شيّدت شركة Clime Works أول منشأة لتجميع ثاني أوكسيد الكربون من الهواء في مدينة زيوريخ السويسريّة. تستطيع هذه المنشأة، التي رافقها الكثير من الجدل حول مدى فعاليّة هذه الحلول، أن تستخرج سنويّاً حوالى 900 طن من ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يعادل مجموع الانبعاثات الصادرة عن مئتي سيّارة سنويّاً تقريباً.
تجمع الشركة صاحبة المشروع ثاني أوكسيد الكربون وتقوم ببيعه لشركات زراعية أخرى تقوم باستغلال هذه الغازات المسحوبة من الهواء في تغذية المحاصيل الزراعية، مثل الخضر التي تحتاج إلى ثاني أوكسيد الكربون خلال عملية «التمثيل الضوئي» photosynthesis التي تسمح لها بالنموّ وإنتاج الطاقة اللازمة. تعتبر هذه القدرة التشغيلية مرتفعة نسبيّاً، إلّا أنّها تصبح هزيلة جدّاً بالمقارنة مع كميات الانبعاثات التي تنتجها أصغر المدن المعاصرة. غير أن مناصري المشروع يرون أن هذه هي إحدى الخطوات الأولى التي ستتيح في المستقبل القريب إنشاء مصانع كبيرة قادرة على استخراج ما يعادل 1% من الانبعاثات الكربونيّة السنويّة وفق التقنيّات العلميّة والهندسيّة نفسها التي يستعملها هذا المصنع التجريبي الصغير نسبيّاً. وهو ما سيفتح الباب أمام دول وشركات أخرى لتقوم بخطوات مشابهة، ما سيترك أثراً فعّالاً في خفض كميات ثاني أوكسيد الكربون في الهواء ويبطّئ من عملية الاحتباس الحراري التي تتسبّب بها الغازات الدفيئة التي ينتجها الإنسان في حياته اليوميّة، وبشكل خاص الشركات والمصانع الكبرى في عمليّة إنتاجها التي لا تسعى إلّا وراء معيار الربح السريع، من دون احتساب المخاطر والخسائر التي تتسبّب فيها في مسار تلويثها للهواء والطبيعة. في السنوات الماضية ظهرت عدة أفكار تطبيقيّة مشابهة تعمل جميعها على فكرة استخراج ثاني أوكسيد الكربون من الهواء ومن ثم دفنه أو استعماله في تطبيقات أخرى، وتتشارك كلّ هذه المشاريع المقاربة نفسها التي يعتمدها هذا المشروع، مع اختلاف في التقنيّات والتفاصيل التطبيقيّة.

ما هي عمليّة التمثيل الضوئي؟

هي عملية كيميائيّة تستعمل الطاقة الضوئيّة، غالباً من أشعّة الشمس، لتكوين جُزَيء الكربوهيدرات من خلال التفاعل بين ستة جزيئات من ثاني أوكسيد الكربون وستة جزيئات من الماء، وتطلق هذه العملية خلال حصولها على ستة جزيئات من الأوكسيجين. يحدث التثميل الضوئي في الكلوروفيل الأخضر الموجود في النباتات بشكل أساسي، وتعتبر عمليّة أساسيّة في نموّ كل النباتات، وذات أهميّة كبيرة في استهلاك ثاني أوكسيد الكربون وإنتاج الأوكسيجين.

كيف تعمل هذه المنشأة؟

تم إنشاء هذا المصنع فوق مطمر للنفايات، حيث تقوم منشآت أخرى بتوليد الكهرباء من الغازات التي تنتجها النفايات، ثم تعطي هذه الكهرباء لتشغيل المصنع. يحتاج المصنع إلى الكهرباء لتشغيل مراوحه الكبيرة التي تدفع بكميات كبيرة من الهواء إلى داخل الفلتر الأساسي، الذي يجمع ثاني أوكسيد الكربون، والذي يعمل على درجات حرارة مرتفعة تزيد على 100 درجة مئوية، لأنّها تسرّع من عملية امتصاص ثاني أوكسيد الكربون.

تم إنشاء هذا المصنع
فوق مطمر للنفايات
وبعد أن يصل كل فلتر إلى مرحلة الإشباع، يجري تفكيكه واستخراج الغازات التي جمعها، وترسل من خلال أنابيب تحت الأرض إلى مزارع قريبة تنتج الخضر، كالبندورة والخيار وغيرهما، باستخدام ثاني أوكسيد الكربون المرسل إليها. كذلك يمكن أن تباع هذه الغازات إلى شركات أخرى مثل مصانع المشروبات الغازيّة التي تحتاج إلى ثاني أوكسيد الكربون في صناعة منتجاتها.
ينوي المشغّلون استثمار هذه المنشأة لمدة ثلاثة أعوام يجري خلالها تعلّم كل التقنيّات المطلوبة وإحكام السيطرة عليها، واعتمادها كنموذج تشغيلي لتحفيز الآخرين على ولوج هذا الحقل. وخلال هذه الفترة، يدرس المشروع التوسّع في تطبيقات أخرى، ومنها فكرة أن يجري تجميد هذا الغاز عبر خلطه بمكوّنات صلبة أخرى ليجري تخزينه وطمره في جوف الأرض من دون أيّ أضرار بيئية، ما يخفّض أيضاً من كميّة غازات الدفيئة. كذلك، يمكن مراقبة كل المؤشرات الأخرى العلميّة والاقتصاديّة للاستفادة منها في المشاريع الأكبر.

مشكّكون ومعارضون

على الرغم من نجاح هذا النموذج التجريبي لشفط ثاني أوكسيد الكربون من الهواء، إلّا أنّ ثغرات عديدة تشوب فكرة المنشأة؛ فعملية شفط ثاني أوكسيد الكربون يمكن أن تحصل مباشرة فوق دواخين محطات توليد الطاقة أو المصانع الكبرى بكفاءة أكبر وكلفة أقلّ. على سبيل المثال، أشارت دراسة أخرى إلى أنّ كلفة الشفط من خلال هذه المنشأة تزيد بعدّة أضعاف على كلفة شفطها في محطات توليد الطاقة الكبرى. وبحال عدم تخفيض نسبة الكلفة، تبقى كل هذه العمليّة استعراضاً غير مجدٍ، سواء من الناحية الاقتصاديّة أو من الناحية البيئيّة والعمليّة. والسبب الرئيسي لاختلاف الكلفة هو أنّ ثاني أوكسيد الكربون ينتشر بشكل واسع بين جزيئات الهواء بعد انطلاقه، ما يفرض تجميعه من خلال مراوح كبيرة تستهلك الطاقة في المنشأة، أمّا في دواخين المصانع فهو يوجد كثيفاً وجاهزاً للشفط السهل.
كذلك فإنّ من الأجدى استمرار العمل على تخفيض الانبعاثات بدلاً من إطلاق كميّات هائلة منها سنويّاً، ثمّ بحث سبل شفطها بما يعنيه ذلك من هدرٍ للموارد والطاقات، وإعفاءٍ للمنتجين من القيام بواجباتهم البيئيّة والصحيّة. لذلك، ووسط النقاش المتزايد حول السياسات الأفضل لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، تعتبر هذه المحاولات ذات الطابع الاستعراضي تشتيتاً للجهود وتعطي انطباعات خادعة حول إمكانيّة إيجاد حلول ذات جدوى اقتصادية بعيداً عن خفض الانبعاثات التي صارت اليوم مسألة صراع سياسي واقتصاديّ في العالم.