ليل أمس، أطلق وزير الخارجية جبران باسيل صافرة الموافقة على مشروع النسبية الذي أحياه النائب جورج عدوان، والقائم على تقسيم لبنان إلى 15 دائرة، مع حصر الصوت التفضيلي بالقضاء.
ففي خطاب ألقاه في حفل إفطار في بلدة تمنين البقاعية، قال باسيل إن «القانون الذي اقترحه العماد (ميشال) عون في بكركي ووافقت عليه الأحزاب المسيحية (قبل 4 سنوات) على أساس لبنان 15 دائرة، هو أحد الأشكال المقبولة من النسبية وفي حد ذاتها ضوابط، إنما يلزمها ضوابط أكثر». وحدّد هذه الضوابط بصورة عامة وفق الآتي:
«1 ــ وقف قوانين العد في لبنان، وعدم فرض طغيان على الآخر.
2 ــ لقانون يحافظ على الخصوصية لكل مذهب وأقلية.
3 ــ احترام إرادة الناس المناطقية والطائفية.
4 ــ لا يسمح لمن رسب في منطقته وداخل تياره أن يصل إلى الندوة البرلمانية.
5 ــ التأكيد على فعالية الصوت وتأثيره».
هذه الضوابط تم تبني جزء منها في اقتراح عدوان المبني على مشروع العماد عون، والمبني بدوره على واحد من طروحات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وباتت معظم القوى السياسية الكبرى تتعامل مع الاقتراح على أنه حل مقبول. وما يجري الآن هو شد حبال اللحظات الأخيرة، من دون تقديم موافقات نهائية رسمية. ويستند أكثر من مصدر إلى الكلام الذي قاله باسيل خلال جولته في البقاع أمس للإشارة إلى إيجابية التيار الوطني الحر في التعامل مع هذا الطرح. ويمكن القول بحسب مصادر واسعة الاطلاع إن مواقف نواب التيار الوطني الحرّ أمس وما سيجري خلال اليومين المقبلين هي تمهيد للاتفاق، والبحث جارٍ عن مخارج تعطي التيار هامش القول إنه هو من وجد الحلّ بسبب «الصمود» وليس بسبب إصرار حزب الله على النسبية، ومرونة الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط ودور عدوان.

الحريري لا يعارض اقتراح
عدوان، وبري يرفض نقل
المقاعد

في جميع الأحوال، وبصرف النظر عن المنتصرين والخاسرين، وأصحاب «الملكية الفكرية» للمشروع الذي سيُتفق عليه، الثابت الوحيد هو أن المشروع الذي ارتفعت أسمهه هو النسخة الأكثر سوءاً من النسبية. إيجابيته الوحيدة أنه أدخل النسبية إلى الانتخابات النيابية. ما عدا ذلك، فإن كل ما فيه سيئ:
ــ الدوائر صغيرة إلى أقصى الحدود (في دائرة جزين ــ صيدا 5 مقاعد نيابية فقط، دائرة بعبدا 6 مقاعد، في دائرة البقاع الغربي ــ راشيا 6 مقاعد، يجري البحث في خفضها إلى 5...).
ــ ثمة دوائر جرى تعمّد أن تكون صافية طائفياً (كالمتن وبيروت الأولى ودائرة البترون ــ الكورة ــ زغرتا ــ بشرّي).
ــ الصوت التفضيلي محصور في القضاء. وهذا المطلب الذي نادى به التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ويُصر عليه تيار المستقبل، بات عملياً بلا جدوى، بعد تصغير الدوائر إلى هذا الحد (6 دوائر تتألف كل منها من قضاء واحد، أو «نصف قضاء» في بيروت؛ و6 دوائر تتألف كل منها من قضاءين، بينها دوائر يتم التعامل معها دوماً كقضاء واحد، مثل البقاع الغربي ــ راشيا، وبعلبك ــ الهرمل). ولا يؤدي الإصرار على هذا الأمر سوى إلى «خنق» إضافي للعملية الانتخابية، بعد الذي تعرّضت له بتصغير الدوائر. كذلك يرفع «حصر الصوت التفضيلي في القضاء» حظوظ مرشحَي تيار المستقبل ليحصدا مقعدَي مدينة صيدا.
في المقابل، وعلى الرغم من الإيجابية والحديث عن قرب التوصّل إلى حلول، لا يزال الاشتباك متمحوراً حول المطالبة بنقل المقاعد المارونية، وخصوصاً من الأطراف إلى جبل لبنان، ومن طرابلس إلى البترون وإعادة مقعد الأقليات (أو المقعد الإنجيلي) من دائرة بيروت الثالثة إلى الدائرة الأولى (الأشرفية). فتيار المستقبل لا يزال رافضاً لهذا المطلب، وكذلك الرئيس نبيه برّي الذي أكّدت مصادره أمس لـ«الأخبار» أنه لا يزال عند هذا الموقف، لأن المطلوب سياسيّاً من هذا الأمر، برأيه، فكّ ارتباط المسيحيين في الأطراف، وخصوصاً الموارنة، من الارتباط بالمسلمين وليس بهدف «تصحيح التمثيل». بينما تقول مصادر واسعة الاطلاع إن برّي لن يقبل بأي شكلٍ من الأشكال بنقل المقعدين المارونيين من البقاعين الغربي والشمالي إلى جبل لبنان. أمّا مسألة مقعد طرابلس الماروني ومقعد الأقليات في بيروت الثانية، فالحريري هو من يعارض الأمر. وعليه، إن تراجع الحريري عن هذا الموقف فلن يغيّر بري موقفه، لكنّه لن يطيح التوافق لأجل هذا الأمر. لكن مصادر برّي أكدت أنه «إذا كان التوافق على القانون مربوطاً بنقل المقاعد، فإن الأمور ستتعقّد وستبتعد احتمالات الوصول إلى اتفاق»، مذكّرة بكلام النائب سليمان فرنجية أمس عن نقل المقاعد.
وبرزت أجواء متناقضة في تيار المستقبل. ففيما قالت مصادر مستقبلية بارزة إن هذا القانون (النسبية في 15 دائرة) يعني إعلان موت الحريرية السياسية، قالت مصادر قريبة من الرئيس سعد الحريري إنه «موافق على كل صيغ النسبية، ولا شيء يمكنه إنهاء الحريرية». ولفتت المصادر إلى أن المشروع لا يزال قيد التداول، ولم تتم الموافقة عليه.
من جهة ثانية، قالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع إن هناك حالة اعتراضية كبيرة داخل التيار الأزرق يقودها الرئيس فؤاد السنيورة ضد مشروع الـ 15 دائرة، وهو يلقى تجاوباً من عدد من نوّاب التيار الذين يعتبرون المشروع هزيمة سياسية للحريري بسبب المقاعد التي سيخسرها. وتلوح في الأفق بوادر اشتباك بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري على خلفية الدعوة إلى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب. وفيما قالت مصادر واسعة الاطلاع إن الاتصال الهاتفي بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري قبل يومين شهد توافقاً على الدعوة إلى جلسة لمجلس النواب في 5 حزيران، على أن يقوم رئيس الجمهورية بالتوقيع على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النّواب. لكن أجواء مناقضة جرى التداول بها أمس، تشير إلى أن عون أبدى انزعاجه من دعوة برّي إلى عقد الجلسة قبل التوقيع على المرسوم، وأن رئيس الجمهورية يربط التوقيع بالاتفاق الكامل على قانون الانتخاب حتى تكون الجلسة منتجة. وحتى الآن، ليس محسوماً موعد توقيع الرئيس للمرسوم، إذ أكّد مصدر واسع الاطلاع أن عون قد يقوم غداً الثلاثاء بالتوقيع، بينما قالت مصادر أخرى إن هذا الأمر لا يزال عالقاً، وربّما يتأخر الرئيس بالتوقيع لحين حصول الاتفاق. من جهة أخرى، قالت مصادر «أمل» إنه «إذا لم يوقع رئيس الجمهورية على المرسوم قبل الخامس من حزيران، فإن الرئيس برّي سيحدّد موعداً جديداً للجلسة».
(الأخبار)