عاد هاجس التفجيرات الانتحارية إلى قرى البقاع الشمالي. بسرعة لافتة، ورغم توجيه الجيش ضربات متتالية بتوقيف وقتل إرهابيين ينتمون إلى تنظيمات إرهابية في بلدة عرسال، أطلّ الإرهاب مجدداً برأسه، بقنابل وعبوات زرعت تحت جنح الظلام في بلدة رأس بعلبك، التي نجت من «قطوع» كبير كالذي وقع لجارتها القاع، في حزيران 2016. بتاريخ 11 أيار الجاري انفجرت قنبلة صوتية في إحدى حاويات النفايات في بلدة رأس بعلبك. اعتقد البعض أنها «أعمال صبيانية» أو قنبلة قديمة رميت في إحدى حاويات النفايات.
إلا أن ما حصل ليل الأربعاء ــ الخميس في البلدة بالقرب من كنيسة مار اليان، أعاد إلى الأذهان أياماً صال وجال فيها الإرهاب بسيارات وانتحاريين عند جارات رأس بعلبك، في الهرمل والنبي عثمان والقاع. انفجرت عبوتان صغيرتان أول من أمس، ليعثر الجيش الذي فرض طوقاً في البلدة على عبوة ناسفة ثالثة، تبيّن بعدما كشف الخبير العسكري عليها، بعد منتصف الليل، أن «زنتها 3 كيلوغرامات محشوة بالبراغي وقطع حديدية أخرى، كانت معدّة للتفجير عن بعد بواسطة هاتف خلوي» بحسب ما يشرح مسؤول أمني لـ»الأخبار». أما عن فرضية التفجير ومساره، فرجّح المسؤول أن تفجير العبوتين الصغيرتين كان بهدف جمع أكبر عدد من الأهالي حول مكان التفجير، ليتمّ بعدها تفجير العبوة الثالثة، وإيقاع أكبر قدر ممكن من الإصابات، مستنداً في رأيه الى الطريقة التي نفّذ فيها الإرهابيون عملياتهم الانتحارية في بلدة القاع قبل عام، وانتظار تجمع الأهالي وتفجير أنفسهم فيهم.
لم يكد يمضي على التفجير 12 ساعة، وليس بعيداً عن بلدة راس بعلبك، تمكنت مخابرات الجيش بعد رصدها لتحركات اللبناني ح. الحسن من بلدة عرسال من توقيفه، والذي سرعان ما اعترف بمشاركته مع آخرين في زرع العبوات الثلاث في رأس بعلبك. يتحفّظ المسؤول الأمني عن ذكر الأسباب والأسماء التي اعترف بها الحسن بالمشاركة في زرع العبوات في رأس بعلبك، إلا أنه بدا واضحاً أن الجيش كان صارماً في قراره لجهة توقيف كل من خطط ونفذ وشارك في زرع العبوات وتفجيرها. قوة من مخابرات الجيش دهمت يوم أمس منزل الموقوف الحسن ومنازل كلّ من مصطفى الحجيري ومحمد غدادة، وحصل تبادل لإطلاق النار تمكنت خلاله القوة من توقيف بلال إبراهيم البريدي (22 عاماً) وإصابة كل من خ. ح. والسوري ت. م. اللذين نقلا إلى مستشفى في عرسال للمعالجة «بعد التأكد من عدم وجود أي شبهة عليهما».
القوة التي دهمت البلدة عمدت «بسرعة» إلى نقل الموقوف البريدي من داخل بلدة عرسال باتجاه مكتب مخابرات رأس بعلبك، تخوّفاً من أيّ «ردّ فعل» لتوقيف البريدي الذي يعتبر شريك الحسن في زرع العبوات، فتمكن البريدي من فتح قنبلة كانت في حوزته، أدى انفجارها إلى مقتله وإصابة عدد من العسكريين بجروح طفيفة نقلوا على إثرها إلى مستشفيات البقاع للمعالجة.
رواية أخرى جرى تداولها أيضاً، تحدثت عن اعتراض سيارتين للدورية الأمنية التي تنقل البريدي في محاولة لتحريره، ليستغل البريدي انشغال العسكريين، فأقدم على سحب قنبلة من جعبة أحد العسكريين ورميها داخل السيارة، ما أدى إلى مقتله.
مسؤول أمني رفيع المستوى نفى لـ»ألأخبار» ما يجري تداوله من معلومات «مغلوطة» عن الحادثة، من اعتراض مسلحين للدورية الأمنية وضبط سيارتين مفخختين في عرسال، مشدداً على أن ما حصل أشارت إليه قيادة الجيش في بيانها الذي صدر عقب العملية الأمنية، وفيه أنه أثناء مداهمة مكان وجود الإرهابي بلال البريدي «أحد المشاركين بالتفجيرات التي حصلت في رأس بعلبك بتاريخ 24 أيار الجاري، أقدم الأخير على تفجير نفسه، ما أدى إلى مقتله وإصابة عدد من العسكريين بجروح غير خطرة».
في المحصلة، تمكّن الجيش سريعاً من ضبط وتوقيف مشاركين في عملية زرع العبوات في بلدة رأس بعلبك، وضبط أسلحة خلال عملية الدهم في بلدة عرسال، إلا أنه يبقى السؤال: هل البريدي والحسن هما المخططان والمنفذان أم هناك آخرون شاركوا في العملية تخطيطاً وتنفيذاً؟