تتعامل قوى سياسية فاعلة بحذر شديد مع موجة التفاؤل التي سادت في الايام الاخيرة بقرب صدور قانون جديد للانتخاب؛ ففي رأيها لا شيء يدعو الى الإفراط في التعامل مع مجريات الاحداث على أن الانتخابات حتمية، ليس بسبب الخلاف على الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بل لأن خلف هذا الاصطفاف يكمن كثير من المطبات التي لا تزال عقبة أمام صدور قانون جديد، فضلاً عن سؤال أساسي لا يزال الجواب عنه مبهماً: هل أفرج حقيقة عن قرار إجراء الانتخابات في لبنان، كما أفرج عن قرار إجراء الانتخابات الرئاسية، حتى تتهاوى كل المحظورات التي عرقلت منذ سنوات صدور القانون الجديد؟
وفي وقت لم تتضح فيه بعد الإحاطة الكاملة بقرار إجراء الانتخابات، يتصرف المعنيون بالنقاشات حول قانون الانتخاب في اليومين الأخيرين وكأن صدوره بات قاب قوسين. ومن بين هؤلاء من يرون أنهم «أم الصبي»، أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، إذ تسود أوساطهما المسؤولة انطباعات تفاؤلية عن قرب التوصل الى قانون انتخاب وفق النسبية في 15 دائرة، وإجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري. ويمكن وفق ذلك التوقف عند سلسلة ملاحظات:
بدت القوات في الايام الاخيرة كأنها عرّابة هذا الإنجاز «التاريخي» بتقديم مشروع قائم على النسبية في 15 دائرة. وزاد في تعزيز إطلالتها الاعلامية والسياسية تضخيم الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لدور القوات وممثلها النائب جورج عدوان، في غمزة مكشوفة لأداء الوزير جبران باسيل في مناقشات القانون.

تكثيف اللقاءات العونية ــ القواتية لمزيد من التنسيق وتفادي أيّ عثرات في المفاوضات

وبدا، في المقابل، أن التيار الوطني يتراجع سياسياً وإعلامياً على طريق هذا الإنجاز الذي أعيد الفضل فيه الى «الأعجوبة» القواتية. لكن التيار الوطني الحر سارع الى احتواء الموقف عبر إطلالات النائب ألان عون، ومن ثم إطلالة الوزير باسيل، لإعادة تصويب بوصلة النسبية وحقيقة انطلاقتها، ليس من باب استهداف القوات، بل من باب ضرورة التوصل، كثنائي مسيحي يجمعهما إعلان النيات، الى هذا القانون وإعادة طرح المطالب المسيحية على طاولة البحث. وفي معلومات مناقشي القانون عبر الجلسات الطويلة التي بدأت في اللقلوق قبل أشهر وتوزعت في أكثر من مكان للاجتماعات، أن التنسيق بين الطرفين كان قائماً منذ اللحظة الاولى حول كيفية إدارة معركة القانون. لم يكن توزيع أدوار الذي حصل بين القوات والتيار، بقدر ما هو تنسيق للمواقف من أجل فتح ثغرة في الجدار المقفل. فمن يقدر على تحقيق خرق مع الأفرقاء الآخرين، يكون قد حقق إنجازاً مشتركاً. وتبعاً لذلك، لم يطرح أيّ منهما مشروع قانون إلا بالتنسيق مع الآخر، وهكذا حصل مع مشروع النسبية في 15 دائرة، كعنوان أساسي، أما التفاصيل الأخرى فكانت ولا تزال قيد البحث، بما في ذلك نقل مقاعد مسيحية من دائرة الى أخرى. فالعونيون لا يعنيهم هذا الامر، والتيار كان واضحاً منذ اللحظة الاولى في أن الإصلاحات التي طرحها تنحصر عددياً بالعودة الى اتفاق الطائف وخفض عدد النواب الى 108، في حين أن القوات كانت صريحة وواضحة في تأييدها لنقل عدد محدود من المقاعد، وقد جاهر رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع بذلك أكثر من مرة، لاعتبارها أن نقل المقاعد في ظل مشروع النسبية الحالي يزيد من عدد المقاعد المسيحية المطلوبة لتحقيق التوازن.
ثمة اعتراف بأن مشروع النسبية ليس اكتشافاً حديثاً، وهو نسخة معدلة عن مشاريع سابقة، ولا يحتكره طرف من الطرفين المعنيين، علماً بأن رئيس تكتل التغيير والإصلاح آنذاك العماد ميشال عون، بحسب العونيين الذين أعادوا التذكير به، هو من طرحه وأيّده في بكركي. لكنّ المعنيين يعرفون أيضاً أن بري وجنبلاط وتيار المستقبل لم يكونوا منذ أشهر في وارد الموافقة عليه، لا بل إن بري رفض قبل أقل من أسبوعين أي زيادة في عدد الدوائر، متمسّكاً بما طرحه وحزب الله، أي النسبية في ست دوائر كحد أقصى. من هنا يبدو اقتناع العونيين بأن تمسّك التيار بمطالبه في المشاريع التي طرحها تباعاً، أسهمت في دفع المعترضين إلى العودة في اللحظة المناسبة الى النسبية بدوائر موسعة، من أجل أن يقرّ القانون وتجرى الانتخابات. وهذه لحظة مناسبة يجب عدم تضييعها بأي مشكلات جانبية، من هنا جاء تكثيف اللقاءات العونية ــــ القواتية في الساعات الاخيرة لمزيد من التنسيق بينهما وتفادي أيّ عثرات في المفاوضات الجارية.
وفيما ترى مصادر سياسية أن التيار الوطني يحاول اليوم التقاط الفرصة وإعادة تعويم تمسّكه بالنسبية، خوفاً من أن يمرّ القانون المشار اليه وهو لا يزال متمسّكاً بمشاريعه الاساسية، فإن أسئلة عدة تطرح من زاوية المشكلة الاخيرة التي أثارها بري حول جلسة 5 حزيران، وإمكان تأثيرها على مصير القانون برمّته. فإذا كان رئيس الجمهورية غير راغب في إثارة مشكلة تعرقل صدور القانون، فلمَ لم يبادر الى تفادي خلاف يعرف سلفاً أن بري سيثيره؟ إلا إذا كان أيضاً راغباً في مزيد من الوقت لبلورة آفاق هذا المشروع، فيما يظل شبح قانون الستين ماثلاً. وإذا كان بري والمستقبل يرفضان نقل المقاعد، وهو أمر لا يعني التيار أيضاً ولا يتمسك به، وتلقائياً أصبح ساقطاً، وإذا كان الصوت التفضيلي مرفوضاً طائفياً، وإذا كان توزيع الدوائر في المشروع الجديد يلغي في بعضها مطلب حصر الصوت التفضيلي (هذا إن لم يلغ هذا الحصر نهائياً في كل الدوائر) فماذا يبقى من «الحقوق المسيحية» التي يطالب بها التيار الوطني والقوات في مشروع النسبية الذي يتسابقان على أبوّته اليوم؟