تنظيم القاعدة. أُعدِم حمادة حينذاك، لتسوء العلاقة بين عصبة الأنصار التي سلّمته، وبين تنظيم القاعدة، قبل أن يجمعهما القتال في العراق ضد الاحتلال الأميركي. أكثر من 7 سنوات مرت، لتعود العصبة وتُعلن أنها ترفض أي مساس بالأمن اللبناني، وأن أولوية الفصائل الفلسطينية يجب أن تكون فلسطين. حينذاك، لعبت حركة حماس وحزب الله واللواء عباس ابراهيم (كان لا يزال مديراً لاستخبارات الجيش في الجنوب)، دوراً مركزياً في حض العصبة على إعلان هذا التحول من فصيل متهم بإيواء «الإرهاب»، إلى ضمانة لأمن المخيم وعلاقته بالجوار. ورغم ذلك، فإن أي متهم بارز بالإرهاب لم يُسلّم إلى الدولة اللبنانية، منذ بديع حمادة، حتى خالد السيد.

أصدر «الشباب المسلم»
بياناً حكموا فيه على العصبة وحماس بـ«الردة»


ورغم موجة الإرهاب التي ضربت لبنان بعد اندلاع الحرب السورية، وسعي تنظيمَي «النصرة» و«داعش» لتوريط مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالإرهاب، بقي «عين الحلوة» عصيّاً على محاولات توريطه. لكن حالة خالد السيد شكّلت حدثاً نافراً وتطوراً خطيراً، فيما لو ثبتت الشبهات بحقه. فللمرة الأولى، يجري الإعداد، من عين الحلوة، لعمليات إرهابية تستهدف إيقاع خسائر هائلة بالأمن اللبناني، وبأرواح المدنيين. قبل خالد السيد، كان ثمة ما يشبه «ميثاق الشرف»: «من يدخل المخيم فهو آمن، مهما كان تاريخه، لكن شرط أن يكفّ عن تهديد الأمن اللبناني».
بعد إنجاز الأمن العام وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي تفكيك خليتين كانتا تعدان لرمضان دامٍ، تبيّن أن خالد السيد، هو أول من يُخرِج حزاماً ناسفاً من المخيم لتفجيره باللبنانيين، على حد وصف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. مضيفاً: «نحن والإخوة في المخيم هدفنا واحد، وهو الحفاظ على أمن المخيم وأمن لبنان». ولفت ابراهيم إلى أن خطوة عصبة الأنصار وحركة حماس وقرارهما تسليم السيد، كرّسا معادلة جديدة تتمثل برفض الإبقاء على المخيم بؤرة وملجأ للإرهابيين الذين يهددون أمن المخيم وأمن لبنان. قرار التسليم لم يكن وليد الصدفة. وبحسب المصادر، فإن العمل على هذه النقطة تطلب قرابة شهر للوصول إلى هذه الصيغة.
مجموعة «الشباب المسلم» التي كانت حاضنة للسيد، اتهمت العصبة وحماس بنصب فخ لها. تقول إنه جرى إيهامها بأن خالد مطلوب للتحقيق، داخل المخيم، بشأن ارتباطه بمخبر للأجهزة الأمنية. وبحسب مصادر «الشباب المسلم»، تمت الموافقة على التحقيق مع السيد لساعة ونصف ساعة من قبل عصبة الأنصار، رغم أنه كان مقرراً أن يغادر الى سوريا. وقالت المجموعة نفسها في بيان: «العصبة حلفت بالله الحلف المُغلظ وأعطت العهود والمواثيق بأنها تريد التحقيق مع خالد السيد لساعات ثم يعود إلى مكانه كي يُخرجه الشباب من عين الحلوة للحفاظ على أمن المخيم. وبعد ساعات (فوجئنا) بأن العصبة غدرت (بنا) بحجج استسلامية حقيرة لا قيمة لها في شرع الله، إنما غايتها أن تعترف بها الأجهزة الأمنية بأن لها كلمة الفصل بالمخيم». وختم البيان بالقول: «نحن عموم الشباب المسلم في مخيم عين الحلوة نُعلن مقاطعتنا لعصبة الأنصار وحركة حماس بسبب ما أقدموا عليه من كبيرة عظيمة قد تصل إلى الردة، فلا لقاءات ولا اجتماعات معهم حتى يعودوا الى دينهم الصحيح».
لكن بياناً مقابلاً أصدرته العصبة، أظهر موقفاً لا يحتمل اللبس. فهي لم تختبئ خلف أي ذريعة، بل أعلنت بكل وضوح أنها ستسلّم «كل مخلّ بالأمن ويعمل للخارج مهما كلفت التضحيات». وقالت «عصبة الأنصار»: «نأسف لما آلت إليه الأمور في مخيم عين الحلوة ولما وصلت به الأحوال من قتل وسفك للدماء وانتهاك لحرمات الدم والأنفس بين أبناء الشعب الواحد. ولذا وجب علينا قول ما يمليه علينا ديننا وضميرنا، وفي نصوص القرآن والسنّة كثير من الآيات على الظلم والظالمين». وأضاف البيان: «قمنا بهذه الخطوة من مبدأ إحقاق الحق ولأن المدعو خالد السيد كان يخطط لحرق كل الإنسانية وضرب إخوتنا اللبنانيين وقتل الأطفال والنساء وانتهاك أعراض المسلمين. ولحماية شعبنا ومخيمنا، قررنا تسليمه للقضاء وسنسلم كل مخلّ بالأمن ويعمل للخارج مهما كلفت التضحيات».
وبهذا البيان، تكون العصبة قد أكّدت أن لها اليد الطولى في منع تحوّل مخيم عين الحلوة إلى عبء على أهله بالدرجة الأولى، وعلى الأمن اللبناني بالدرجة الثانية. وفي كلامها، الذي لا يمكن وصفه بأقل من «الشجاع»، قالت العصبة، ومعها حركة حماس، إن «عين الحلوة» يلفظ الإرهاب.
وقد لقيت خطوة العصبة وحماس تأييداً علنياً من معظم الفصائل الفلسطينية.