تكشف تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في موسكو عن مدى المأزق الذي بلغته الأمور في مملكة آل سعود. هذه الديبلوماسية الفجّة والمتوترة والتي تنضح بالكراهية والإحباط والعجز وقلة الحيلة تعرّي عميقاً مدى الفشل الذي وصلت إليها سياساتها الخاطئة في المنطقة، بدءاً من سوريا الى لبنان واليمن والعراق، وليس انتهاءً بالاشهار المذهبي والعنف الطائفي.
هذا العنف الذي يتم تمويل، ليس استمراريته العسكرية فحسب تحت مسميات مختلفة ودفع الالاف من الشباب العربي والمسلم وتضليلهم عن الهدف الحقيقي الذي يجب أن يذهبوا اليه، وانما في رعاية كل الاجواء التي ادت الى زرع الحقد بين المسلمين من خلال رعاية أفكار التكفير التي تخرج جزءاً من المسلمين علانية من إسلامهم، وتحاول، من دون خجل او تردد، أن تقولب كل هذا الغيظ الحاد المتماشي مع العقلية المقفلة ضد ايران وشيطنة وجودها بالحديث عن «مجوسيتها ومحاولة اخراجها من الإسلام»، او من خلال العمل ضدها في السر والعلن منذ الحرب المفروضة على الجمهورية الاسلامية الايرانية في ريعان ثورتها، في محاولة لاحباطها. إذ لعب السعوديون دور القاطرة المالية التي تمد المعتدي الصدامي بالمال والسلاح وتسعر المذهبية المقيتة.
كل ذلك الغليان المتوارث في حمل الأحقاد ادى الى عدم القدرة على التمييز او، على الأقل، اعادة الحسابات في معادلة الربح الخسارة في وضع السعودية اليوم. فبعد الفشل المتراكم والخسارات المتوالية وعدم القدرة على الارتكاز كقوة اساسية في المنطقة، ورغم كل الاموال التي دفعت لشراء مواقف الدول ورؤسائها والإعلام والغربيين والمثقفين وغيرهم، ما هي الجدوى واين وصلت الأمور؟ وماذا حققت مليارات الدولارات، خارج اطار نشر المذهب المتشدد في انحاء العالم والذي هو المرتكز والحاضنة الفعلية ــــ الفكرية والعملية ــــ لكل ما خرج من منهاج تكفير وتشويه للإسلام واظهاره متوحشاً موسوماً بالإرهاب ومنبوذاً مع اتباعه؟ وهل هناك اضرار افدح من ذلك لم تلحقها بالامة الإسلامية والعربية هذه السياسات؟ والى اين تريد أن تكمل؟ ولماذا هذا الهجوم الجنوني على حزب الله في موسكو؟
من الواضح أن كلام الجبير يعكس قلقاً متنامياً من مسارات الأمور في المنطقة، ومن تهاوي الدور السعودي، ومن أزمة عدم إمكانية التطابق بين الطموحات الكبرى في لعب أدوار أساسية ومحورية في صياغة وجهة المنطقة واستقرارها، وبين الواقع الذي يشهد تقلصاً حاداً في التأثير والنفوذ وفي التهميش السياسي. ولولا الدور المالي التمويلي لكل الحروب القائمة لما كان هناك أي دور خلفي لها في المنطقة. فمجموع الخسارات أثّر على أي منطق أو عقلانية في التعاطي مع الأمور، ولو أن السياسة السعودية تملك الحد الأدنى من التبصر في الأمور، لما طرحت بهذه الوقاحة القاحلة مسألة حزب الله أمام مضيفها الروسي، لتسمع جواباً قاسياً وحاسماً ومؤكداً يشكل صفعة للجبير ومن أوعز له بانتهاج هذا الطريق. فالتأكيدات الروسية وإقرارها بشرعية وشراكة ومشروعية دور وجود حزب الله في سوريا وقتاله الإرهاب التكفيري، يجب أن تفهم بشكل حاسم لدى هؤلاء الذين كلما حملوا حزب الله المسؤولية عن إفشال مخططهم للمنطقة كلما أظهروا الدور الناصع والمشرف الذي يقوم به خدمة للإنسانية والإسلام والعروبة في وجه التشوه الذي يريد الإرهاب التكفيري ورعاته إلحاقه بالإسلام.
على الساسة السعوديين أن ينصرفوا إلى مراجعة شاملة لكل سياساتهم والتفكير عميقاً بكيفية الخروج من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه، وعدم الزج باسم الحزب لتبرير سقوط مشروعهم... فهذا الكلام ما هو إلا تصدية ومكاءً وإفلاساً مبيناً.