انتهت ليل أمس المهلة التي كان قد حدّدها رئيس مجلس النواب نبيه برّي للاتفاق على مشروع قانون الانتخابات الذي قدّمه، والقاضي بانتخاب «مجلس نواب وطني»، باعتماد النسبية في 6 دوائر، وبإنشاء مجلس للشيوخ. وبما أن المهلة انتهت من دون اتفاق، سحب بري مشروعه من التداول، ليعود النقاش إلى النقطة الصفر، وتصبح البلاد أمام خيار وحيد: الفراغ الذي يهدد كل المؤسسات، لا المجلس النيابي وحده. وما لم يتم تدارك هذا الخطر، فإن البلاد تتجه نحو أزمة كبرى، ستنتهي في أفضل السيناريوات بالعودة إلى قانون الستين.
رئيس المجلس، حسب تعبيره، قدّم كلّ ما لديه، ثم أرجأ رسمياً الجلسة النيابية التي كانت مُقرّرة اليوم، وعلى رأس جدول أعمالها التمديد للمجلس النيابي، إلى 29 أيار، على أن تُعقد بجدول الأعمال نفسه. اللافت في البيان الصادر عن عين التينة أمس، تشديد برّي على هذه النقطة، ما يعني أنّ التمديد لا يزال ورقة ضغط ستُستعمل في حال عرقلة الاتفاق على قانون جديد، وأنّ الأمور تتجه إلى المزيد من التعقيد.
حتى الساعة، لا يزال الفشل في وضع قانون عصري، يؤمن صحة التمثيل، هو المسيطر. تُعزز هذه الخلاصة، نتيجة الاجتماع الذي عُقد أمس في عين التينة بين برّي ورئيس الحكومة سعد الحريري والنائب جورج عدوان، بحضور الوزير علي حسن خليل ومدير مكتب الحريري، نادر الحريري. زوار بري لم يكونوا يتحدّثون باسمهم وحسب، بل كانوا ممثلين لتحالف يضمّ كلاً من الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وخلافاً للأجواء الإيجابية التي حاول زوار عين التينة الترويج لها قبل اللقاء، تبيّن أنّ الاجتماع لم يُراكم سوى السلبيات، أبرزها تضييع الفرصة/ الحلّ، المتمثلة باقتراح برّي الانتخابي.

سحب بري اقتراحه من
التداول وأرجأ «جلسة التمديد»
إلى 29 أيار

بنى رئيس مجلس النواب طرحه على أساس تحقيق أمرين: إنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه المذاهب ويُنتخب وفق مشروع اللقاء الأرثوذكسي، ليتم حصر التمثيل المذهبي فيه. والانطلاق نحو انتخاب مجلس نواب على أساس وطني. وحول هذه النقطة الأخيرة، يعتبر برّي أنّه قدّم تنازلين. فهو أولاً، تنازل عن بعض صلاحيات مجلس النواب لمصلحة «الشيوخ». والثاني، تخفيفه من هواجس البعض من إلغاء الطائفية السياسية عبر إيجاد «فتوى» لما ورد في اتفاق الطائف عن انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي، تقضي بأن تُلغى المذهبية. فيتم انتخاب 64 نائباً مسيحياً و64 نائباً مسلماً، من دون مراعاة الحصص المذهبية. أما عن النسبية في الدوائر الستّ، فيعتقد برّي أنّ هذا التقسيم يؤدي إلى ارتفاع نسبة تفاعل أبناء الطوائف المختلفة بين بعضهم البعض، ويُخفّف من حدّة المذهبية، ويُفسح المجال أمام القوى العلمانية واللاطائفية بتحسين فرصة تمثيلها. إلا أنّ برّي فوجئ، خلال اللقاء أمس وفي المشاورات الممهّدة له، بأنّ محاوريه يريدون تفريغ المشروع من مضمونه.
فالطرح الذي حمله تيار المستقبل والقوات اللبنانية إلى برّي، وفقاً لمعلومات «الأخبار»، قائم على إنشاء مجلس الشيوخ وانتخاب مجلس النواب وفق النظام المذهبي المعمول به. ويعني ذلك أنه عوض البدء بخطوات نحو تخفيف حدة المذهبية، يخطو ممثلو هذه القوى خطوات إلى الوراء، عبر وضع تصور لمجلسين مذهبيين. النقطة الثانية التي تحدثوا بها هي تصغير الدوائر، بمُعدل قضاءين لكلّ دائرة انتخابية، مع حصر الصوت التفضيلي في القضاء، ما يعني تعزيز الاقتراع المذهبي. وإضافة إلى تحفظاته الأساسية على نسف مشروعه، يتوجس برّي من طريقة تقسيم بعض الدوائر (الشمال مثلاً، وتقسيم الجنوب إلى ثلاث دوائر)، فتظهر كأنها تستهدف قوى معينة. من الأمور التي طرحها الوفد على رئيس المجلس، وتُعدّ من الخطوط الحمر لديه، نقل أربعة مقاعد مسيحية من قضاء الى آخر ومن دائرة الى أخرى (المقعد الماروني في طرابلس الى البترون، المقعد الماروني في البقاع الشمالي الى جبيل، المقعد الماروني في البقاع الغربي الى المتن الشمالي والمقعد الإنجيلي في بيروت الثالثة الى الأشرفية). كذلك أصرّ ممثلو المستقبل والقوات على أن تكون رئاسة مجلس الشيوخ من نصيب مسيحيّ، وهو ما يرفضه بري أيضاً.
وكان الحريري قد طلب موعداً من بري قبل قرابة خمسة أيام، لكن رئيس المجلس طلب التريث إلى ما بعد عودة رئيس الحكومة من قطر. ثمّ طلب عدوان لقاء بري، فقرّر الأخير أمس أن يكون اللقاء ثلاثياً، بعدما أُبلغ بأنّ لدى المستقبل والقوات تطورات إيجابية. وبناءً على ذلك، تريث في إعلان إرجاء جلسة اليوم حتى يبني على الشيء مقتضاه.
وخلافاً لما جرى التداول به أمس، نفت مصادر في تكتل الإصلاح والتغيير أن يكون الوزير جبران باسيل قد حضر لقاءً مع الحريري وعدوان قبل اجتماع عين التينة. وقالت المصادر لـ«الأخبار» رداً على سؤال إن كان عدوان يُفاوض باسم التيار الوطني الحر، «نحن والحريري وعدوان نُنسّق سوياً. وهما نقلا الاقتراح الذي توصلت إليه نقاشاتنا: مجلس شيوخ، ونسبية في دوائر متوسطة والصوت التفضيلي في القضاء. هذا الطرح مُتقدم على سواه ولكن لا يعني أنّ التأهيلي سقط».
في المقابل، قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إنّه «بعدما سقط مشروع التمديد بالإجماع، لم يبق أمامنا سوى خيارين: إما القانون الجديد المبني على النسبية وإما الفراغ». وبما أنّ «الفراغ كما سمعنا الجميع يستنكره، وهذا إنجاز أيضاً، إذاً لم يبق أمامنا إلا النسبية. لعل البعض يقول إنّ النسبية لا تلائمنا، هل تعلمون أن النسبية فيها عشرة وعشرون خياراً كلها اسمها نسبية؟ فلنتفق كأطراف على واحد من الخيارات، ويمكن أن ندوّر الزوايا وأن نتفق على القضايا محل الاختلاف حتى نصل إلى قاسم مشترك نجتمع فيه من أجل أن نُقرر قانوناً يُحقق ثلاثة أمور: الإنصات، سعة التمثيل وإمكانية التوافق على الصيغة المطروحة». فالاتفاق على قانون جديد، وفقاً لقاسم، «يؤدي إلى الاستقرار السياسي ويحقق نجاحاً جديداً للعهد، إضافة إلى نجاحاته، ويؤدي أيضاً إلى أن ننصرف إلى قضايا الناس وشؤونهم الاجتماعية والاقتصادية».
(الأخبار)