لا شيء سوى النكد. النكد هو وحده ما يؤخر صدور قانون جديد للانتخابات. لم تعد الحسابات السياسية هي الحاكمة. كل واحدة من القوى السياسية عرضت مطالبها، وتعرف النتائج التي ستحققها في الانتخابات النيابية المقبلة، في كل واحد من مشاريع القوانين المقترحة. كذلك فإن الوقت ضاق، فلا مجال للكثير من المناورة.
لا دخل للأوضاع الإقليمية والدولية بما يجري. يمكن الاتفاق غداً على قانون جديد. لا الأميركيون سيُرسلون أساطيلهم لمنعه، ولا الروس سيطلقون صواريخهم، ولا سوريا مهتمّة بما يدور عندنا، ولا حتى السعودية ستعرقل التوصل إلى قانون جديد. يمكن ثلاثة أشخاص أن يجتمعوا وأن يتفقوا على ما سيوافق عليهم حلفاؤهم. ما يحول دون ذلك هو النكد والنكاية. والنكاية هنا ليست سياسية، بل شخصية. والغالبية ينكّد بعضها على البعض الآخر. ثمة من يقامر برصيد العهد الرئاسي. وثمة من يريد أن يحطّم الرصيد نفسه. وثمّة من يلهو بمصير البلد، ليضمن التفريق بين خصومه. وإلى جانبهم من لا يرى البلاد سوى طريق يوصله إلى قصر بعبدا بعد ست سنوات، وآخر مستعد للتخلي عن ثلثي نواب كتلته، لقاء ضمان البقاء في الحكم. وأكثر من أي وقت مضى، يتحوّل الدستور إلى أداة للهو، إذ يسمح «دستوريون» لأنفسهم بالتنظير لمخالفة نصوص واضحة وضوح الشمس، ولا تحتاج إلى أي تفسير، ولا تحتمل أي تأويل (كالمادة 42 التي تقول إن الانتخابات تُجرى «في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة النيابة»).

وضع عون مزايدة السوق
الحرة في إطار بداية مسيرة التغيير والإصلاح


وإلى أن تنتهي المهل الدستورية والقانونية التي تتساقط الواحدة تلو الاخرى، لا أمل بأن تُنجز القوى السياسية في 35 يوماً تفصل عن انتهاء ولاية المجلس النيابي، ما عجزت عن إنجازه في أكثر من سبع سنوات. وحده التخلي عن النكد في سبيل العودة إلى السياسة، كفيل بالتوصل إلى حل. لكن، لا شيء يبشّر بالخير. وبعد فشل جميع الوساطات والمبادرات، كان يوم أمس مسرحاً لتحميل المسؤوليات، فيرمي كل طرف مسؤولية الفشل على الآخر. وأبرز المتنازعين في هذا المجال حركة أمل والتيار الوطني الحر. والأخير مدعوم من تيار المستقبل، ليحمّلا معاً مسؤولية الفشل للرئيس نبيه بري. أما مصادر الأخير، فتؤكد أن رئيس المجلس النيابي «عرض مشروع انتخاب مجلس نيابي يُحافَظ فيه على المناصفة في ست دوائر وفق النسبية، ومجلس شيوخ مذهبي وفق مشروع اللقاء الأرثوذكسي، قائلاً: إمّا خذوه كما هو، أو ارفضوه. لكن أتى من شوّه المشروع وأفرغه من مضمونه، فكان من الطبيعي أن تُرفض التعديلات التي تمس جوهره».

التيار: التأهيلي باقٍ حتى قانون آخر

في المقابل، اتهمت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر الرئيس بري بـ«فركشة» مجلس الشيوخ «أولاً بفرضه مهلة للسير في طرحه، وثانياً برفضه رئاسة مسيحي للمجلس، بعدما كنا قد تبلّغنا منه موافقة صريحة على ذلك، وثالثاً بإصراره على المحافظة على المناصفة في مجلس النواب بين المسلمين والمسيحيين من دون مراعاة الحصص المذهبية». وتساءلت: «كيف يمكن تطبيق ذلك فعلياً في ظل الاحتقان السني ـــ الشيعي؟ وكيف يستقيم هذا الطرح فيما هو يرفض التعيينات القضائية، لأن عدد القضاة السنّة يزيد على الشيعة بثلاثة؟». أضافت المصادر أن طرح مجلس الشيوخ «كان يمكن أن يشكّل مخرجاً من الأزمة، والجميع كان مستعداً للسير فيه بعد إدخال تعديلات، وكان موقف التيار متقدماً جداً في هذا الشأن». وقالت المصادر: «نحن مصرون على مجلس الشيوخ ونرى فيه حلاً. لكن الرئيس بري هو، فعلياً، من نسف مبادرته التي طرحها، تماماً كما طرح المختلط ثم تراجع عنه، وكما طرح التأهيلي ثم رفضه».
وأكدت المصادر لـ«الأخبار» أنه «ما دمنا لم نتوصل إلى قانون، فإن اقتراح التأهيلي هو الوحيد الباقي. ولا يلغي هذا الطرح إلا قانون آخر يجري التوصل إليه». وقالت: «لا نزال بعيدين عن التوصل إلى اتفاق. المؤكد، في ظل رفض الجميع للتمديد والفراغ، أننا ذاهبون إلى قانون انتخاب بات واضحاً أنه سيتضمن النسبية. ولكن ليس واضحاً بعد وفق أي دوائر وأي ضوابط».
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قد دافع أمس عن «التأهيلي»، قائلاً: «إني أتساءل في ظل سعي البعض لإعطاء المشروع التأهيلي طابعاً طائفياً، أين الطائفية فيه؟ فالتأهيل ليس انتخاباً، بل انتقاء، وهو ما يجري مثلاً في أميركا وفرنسا، وكذلك الأمر في إيران وغيرها من الدول». كذلك امتدح عون مشروع اللقاء الأرثوذكسي، مشيراً إلى أنه «إذا جرت الانتخابات على أساس القانون الأرثوذكسي مثلاً، يتساوى المواطنون كما تتمثل الأقليات والأكثريات، فيما قانون الستين هو الأظلم». وتحدث رئيس الجمهورية عن الناخبين المسيحيين، فقال إن «انتشارهم السكاني في غالبية الأقضية اللبنانية ينتج خللاً بالنسبة إليهم حتى وفق القانون النسبي. أما بموجب المشروع التأهيلي، فهم سيتمتعون بقدرة تمثيلية أكبر داخل طائفتهم، ولا سيما أن الانتخاب في لبنان يجري اليوم على أساس طائفي».
ووضع عون نتيجة مزايدة تلزيم السوق الحرة في مطار بيروت، التي أدارها وزير الأشغال يوسف فنيانوس، في إطار بداية مسيرة الإصلاح والتغيير، إضافة إلى «التحقيق الجاري في كازينو لبنان، وقطاع الاتصالات، وإلغاء مناقصة الميكانيك».