انخفض متوسط ساعات التقنين العام خارج بيروت الإدارية من 254 ساعة في آذار إلى 191 ساعة في نيسان، أي بمعدل ساعتين يومياً، بسبب تراجع الطلب على الكهرباء في فصل الربيع وإضافة 270 ميغاواط على الطاقة الكهربائية المنتجة من مؤسسة كهرباء لبنان، نتيجة بدء تشغيل المحركات العكسية الجديدة في معملَي الزوق والجية، بعد عرقلة استمرت أكثر من عام.
هذه التطورات انعكست انخفاضاً ملموساً لمتوسط «السعر العادل» لاشتراكات المولدات الكهربائية، الذي أعلنته وزارة الطاقة والمياه لشهر نيسان الماضي، إذ بلغ 184 ليرة عن كل ساعة تقنين للمشتركين (بقدرة 5 أمبير) بالمقارنة مع 245 ليرة لشهر آذار، أي بانخفاض 61 ليرة وما نسبته 24.8%. هذا الانخفاض لم يعجب أصحاب المولدات الكهربائية، الذين لجأوا، كالعادة، الى فرض أسعارهم وابتزاز المشتركين بقطع الكهرباء عنهم إذا اعترضوا.
يبلغ الاشتراك الوسطي (بقدرة 5 أمبير)، بحسب إعلان الوزارة، نحو 35 ألفاً و144 ليرة، بالمقارنة مع نحو 62 ألفاً و230 ليرة في شهر آذار. وتستند وزارة الطاقة والمياه في تحديد هذا السعر إلى معادلة حسابية تتضمن السعر الوسطي لصفيحة المازوت الأحمر (20 ليتراً) (البالغ 14.280 ليرة في نيسان، بالمقارنة مع 14,932 ليرة في آذار) والمصاريف والفوائد والأكلاف التي يتكبدها أصحاب المولدات، بالإضافة إلى هامش ربح يبلغ 15%. ويصدر هذا السعر شهرياً، تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الرقم 2 الصادر بتاريخ 14/12/2011 الرامي الى اتخاذ التدابير اللازمة لضبط تسعيرة المولدات الخاصة. إلا أن هذا السعر ليس ملزماً وإنما يتم استخدامه كمؤشر استرشادي للبلديات، كي تقوم بدورها في حماية مصالح المقيمين في نطاق سلطتها من الاستغلال الذي يمارسه أصحاب المولدات.

تفاوت كبير في الأسعار

لا يجري، عادة، الالتزام بالسعر المعلن من الوزارة، إلا أن التفاوت في الأسعار عن شهر نيسان أثار موجة احتجاج واسعة بين المشتركين، إذ تراوحت في المناطق التي استقصت عنها «الأخبار» بين 10 آلاف ليرة في حدّه الأدنى، كما في ذوق مكايل، و120 ألف ليرة في حدّه الأقصى كما في صيدا. هذا التفاوت لا يبرره التفاوت المقابل في ساعات التقنين، بل يظهر من خلال الملاحظة الميدانية أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى نفوذ أصحاب المولدات وارتباطهم بقوى الأمر الواقع وتواطؤ النافذين في البلديات معهم.
بحسب المعلومات التي وفّرتها مؤسسة كهرباء لبنان عن شهر نيسان، بلغ التقنين اليومي حدّه الأقصى في الجنوب (10.46 ساعات) وحدّه الأدنى في بعض مناطق جبل لبنان (2.12 ساعة خارج دائرتَي الشياح وأنطلياس). أي أن متوسط ساعات التقنين تراوح بحسب المناطق بين 313.8 ساعة و63.6 ساعة، وبالتالي فإن متوسط قيمة الاشتراك (5 أمبير)، بحسب السعر المعلن من الوزارة، يتراوح بين 57 ألفاً و739 ليرة كحد أقصى و11 ألفاً و702 ليرة كحد أدنى.
في المناطق الأخرى، بلغ متوسط التقنين في بيروت الإداريّة خلال شهر نيسان نحو 78 ساعة، ما يعني أن السعر المتوسط لاشتراك المولدات (5 أمبير) يبلغ نحو 14 ألف ليرة. وبلغ التقنين في دائرة أنطلياس نحو 93 ساعة، أي أن متوسط سعر الاشتراك هو 17 ألف ليرة. وبلغ في دائرة الشياح نحو 118 ساعة (22 ألف ليرة)، وفي البقاع 294 ساعة تقنين (54 ألف ليرة)، وفي الشمال، بلغت ساعات التقنين في المناطق المغذاة من شركة قاديشا، أي طرابلس وشكا وإهدن وبشري والكورة، نحو 146 ساعة (26 ألف ليرة)، وبلغت في عكار والضنية والمنية والبترون وعمشيت 160 ساعة (29 ألفاً و500 ليرة).
يظهر من الاستطلاع البسيط الذي أجرته «الأخبار» على عيّنة من المشتركين، تم اختيارها عشوائياً، أن أصحاب المولدات فرضوا أسعاراً أعلى بكثر مما هو مفترض بحسب إعلان الوزارة، إذ بلغ السعر 38 ألفاً في سن الفيل، و45 ألفاً في المنصوريّة، و30 ألفاً في بصاليم، و35 ألفاً في بعض أحياء الحدث، و45 ألفاً في حارة حريك، و100 ألف في حي السلم، و35 ألفاً في عشقوت، و46 ألفاً في سهيلة وبلونة، و120 ألف ليرة في صيدا، و90 ألف ليرة في الهلالية و50 ألف ليرة في طرابلس.

البلديات: رضوخ أو تواطؤ مفضوح!

بدا واضحاً أن معظم البلديات لا تقوم بواجباتها من خلال فرض التعرفة المحدّدة من وزارة الطاقة. وهي (أي البلديات) إمّا تنأى بنفسها وترضخ لتحكّم «مافيا المولّدات» بالأسعار، بسبب حماية قوى الأمر الواقع المُسيطرة، كما في الضاحية وطرابلس والكثير من الأحياء والقرى، وإمّا بسبب تواطؤ النافذين في البلديات مع أصحاب المولّدات لممارسة الاحتكار وزيادة الأسعار والانتفاع من توزيع ريوعها.

انخفض التقنين ساعتين
في نيسان الماضي بسبب زيادة إنتاج مؤسسة الكهرباء


تقول سامية خ. من سكان سهيلة إن «فاتورة المولّد هي دائماً ضعف ما يدفعه سكّان المناطق المجاورة في عجلتون وعينطورة، علماً بأنها مناطق تتغذّى من المحطّة نفسها وتخضع لساعات التقنين نفسها، وهو ما استمرّ خلال هذا الشهر، فرغم أن ساعات القطع لم تتخطّ الساعات الأربع، إلّا أننا دفعنا نحو 46 ألف ليرة لخدمة المولّد، راجعنا البلدية مرّات عدّة، وهي ترمي المسؤوليّة حيناً على مراقب المولّدات المُعين من المحافظ، وحيناً آخر تتذرع بوجود أعطال في المحوّلات، فيما المراقب يؤكّد أنه ملتزم بما تسجّله عدّادات البلديّة من ساعات قطع».
في صيدا، يشير عصمت القوّاس إلى أن «التعرفة في المنطقة هي الأعلى مقارنة مع المناطق المجاورة، إذ تراوحت هذا الشهر بين 90 و120 ألف ليرة، في انخفاض بمعدّل 5 إلى 10 آلاف ليرة عن الشهر الماضي، على الرغم من تحسّن التغذية بشكل ملحوظ وكبير»، ويتابع «هناك تواطؤ واضح بين البلديّة وأصحاب المولّدات، فنحن توصّلنا إلى اتفاق على وضع عدّادات في بيوتنا منذ أشهر لمراقبة ساعات القطع، وتعهّدت البلديّة بمتابعة الموضوع مع أصحاب المولّدات، لكن شيئاً لم يحصل حتى اليوم، إضافة إلى وجود أعطال مُفتعلة تنتج من عدم مسارعة شركة تقديم الخدمات إلى معالجة الأعطال بهدف زيادة ساعات القطع».
ولا يختلف الوضع في طرابلس، هناك أيضاً عمد بعض أصحاب المولّدات إلى «التذاكي» عبر إصدار فواتير متلاعب بها، زوّروا فيها الأرقام لإخفاء «سرقتهم»، إذ حوّل اشتراك الـ 10 أمبير التي يحصل عليها المشتركون إلى 16 أمبيراً على الورق، لتبرير تقاضيهم 140 ألف ليرة لبنانيّة بدلاً من 50 ألف ليرة. وكلّ ذلك يعيده المستهلكون إلى تواطؤ مكشوف بين البلديات وأصحاب المولّدات والمراقبين.

شكوك تدعّمها الردود

إلّا أن للبلديات ومراقبي المولّدات رواية مختلفة لدحض اتهامات التواطؤ عبر إثارة الشكوك بالتعرفة وعدد ساعات التقنين التي تصدرها وزارة الطاقة، لكنّها شكوك لا تنزع عن هؤلاء مساعيهم الحثيثة لرعاية مصالح أصحاب المولّدات.
يشير مراقب المولّدات في محافظة جبل لبنان داني أوديشو إلى أنه يلتزم بما تسجّله العدّادات المزروعة في المناطق، وبناءً عليها «بلغ المعدّل الوسطي لفواتير المولّدات خلال الشهر الماضي في المتن وكسروان نحو 35 ألف ليرة (فيما أسعار الوزارة تراوحت بين 12 ألفاً و22 ألفاً)، فأنا أضع التعرفة بحسب ما تسجّله العدّادات لا ساعات القطع في مخارج المحطّات والصادرة عن الوزارة»، ويتابع أوديشو «مزاعم مؤسّسة الكهرباء بإمداد المناطق بالتيار بالتساوي مشكوك فيها، كونها تصدر معدّلاً لساعات القطع يختلف عمّا تسجّله عدّاداتنا»، متغاضياً بذلك عن كون التفاوت في الأسعار يشمل بلدات ومدناً تتغذّى من نفس المخرج وتخضع لنفس ساعات التقنين.
التشكيك يطال أيضاً صحّة التعرفة الصادرة عن وزارة الطاقة لناحية عدد ساعات القطع المُبالغ في تخفيضها للترويج لبروباغندا زيادة التغذية، بحسب عضو بلدية طرابلس شادي نشابة، الذي يشير إلى أن «الوزارة أرسلت ساعات القطع خلال نيسان وحدّدتها بـ 130 ساعة، فيما أصحاب المولّدات يؤكّدون أنها تخطّت الـ 300 ساعة، وهو ما يجعل الفرق شاسعاً، دون أن يكون هناك عدّادات خاصّة بالبلدية لنقطع الشكّ باليقين. لقد قمنا بجولات ميدانيّة وتبيّن لنا أن أرقام الوزارة مشكوك في صحّتها، فالتقنين يتخطّى الـ 4 ساعات ويصل إلى 10 ساعات في المنطقة». كذلك يشير المهندس في بلدية صيدا، محمد السيّد، إلى وجود فوارق في التعرفة نفسها «بهدف إلحاق خسائر بأصحاب المولّدات، لتتوقّف عن العمل، وخلق أزمة ستدفع الناس حكماً إلى المطالبة بتسريع خطّة الكهرباء المعروضة»، ويستند السيّد في تحليلاته إلى كون «سعر الكيلوات في نيسان 2016 بلغ 193 ليرة مقابل 11 ألف ليرة كسعر لصفيحة المازوت، فيما سجّل في نيسان 2017 نحو 184 ليرة مقابل 14 ألف ليرة لصفيحة المازوت»، يقرّ السيّد بعدم التزام البلدية بالتعرفة التي بلغت وفق حساباته 266 ليرة لا 184 ليرة، إذ «عدّلنا الجداول وزدنا الأسعار لضمان التزام المولّدات بتأمين الكهرباء خلال ساعات القطع، وعدم تنفيذ تهديداتها بوقف العمل».

شرعنة المولّدات

لكن ما هي الإجراءات لمكافحة استغلال الناس وحماية حقوقهم بعدما تحولت المولّدات الى أمر واقع، دون أي تنظيم، ونمت على مر السنين بفعل قصور «الدولة» عن تأمين التيار الكهربائي من جهة وتنامي حاجات الناس؟ تشير وزارة الطاقة إلى أنه «لا سلطة لها على أصحاب المولّدات، وأن الأسعار التي تصدرها هي توجيهيّة وغير مُلزمة لهم»، لذلك هي بصدد مواجهة هذه الإشكاليّة عبر إطلاق مشروع العدّادات بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، مشيرة إلى أن «حقوق الناس ومكافحة استغلالهم من قبل أصحاب المولّدات هي التزام قطعته على نفسها، ومشروع العدّادات هو للحدّ من الأرباح المنفوخة التي يجنيها أصحاب المولّدات، كونه سيؤدي إلى إصدار فواتير بقيمة حجم الاستهلاك لا بحسب ساعات القطع، التي قد لا يستهلك خلالها المشترك التيار».
كان من المقرر، أن يعقد وزيرا الطاقة والمياه والاقتصاد والتجارة مؤتمراً صحافياً، أمس، لحث أصحاب المولدات على تركيب عدادات لاحتساب الفواتير على أساس الاستهلاك الفعلي، وتفادي الخلافات الدائمة حول صحة المعطيات عن ساعات التقنين، إلا أنه تم إرجاء المؤتمر الى ظهر الاثنين من دون توضيح الأسباب.