د. عصام نعمة إسماعيلإن ما أناطته المادة 66 من الدستور بالوزراء هو إدارة مصالح الدولة وتطبيق الأنظمة والقوانين، كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به. وقد أضيفت هذه الفقرة إلى الدستور في عام 1990، تنفيذاً لوثيقة الوفاق الوطني، التي أوجبت أن تعزّز صلاحيات الوزير بما يتفق مع السياسة العامة للحكومة.

واضحٌ من النص والغاية أن تعزيز الصلاحيات جاء انسجاماً مع التعديلات الدستورية التي حوّلت الوزير من معاونٍ لرئيس الجمهورية إلى وزير يمارس صلاحياته بصفته عضواً في مجلس الوزراء. وعند هذه الحدود تقف قوة الوزير، فهو ليس ملكاً في وزارته بل هو رأس الإدارة العامة، التي لا تستطيع العمل بغير الجسد، كما لا تستطيع العمل بإدارة بديلة (مستشاري الوزير). وإذا كان للوزير الحق باختيار فريق استشاري، وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 16 تاريخ 11/8/1999 (تعاقد مع مستشارين خاصين تنتهي مهمتهم بنهاية ولايته)، فإن هذا الفريق الاستشاري هو محدود العدد. ويجب أن يتمّ التعاقد معه وفق الأصول وبحدود الاعتمادات المخصصة لهذه الغاية، ولكن ما لاحظناه أن بعض الوزراء لا يلتزمون بقرار مجلس الوزراء بل يعمدون إلى اختيار عددٍ كبيرٍ من المستشارين بدون عقود قانونية، ثمّ يجعلونهم بمثابة إدارة بديلة تحل محلّ الإدارة الرسمية. وهذا ما يخلق أزمة إدارة بعد رفض المدراء العامين وبحقٍّ التعاون معهم.
إن بعض الوزراء لا يكتفون باختيار مستشارين بدون عقود قانونية، بل يعمدون إلى إسناد مهام تنفيذية لهم، هي في طبيعتها من مهام المدير العام في الوزارة.

بعض الوزراء لا يكتفون
باختيار مستشارين بدون عقود قانونية بل يعمدون إلى إسناد مهام تنفيذية لهم


وبسبب مخاطر إحلال فريق استشاري، بمعظمه ينقصه الخبرة والمعرفة بشؤون الإدارة، فقد أصدر رئيس مجلس الوزراء تعميماً يحظر فيه على الوزراء إسناد أي مهام تنفيذية للمستشارين، مرجعاً سبب هذا الحظر بموجب التزام الوزير بتطبيق القوانين والأنظمة وليس مخالفتها، وبأن المستشارين لا يتحملون أي مسؤولية. فإذا وقع خطأ أو مخالفات إدارية فإنه يكون من الصعب تحديد المسؤوليات، عندما يكون مرتكب المخالفة هو الجهاز البديل (تعميم رئيس مجلس الوزراء رقم 31 تاريخ 12/11/2005). إن هذا التعميم هو ملزم للوزراء، لأن رئيس الحكومة قد اتخذه سنداً للمادة 64 من الدستور التي منحته صلاحية التنسيق بين الوزراء وإعطاء التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل.
ويعدّ حظر إسناد مهام تنفيذية للمستشارين من أفضل التوجيهات التي تسهم في حسن سير العمل ونجاح الإدارة. ولقد تنبه مجلس الخدمة المدنية إلى ذلك، (في معرض النظر في ملف برز فيه نزاع بين وزير ومدير عام)، عندما رأى أنه يقتضي أن تسود روح التعاون البنّاء بين الرئيس والمرؤوس والحرص على إشاعة أجواء الثقة وقيم الحوار والتواصل والمسؤولية داخل الجسم الإداري. وأن يتم الالتزام بالمسؤولية بحدود الصلاحية كما رسمتها القوانين والأنظمة، دون تجاوز أو إهمال. وأن يستوحي الموظف في عمله المصلحة العامة دون سواها. وبحسب هذا الرأي فإن للوزير ممارسة السلطة الرئاسية على المدير العام، التي تشمل في ما تشمل ليس فقط حق الرقابة والإشراف والتوجيه وإصدار التعليمات فحسب، وإنما أيضاً حق إلغاء أو تعديل أي قرار أو مذكرة إدارية صادرة عن المدير العام، إذا ما كانت مخالفة للقوانين والأنظمة النافذة (مجلس الخدمة المدنية: الرأي رقم 455 تاريخ 28 شباط 2012)، ولكن ليس للوزير استبعاد المدير العام ومصادرة صلاحياته المقررة في القوانين والأنظمة، أو حرمانه من ممارستها، طالما هي نافذة ولم يتم تعديلها أو إلغاؤها، وحتى تاريخه لم يتمّ الاعتراف قانونياً بـ«مكتب وزير» ولا بـ«مستشاري وزير» كجهازٍ رسمي له صلاحيات في تسيير شؤون الوزارة والإدارة. لا بل إن كافة القوانين والمراسيم الناظمة للعمل الإداري لا زالت تمنح المدير العام الدور الأساسي في الوزارة، فمثلاً:
إن المشرع ربط سلطة التأديب التي يملكها الوزير باقتراح إيجابي خطي ومسبق للعقوبة يكون صادراً عن المدير العام أو رئيس إدارة التفتيش المركزي (م.ش. قرار رقم 353 تاريخ 1-3-2016، ايفون سليمان- الدولة). وقد سبق لمجلس شورى الدولة أن أبطل ترخيصاً صادراً عن الوزير دون أخذ اقتراح المدير العام (م.ش. قرار رقم 259 تاريخ 8/1/2002 عمر الحلبي/ الدولة). وبموجب القرار رقم 2 تاريخ 27/12/1989، طلب مجلس الوزراء إلى السادة الوزراء عدم التأكيد والإصرار على تنفيذ الأوامر والتعليمات، التي يلفتهم مرؤوسوهم خطياً إلى أنها مخالفة بصورة صريحة وواضحة للقوانين والأنظمة النافذة، إلا بعد عرض الموضوع على مجلس الوزراء (آراء مجلس الخدمة المدنية: الرأي رقم 1170 تاريخ 4/5/2002، والرأي رقم 138 تاريخ 31/1/2002)، وإن المدير العام ملزم بتأمين الرقابة والإشراف على أعمال مرؤوسيه، واستعمال التجهيزات وأي أمرٍ يؤدي إلى هدر المال العام أو إساءة إدارة الأموال العمومية. (م.ش. قرار رقم 489 تاريخ 8/5/2003 وليد عمار/ الدولة- هيئة التفتيش المركزي). أما في الشأن المالي، وبحسب قانون المحاسبة العمومية، فإنه، في كافة مراحل عقد النفقة سواءً لجهة تأشير مراقب عقد النفقات (المادة 61)، حجز الاعتماد (المادة 62)، تصفية النفقة (المادة 73)، صرف النفقة (المادة 78)، تأشير المحتسب المركزي (المادة 89)...، تعيين لجان الاستلام (المادة 139)... للمدير العام أن يطلب من الدائرة أو الوحدة المعنية وقف تنفيذ المعاملة لعدم انطباقها على القانون، ما يؤخر أو يمنع تنفيذ الصفقة. وقد حصل هذا فعلاً في إحدى الوزارات (مراجعة الرأي الاستشاري لديوان المحاسبة رقم 47/2013 تاريخ 13/11/2013).
وبما أن المدير العام هو المسؤول عن تنفيذ القوانين والأنظمة من قبل الموظفين التابعين له، وعن مراقبته المصالح العامة والمصالح المشتركة أو الخاصة الخاضعة لوصاية وزارته (المادة 7 من المرسوم الاشتراعي رقم 111 تاريخ 12/6/1959). وبالتالي، فإن أي عقدٍ تبرمه الوزارة يكون المدير العام هو المسؤول عن تنفيذه، وليس المستشارين. وعملاً بقاعدة المسؤولية، وتماشياً معها، فقد نصّت الفقرة الثالثة من المادة 7 من المرسوم الاشتراعي رقم 111 تاريخ 12/6/1959، على أن يؤشر المدير العام على مشاريع المراسيم والقرارات وجميع المعاملات التي تعرض على الوزير، أو يبدي مطالعته الخطية بشأنها وتربط المطالعة الخطية بالمعاملة وتحال معها على المراجع المختصة. وهذا ما أكد عليه أيضاً تعميم رئيس مجلس الوزراء رقم 32/94 تاريخ 10/12/1994 الذي أوجب التقيّد بالأحكام القانونية والتنظيمية المتعلقة بسير المعاملات، وخصوصاً ما يتعلق بإبداء المطالعة الخطية الصريحة الواضحة في كل معاملة قبل عرضها على الرئيس التسلسلي، وكذلك جاء في تعميم صادر عن مجلس الخدمة المدنية رقم 10 تاريخ 2/8/1999 إن عدم اقتران المعاملات بتأشير المدير العام أو بمطالعته الخطية يجعلها مشوبة بعيب يجعلها عرضة للإبطال.
وفي موضوع الصفقات العمومية تحديداً، انتقدت هيئة التفتيش المركزي أن يتولى مهمة التحضير والتنسيق في هذه الصفقات فريق من المستشارين، وطلبت الهيئة من رئيس مجلس الوزراء إصدار توصية تتضمن أنه عندما يكلف مجلس الوزراء إحدى الوزارات إجراء عقد لصالح مؤسسة عامة خاضعة لوصايتها ضرورة إشراك هذه المؤسسة العامة في جميع المراحل التحضيرية والنهائية والتنفيذية لهذه العقود (توصية هيئة التفتيش المركزي بقرارها رقم 87/ 2013 تاريخ 9/ 7/ 2013). وقد استجاب رئيس مجلس الوزراء لهذه التوصية وأصدر تعميماً فرض بموجبه عدم إسناد مهام تنفيذية إلى المستشارين، لا سيما عند إجراء عقود لصالح مؤسسة عامة خاضعة لوصاية أي وزارة، وأوجب إشراك المؤسسة المعنية في جميع المراحل التحضيرية والنهائية والتنفيذية لهذه العقود (تعميم رقم 21/ 2013 تاريخ 29/ 7/ 2013).
استناداً لما تقدّم، فإنه عندما يكلّف مجلس الوزراء أحد الوزراء باتخاذ الإجراءات اللازمة واستدراج العروض وإعداد المناقصات اللازمة وعرض كافة مراحلها تباعاً على مجلس الوزراء، وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء (مجلس الوزراء القرار رقم 1 تاريخ 28/3/2017)، فإن هذا التكليف يعني الوزارة بكافة أجهزتها، وكذلك يعني إدارة المناقصات لدى التفتيش المركزي، التي تمثل المرجع المختص في هذا المجال، ولا يمكن تأويل هذا التكليف بأن الوزير يتولى تنفيذ المهمة المذكورة في مكتبه عبر فريقه الاستشاري.