هل هذا هو القانون النيابي الذي شغلت القوى السياسية نفسها، قرابة الثماني سنوات، وهي تحاول عبثاً إقراره؟ هل يستحق الأمر أن يخرج رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، مزهواً بـ«إنجاز» حكومته التي عمرها «خمسة أشهر وتمكنت من إنجاز قانون انتخابي جديد»؟ النقطة الإيجابية الرئيسية في المشروع، هي أنّ البلاد اعتمدت أخيراً نظام الاقتراع النسبي، ودفنت «شبح» القوانين الأكثرية الجائرة.
إلا أنّ ذلك ليس كافياً لتطلب قوى السلطة من الشعب التصفيق لها على «إنجازها»، وهي قد مارست معه لعبة «قطع الأنفاس»، واستغلال المهل حتى اللحظات الأخيرة. فبات القبول بقانونٍ مبتور لا يُحقق الإصلاحات الموعودة، أفضل من سيف الفراغ والعبث بالمؤسسات الدستورية وقانون الدوحة، المُصلت فوق الرؤوس. في ميزان الحسبة، شوائب القانون أكثر من الإيجابيات التي يُمكن الاحتفاء بها. بدءاً من غياب وحدة المعايير في توزيع المقاعد، مروراً بحصر الصوت التفضيلي في القضاء، ووصولاً إلى الفرز الطائفي في بيروت الشرقية (الدائرة الأولى) وبيروت الغربية (الدائرة الثانية). ولا يُمكن مهما تعدّدت «الأسباب الموجبة» التقنية، إغفال أنّ حكومة سعد الحريري طالبت بالتمديد الثالث للمجلس النيابي، حتّى 21 أيار 2018، على أن تجري الانتخابات في 6 أيار 2018. الحسنة الوحيدة هنا منح المرشحين الجدد مهلة كافية للإعداد للانتخابات. التمديد لمجلس النواب، يعني التمديد للحكومة، وتأخّر انطلاقة عهد الرئيس ميشال عون بـ«أدوات» جديدة. خاصة أنّ مصادر الفريق العامل في بعبدا قالت سابقاً إنّه «يُمكن البدء بمحاسبتنا من تاريخ انتخاب مجلس نواب جديد».
يوم «قانون اللحظات الأخيرة»، كما وصفه الحريري، بدأ بخلوة بين عون ورئيس الحكومة، اتفقا خلالها على مدّة التمديد. وبحسب مصادر سياسية متابعة للملفّ، «كان التيار الوطني الحرّ يُدرك منذ البداية وجود عوائق تقنية تُحتم التمديد». الدليل على ذلك، «تبشير» وزراء تكتل التغيير والإصلاح بعد انتهاء الجلسة الحكومية بأنّ «تقارير وزارة الداخلية تؤكد أنّه لا يمكن إجراء الانتخابات قبل 7 أشهر، كذلك فإنّ البطاقة الممغنطة بحاجة إلى وقت حتى تجهز. ولكن لعدم تزامن الانتخابات مع عيد الفصح أو شهر رمضان، اتفقنا أن يكون التمديد 11 شهراً». طبعاً لا يفوت الوزراء التذكير، بين الفكرة والأخرى، بأنه «تمديد تقني».
أُقفلت أبواب قاعة الاجتماعات خلف الوزراء نحو ثلاث ساعات، كانوا خلالها «يتسلّلون» إما للحديث مع الصحافيين أو التنسيق هاتفياً مع قياداتهم. رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، الوزير علي قانصو كان الوحيد الذي سجّل اعتراضه على مشروع القانون، «ولكن سنصوت معه في جلسة مجلس النواب لأننا لا نقبل بالفراغ، أو الستين أو التمديد»، كما قال لـ«الأخبار». يسحب قانصو ورقة صغيرة من جيبه، دوّن عليها ملاحظاته. تُشبه، في الشكل، الورقة التي كان يحملها النائب علي حسن خليل. تحفظات قانصو تنطلق من أنّ القانون المطروح «يُشبه الستين. فالهدف منه يجب أن يكون المساهمة في الإصلاح السياسي وليس ترسيخ السلطة الحالية وتشويه الديمقراطية».

ستُعدّ وزارة الداخلية نظام البطاقة الممغنطة، ويُصدر مجلس الوزراء مرسومها


ملاحظات عدّة قدمها عدد من الوزراء، تمحورت أساساً حول رفض حصر الصوت التفضيلي في القضاء (علي قانصو، يوسف فنيانوس، بيار بو عاصي، علي حسن خليل، حسين الحاج حسن)؛ تأييد خفض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة (الحريري، قانصو، الحاج حسن، مروان حمادة، علي حسن خليل)؛ المطالبة بالكوتا النسائية (الحريري، جان أوغاسبيان، حمادة، علي حسن خليل، قانصو)؛ عدم وجود وحدة في المعايير (قانصو، معين المرعبي)؛ الوزير طلال أرسلان طالب بأن تكون الشوف ــ عاليه ــ بعبدا دائرة واحدة. وفيما اعترض علي حسن خليل على نقل مقعد الأقليات من بيروت الثانية إلى الأولى، طالب الوزير اودايس كيدانيان بنقل مقعدي الأقليات والإنجيليين إلى الدائرة الأولى. فنينانوس وبو عاصي أيدا حق ترشيح رؤساء البلديات بعد تحديد مدة الاستقالة بستة أشهر (اتُّفق أن يستقيل رؤساء البلديات الراغبين في الترشح، في مهلة شهر من صدور القانون في الجريدة الرسمية، واستثنائياً). أما جبران باسيل، فغير موافق على أن تفقد اللائحة غير المكتملة مقعداً إذا لم يكن لديها مرشح لمقعد، ومع استبداله بمقعد آخر، مقترحاً أن يكون الفرز على أساس طائفي أو على مستوى القضاء وليس الدائرة. أبرز المعارضين لإدراج الكوتا النسائيّة كانا القوات اللبنانية وحزب الله، فيما أيد التيار العوني اللوائح المختلطة، ولكن بعد أربع سنوات، «بحجة تحضير الكادر النسائي والمجتمع لهذه الخطوة». في وقت أصدرت فيه رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كلودين عون روكز، موقفاً رافضاً لـ«تهميش المواطنات في القانون الانتخابي». أما رفض خفض سنّ الاقتراع، فقد تولاه التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية «لأنّ مدارسنا وجامعاتنا لا تُحضر الشباب للعمل السياسي، فلا يُمكن إدخالهم في العملية الانتخابية من دون تمهيد»، كما يقول وزير عوني.
النقاشات حول القانون داخل الجلسة، استوجب إجراء تصحيحات في صياغة بعض البنود. فتشكلت لجنة مؤلفة من الوزراء: محمد فنيش، علي حسن خليل، سليم جريصاتي، نهاد المشنوق، أيمن شقير، غطاس خوري، بيار أبو عاصي، يوسف فنيانوس، وقد انضم إليهم الخبراء القانونيين. فيما تابع بقية الوزراء، مع عون والحريري، درس جدول الأعمال المؤلف من 48 بنداً. اتُّفق في النتيجة أن تُحضّر وزارة الداخلية «نظام البطاقة الممغنطة، على أن يُصدر مجلس الوزراء مرسومها». وفيما بدأت دول عدّة في العالم التخلي عن البطاقة الممغنطة لإمكانية اختراقها وظهور مشاكل في احتساب الأصوات، لم تتضح بعد إجراءات التصويت (إلكتروني أو عادي) والفرز (من مكان السكن أو الدائرة الانتخابية). فرز الأصوات سيكون إلكترونياً، «تتولّى وزارة الداخلية أيضاً وضع النظام الخاص به ليصدر مرسوم بشأنه»، بحسب مصادر الوزارة. أما آلية احتساب الأصوات «فستجري عبر برامج حسابية، نحن بحاجة إلى 3 أشهر لتطويره، وشهرين لتجربته، وشهر لتدريب الموظفين عليه». أعيدت صياغة بند اقتراع المغتربين، «لتوضيح أنّه في الانتخابات التي تلي ولاية مجلس النواب المقبلة تُحسم 6 مقاعد من الدوائر الأقل تمثيلاً، وليس من مقاعد المغتربين التي أضيفت». وفي ما خصّ المقعد الذي تخسره اللائحة غير المكتملة في حال عدم وجود مرشح لديها لشغله، «فاتفق أن يؤول إلى من لديه أعلى نسبة أصوات تفضيلية في القضاء والطائفة». اللائحة المطبوعة مسبقاً «ستضم كلّ اللوائح في دائرة ما، وعلى الناخب أن يضع إشارة على اللائحة التي يقترع لها وإشارة أخرى أمام الاسم التفضيلي». إن لم ينتبه المقترع إلى وضع إشارة أمام اللائحة واكتفى باختيار الصوت التفضيلي، «يُحسب صوت للائحة». وإن اختار صوتين تفضيليين، «يُلغيان ويُحسب صوت للائحة فقط». طريقة احتساب الأصوات ستكون على مرحلتين. في المرّة الأولى اللائحة التي لا تنال الحاصل الانتخابي (قسمة عدد المقترعين على عدد الناخبين) تخرج من السباق وتُحذف أصواتها. فيُعاد في المرّة الثانية، خلط مجموع الأصوات الباقية، وتوزع المقاعد نسبةً للأصوات التفضيلية. ومن أبرز ما تضمنه مشروع القانون، «تفعيل دور هيئة الإشراف على الانتخابات عبر جعلها دائمة وإعطائها صفة المستقلّة، وجعلها تتألف من 11 عضواً».
التوافق السياسي على القانون، لا يلغي وجود متضررين أكثر من غيرهم، قد يكون أبرزهم تيار المستقبل الذي بحسب ماكينته الانتخابية ستُخسره النسبية عدداً كبيراً من المقاعد، ولأنه كان من أشرس المعارضين لهذا النظام الانتخابي، رافضاً «النسبية في ظل سلاح حزب الله». مصادر بارزة في تيار المستقبل لا توافق على ذلك، «بعد التسويات السياسية التي حصلت، تخطّى النقاش هذه النقطة». كذلك إنّ «الدافع الذي أدّى إلى أن نُبدّل نظرتنا إلى النسبية هو حصر الصوت التفضيلي في القضاء، فلم يعد أحد يستطيع التأثير بالمقاعد». تُصرّ المصادر على أنّ «هذا القانون هو أفضل الممكن، وهو نتيجة جهود طويلة. ولكن الاتفاق ظهر في آخر 48 ساعة لأنه لم يعد باستطاعة القوى أن تستمر في عملية شدّ الحبال». أما ما يُحكى عن أنّ البطاقة الممغنطة هي حجّة تقنية لتمرير تمديد سياسي مُتفق عليه بين التيار الوطني الحر والمستقبل، فتردّ مصادر الأخير بأنّه «كنا أمام خيارين، إما تطبيق قانون جديد بوسائل متخلفة، أو إدخال الإصلاحات مرّة واحدة».