عام 2015، أوقف عناصر مكتب مكافحة المخدرات عامل المطبعة الفلسطيني نمر ع.، المقيم في مخيم شاتيلا، لحيازته قطعة من حشيشة الكيف. أُخلي سبيله بعد ثلاثة أيام كونها المرة الأولى التي يوقف بهذا الجرم، وبعد تعهّده بعدم تكراره.
قصة تحدث عشرات المرات لولا أن نمر قرّر، بعد توقيفه البسيط، التدين، وبدأ بالتردد على عدد من المساجد، حيث تعرف إلى شاب سوري (يقاتل اليوم في صفوف «جبهة النصرة» في منطقة باب الهوى على الحدود السورية ــــ التركية). تأثر الشاب الفلسطيني بأحاديث صديقه السوري عن «نصرة أهل الحق». و«الجهاد في سبيل الله ضد النظام السوري وأعوانه». وسرعان ما انضوى نمر («أبو البراء») الذي بالكاد يبلغ الثامنة عشرة بصفوف «النصرة» وصولاً الى تكليفه باغتيال الأمين العام لـ «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» أحمد جبريل.

الأوامر جاءت من
درعا والموقوفان تنقلا بين شاتيلا والتبانة وعين الحلوة



عام 2016، تعرّف نمر وصديقه السوري، أثناء متابعتهما دروساً دينية في مسجد في مخيم شاتيلا، إلى السوري عبد القادر ف. وعرضا عليه نيتهما الالتحاق بـ«النصرة»، فطلب منهما التريّث لعدم وجود طريق آمن للوصول. في أيار من العام الماضي، خضع نمر لدورة تدريبية على السلاح الخفيف واللياقة البدنية في المخيم. ثم انتقل برفقة صديقه السوري إلى مخيم عين الحلوة عبر طريق فرعي. في مسجد الصفصاف، في المخيم، التقيا بشخص عرّف عن نفسه بـ «أبو محمد»، وتبادلا معه أرقام الهواتف. تكرر اللقاء من دون أن يصلا إلى غايتهما. فقررا التوجه إلى مسجد عبد الله بن مسعود في باب التبانة (حيث كان يتردد كل من الأمير العسكري لـ«النصرة» أسامة منصور وشادي المولوي)، والتقيا بأحد أفراد مجموعة المولوي، وطلبا لقاء الأخير فجاءهما الجواب بأنّه في مخيم عين الحلوة، «ووضعه حساس جداً في هذه الفترة، ومن الأفضل عدم الاقتراب منه لعدم إثارة الشبهات حولهما».
في تشرين الثاني الماضي، فقد نمر أثر صديقه السوري، ليعلم بعد فترة قصيرة عبر الفايسبوك أنه أصبح في سوريا ويقاتل إلى جانب «النصرة». توطدت العلاقة بين نمر وعبد القادر، وتكثفت لقاءاتهما في أحد مساجد بيروت. وأسرّ عبد القادر لصديقه بأنه كان يقاتل في سوريا، لكنه لم يحدد الفصيل أو المنطقة. وأخبره لاحقاً أنه أثناء إقامته في باب التبانة ــ طرابلس، التحق بمجموعة منصور والمولوي، وشارك بالقتال معهما في معركة التبانة ضد الجيش، قبل أن يفرّ إلى بيروت.
في كانون الأول الماضي، أنشأ نمر حساباً على موقع التواصل الاجتماعي، تعرف عبره إلى شخص يضع صوراً ومنشورات جهادية. بالتواصل معه أخبره برغبته في الذهاب إلى سوريا والانضمام إلى جبهة «فتح الشام« («النصرة»). سأله الأخير عن عمره وعمله وعمّا إذا كانت لديه خبرة عسكرية، ثم زوّده برقم هاتف أردني. تواصل نمر مع صاحب الرقم وأبلغه برغبته بالانتقال إلى سوريا، فزوّده الأخير برقم عائد إلى أمير «النصرة» في درعا «أبو ماريا». وبالفعل، تواصل نمر مع «أبو ماريا» فطلب منه الأخير جمع مبلغ مالي له ولعبد القادر لنقلهما إلى سوريا في غضون شهر. كما طلب منه جمع معلومات عن وضع مخيم شاتيلا والفصائل الفلسطينية فيه، وبالفعل عمل نمر على تزويده بالمعلومات المطلوبة. عرض «أبو ماريا» على نمر تنفيذ عمل أمني ضد مسؤولين فلسطينيين «متورطين في القتال إلى جانب النظام السوري». وحدد من هؤلاء جبريل، طالباً استهدافه أثناء زيارته لبنان. كذلك وُضِع على اللائحة «أبو العمرين» جبريل (قيادي في الجبهة ونجل أمينها العام) وقيادي ثالث في «القيادة العامة» في شاتيلا. وطلب «أبو ماريا» من نمر تصوير الأماكن التي يتردد إليها هؤلاء وإرسالها إليه بهدف تزويده بخطة لتنفيذ عملية الاغتيال. كما طلب منه تصوير العملية بالصوت والصورة ليُصار إلى تبنيها من قبل «جبهة النصرة».
لم تسر الأمور وفق المخطط، فقد أُوقف المشتبه فيهما.

«النصرة» طلبت دعم جماعة بلال بدر أثناء الاشتباكات الأخيرة
في عين الحلوة

فاعترف نمر بحيازته بندقية كلاشنيكوف مع ثلاثة مماشط كان ينوي تتفيذ عملية الاغتيال بواسطتها، وأنه كان في صدد وضع كاميرا صغيرة على رأسه لتصوير العملية، وأن لديه إمكانية لرصد المسؤولين المذكورين والاقتراب منهم. وأقر بأنه كان، بعد تنفيذ العملية، سيلجأ إلى مخيم عين الحلوة في حال تعذّر انتقاله إلى سوريا. واعترف الموقوفان أيضاً بأنهما بتاريخ 9/4/2017، إبّان المعارك العسكرية التي نشبت أخيراً في عين الحلوة، توجها إلى المخيم للالتحاق بمجموعة بلال بدر بناءً على تكليف من القيادي «أبو ماريا». وأفادا بأنهما دخلا أحد الأزقة، فصادفتهما قوة من حركة فتح، فادعيا أنهما هاربان من القصف، ثم دخلا إلى منطقة مجموعة بلال بدر في حي الطيري، إلا أنهما لم يجدا أحداً، وكانت المنطقة شبه مدمرة، فعادا أدراجهما. وأقر عبد القادر بأنّ نمر ع. أبلغه بأنه على تواصل مع «أبو ماريا» وأنّ الأخير وعد بتأمين انتقالهما إلى منطقة القنيطرة السورية عبر شبعا.




موقوف 5 مرات

برز لافتاً في سجل الموقوف عبد القادر ف. توقيفه مرات عديدة قبل إخلاء سبيله. وهو اعتقل في المرة الأولى بتاريخ 24/6/2014 للاشتباه فيه أمنياً ووجود صور أسلحة حربية على هاتفه الخلوي عندما كان مع «لواء الإسلام». يومها سُلّم إلى الشرطة العسكرية في الريحانية حيث أُوقف لمدة شهر. وبعدما أنكر كل ما نُسب إليه لناحية انتمائه إلى المجموعات المسلحة أُخلي سبيله. حاول بعدها المغادرة إلى عرسال للالتحاق بـ «جبهة النصرة» في الجرود، إلا أنه أُوقف على حاجز للجيش، وسُلّم إلى الشرطة العسكرية، وبعد نحو عشرين يوماً أُخلي سبيله. وذكر أنه سبق أن التقى بشادي المولوي في مسجد عبد الله بن مسعود في طرابلس، وعرض عليه الأخير مبايعة «جبهة النصرة» فوافق والتحق بمجموعة مولوي، قبل أن يفرّ إلى بيروت إثر اشتداد المعارك. وفي بداية 2016 بدأ يتردد إلى عدد من المساجد في بيروت لمتابعة دروس دينية، وتعرف إلى نمر ع. الموقوف في القضية نفسها. وبتاريخ 19/1/2017 أُوقف عبد القادر على حاجز الجيش عند مدخل مخيم صبرا وشاتيلا وسُلّم للشرطة العسكرية ثم أُخلي سبيله. وفي 10/4/2017 أوقفه جهاز أمن الدولة وخضع لتحقيق حول انتمائه إلى المجموعات المسلحة في سوريا، ثم سُلّم لفرع المعلومات حيث خضع للتحقيق وأنكر كل ما نسب إليه، فأُحيل على الأمن العام للبتّ بأمر إقامته، فاستُجوب وأُوقف بعد إدلائه باعترافاته.