ظل بركان "كامبي فليغري" خامداً لقرون طويلة، كان آخر انفجار له قبل أكثر من 500 عام، وبدا أنّه دخل في فترة سباته الطويلة وحركته الباطنية مستقرة، ولم يظهر نشاطاً بركانياً جديداً يعطي مؤشرات حول تدفقه منذ قرون. فوهة البركان القديمة تملؤها اليوم بحيرة هادئة تخفي تحتها طاقةً هائلة.
المؤشرّات الجديدة والدراسات التي أجريت على معطياتها تشير إلى أن فترة السبات الطويلة تشارف على الانتهاء، وأن لحظة عودة البركان إلى نشاطه باتت أقرب ممّا كان يتوقعه الباحثون المعنيّون والمراصد الإيطالية المتخصصة.

الاقتراب من المرحلة الحرجة

خلال العقود السبعة الماضية، رصد الجيولوجيون حركةً من التمدد والتقلّص في قاعدة البركان، التي يبلغ عرضها حوالى 13 كيلومتراً، وهي التي تضع ضغطاً كبيراً على الطبقات الأرضية تحتها، مما يمنع تدفق الحمم السائلة أو "الماغما" التي تبقى محصورةً بقوّة تحت باطن الأرض.

فوهة البركان القديمة تملؤها اليوم بحيرة هادئة تخفي تحتها طاقةً هائلة

وكان العلماء يعتقدون أن هذه الحركة التمددية والتقلصيّة في قاعدة البركان هي عبارة عن "تنفيس" للطاقة الناتجة عن حركة الأرض الباطنية وضغط الحمم السفليّة، فتظهر تأثيراتها من خلال ممارسة الضغط على البركان دورياً، ما يؤدي إلى هذه الحركة الظاهرية فيه. إلّا أن دراسةً حديثةً استخدمت محاكاة رقمية عبر نماذج وبرمجيّات أظهرت أنّ هذه الطاقة الباطنيّة لا يجرى تنفيسها أو تسريبها من خلال هذه الحركة، بل على العكس تماماً إذ تتراكم هذه الطاقة مع مرور الوقت وتتضاعف قوتها، ما قد يؤدي إلى وصولها إلى مرحلةٍ حرجة تنفجر من بعدها الحمم البركانية العملاقة إلى الخارج. وكانت الخلاصة بالتالي أننا نقترب أكثر من هذه المرحلة الحرجة وأنّ المشاهدات الأخيرة حول تغيرات معينة في بنية الأرض والتشققات فيها تعتبر مؤشرات على اقتراب ساعة الصفر لهذا البركان العملاق.
أشارت أبحاثٌ أخرى، خلال السنوات الماضية، إلى حركيّة زائدة في الطبقات الأرضيّة في منطقة البركان ومحيطه، حيث وجدت إحداها أن مستوى سطح الأرض ارتفع حوالى 38 سنتيمتراً منذ عام 2005 حتى اليوم، فيما أشارت أخرى إلى أن حركة الأرض في المنطقة تدلّ على أن هذا البركان قد وصل فعلاً إلى المرحلة الحرجة، وأن البركان يتحضّر عمليّاً للثوران وإن ببطءٍ لكنّ ثورانه سيكون قاسياً أيضاً.

صعوبات توقع التوقيت

أسباب ارتفاع مستوى سطح الأرض عديدة ويمكن تفسيرها من خلال عدّة احتمالات، إذ يمكن أن تكون نتيجة انبعاث غازات من طبقات الأرض البركانية وضغطها على قشرة الأرض صعوداً، أو قد تكون نتيجة لحركة المواد السائلة التي تتدفق من الداخل إلى الخارج فتتسرب إلى بعض الطبقات القريبة وتمارس ضغطاً على ما يعلوها من طبقات فترتفع. وبحال كان السبب الحقيقي هو اندفاع الماغما صعوداً واقترابها من سطح الأرض، فذلك يعتبر مؤشراً حاسماً أن وقت انفجار البركان صار قريباً. إلّا أن هذه الظاهرة وحدها لا يمكن الركون إليها، إذ حصل أمر مشابه خلال الثمانينيات في منطقةٍ قريبة وارتفعت الأرض حوالى 1.8 متر من دون حصول ثوران بركاني لاحقاً، وعادت الأرض إلى مستوياتها العادية بعد بضع سنوات نتيجة انحسار الضغط الباطني عليها. لكنّ ما أثار العلماء هذه المرّة هو أن التحركات الأرضية حصلت في قلب الكتلة البركانية في "كامبي فليغري" نفسها، وهو أمر لم يحصل منذ عام 1538 عندما توقف النشاط البركاني فيها كليّاً.
لكن مسألة تحديد الوقت الدقيق لثوران بركان "كامبي فليغري" ليس سهلاً أو حتى ممكناً اليوم، بل كلّ ما نستطيع تقديره أن هذا البركان هو في مرحلة انتقاليّة من بركان هامد إلى بركان ناشطٍ، وأن انفجاره يقترب تدريجياً مع مرور الوقت ولن يظلّ نائماً كما كان لقرونٍ خلت.

المخاطر جمّة

على السلطات المعنيّة أن تكون متيقنةً لهذه المخاطر، لأنّ المخاطر جمّة. يعتبر هذ البركان من البراكين المصنفة ضخمةً، وبالتالي سوف يكون انفجاره كبيراً ويصل تأثيره المباشر إلى عشرات الكيلومترات في محيطه. وإذ كانت المنطقة غير ذات كثافة سكانية كبيرة عند آخر انفجار له، تغيّر الوضع اليوم حيث يعيش حوالى 360 ألف شخص في قرى وبلدات تقع على سفح هذا البركان الكبير، وهؤلاء يعتبرون في دائرة الخطر المباشر. كما يعيش حوالى مليون شخص في المحيط المتضرر الأكبر وتحديداً في مدينة "بوزولي"، التي تعتبر إحدى ضواحي مدينة "نابولي" القريبة. وفي حال ثورانه الأقصى، سوف يصل مدى الضرر الكبير إلى كامل مدينة "نابولي" عاصمة الجنوب الإيطالي، وقد يصل عدد المتضررين إلى حوالى 6 ملايين شخص يقيمون ضمن دائرة تأثيره.
تقع "نابولي" بين جبلين بركانيين هما "كامبي فليغري" في الغرب و"فسيفيوس" في الشرق، حيث تمتد مع ضواحيها على مدى يصل إلى حوالى 14 كيلومتراً بين الجبلين. وإلى جانب الأضرار المباشرة التي يمكن أن يتسبب بها، سوف تؤدي الغبائر والمواد والدخان المتصاعد منه إلى تعطيل حركة الملاحة الجويّة في البحر الأبيض المتوسط بشكل شبه كامل وعلى مدى أسابيع عديدة، مثلما حصل قبل بضع سنوات خلال ثوران بركان متوسط في "إيسلندا" في الشمال الأوروبي.
"كامبي فليغري" هو اسم مركّب من اللغة اللاتينية واللغة اليونانية القديمة وهو يعني حرفياً "الحقول الملتهبة". قد يكون الاسم كافياً لمعرفة المخاطر الكامنة في حال ثوران البركان على هذه المنطقة بأكملها.