منذ نحو أسبوع، قُتل محمد سعيد الضناوي على أيدي شُبان من بلدة أميون (قضاء الكورة) بعدما انهالوا عليه ضرباً بسبب انزعاجهم من أصوات السيارة التي كان الضناوي يستقلها. قبل هذه الحادثة بأيام، قُتل كل من طلال عوض وخليل القطان، بعدما أطلق عليهما شاب عشريني في منطقة قب الياس في البقاع الرصاص من سلاحه، على خلفية إشكال حول كوب «نسكافيه» (وفق الرواية الأمنية).
في الأسبوع الأول من الشهر نفسه، قُتل أديب محمد حيزان في الضاحية الجنوبية، وهو كان موظفاً في أحد المطاعم، على يد زبون شهر سلاحه في وجهه وأطلق الرصاص عليه.
في أقل من شهر، سُجّل «إعلامياً»، ثلاث جرائم فردية على خلفية أسباب تافهة، أدت إلى مقتل أربعة أشخاص. بحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي، قُتل في خلال الشهر الفائت سبعة أشخاص، فيما قُتل ثمانية أشخاص في خلال شهر شباط الماضي، وثمانية أشخاص في خلال كانون الثاني. أي قُتل في خلال الثلاثة أشهر الفائتة شخصان كل أسبوع بمعدل وسطي!

الجرائم ضدّ الأشخاص تزيد الشعور باللاأمان في المجتمع




سنوياً، وبحسب قوى الأمن الداخلي أيضاً، بلغ عدد الجرائم المرتكبة عام 2016، 134 جريمة، بمعدل نحو 11 جريمة شهرياً أو جريمتين أسبوعياً، فيما بلغ عدد الجرائم المرتكبة عام 2015، 154 جريمة، أي بمعدل نحو 12 جريمة شهرياً، أو ثلاث جرائم أسبوعياً!
تقول مصادر القوى الأمنية إن عدد الجرائم انخفض من عام 2015 إلى عام 2016 بمعدل 12.98%، مُشيرةً إلى أن نسبة الجرائم في لبنان مقارنة ببقية الدول تُعدّ منخفضة، ولافتة إلى أن عملية احتساب هذه النسبة تجري على اعتبار وجود نحو 7 ملايين شخص مُقيم في البلد. هذا الكلام يتناقض وما يقوله الدكتور في العلوم الجنائية والعقابية العميد فضل ضاهر، الذي يُشير إلى أن لبنان يفتقر إلى وجود إحصاءات جنائية تحتسب معدّل الجريمة، لافتاً إلى أن الأرقام الموجودة هي عبارة عن «نشرة بنتائج تحقيقات قوى الأمن الداخلي»، ومشيراً إلى غياب معايير الإحصاء الجنائي. ينطلق ضاهر من هنا، ليقول إن التحليل القائم على أرقام هذه النشرات يختلف عن التحليل المطلوب لدراسة الأرقام التي تعتمد معايير الإحصاء الجنائي، وبالتالي لا صحة للمقارنات مع بقية البلدان.
يوضح ضاهر وجود نوعين من الجرائم: النوع الأول يتمثّل بالجرائم ضدّ الأموال والمتعلّقة بعمليات الفساد والاختلاس والسرقات وغيرها، «وهي غالباً ما تكون من سمات المجتمعات الصناعية المتقدّمة»، والنوع الثاني المتمثل بالجرائم ضدّ الأشخاص التي أخذت تتزايد في لبنان أخيراً.

استنسابية المحاسبة تزيد من الجرائم

برأي ضاهر، الجرائم ضدّ الأشخاص تزيد الشعور باللاأمان في المجتمع، لافتاً إلى العلاقة الجدلية بين ارتفاع عدد الجرائم ضد الأشخاص وهذا الشعور. أما أسباب تزايد هذا النوع من الجرائم، فهو ــ بحسب ضاهر ــ ما سمّاه «العدالة الانتقائية». بمعنى آخر، الاستنسابية في تطبيق القوانين والعدالة والانتقائية في الالتزام في المحاسبة، وبالتالي «هذا النوع من الواقع يخلق أنماطاً عنفية تؤدي إلى هذه الجرائم»، فضلاً عن توافر وسائل القتل بنحو مباح وتفلّت السلاح، إضافة إلى الاصطفافات الحزبية وحماية الأحزاب التي تؤمنها لبعض الخارجين عن القانون.
من هنا، يطرح ضاهر ضرورة وضع خطط اجتماعية وطنية تلحظ وسائل فعالة للتوعية وآليات واضحة تستهدف خفض معدلات هذه الجرائم، عبر معالجة أسباب تزايدها أولاً.

يفتقر لبنان إلى معايير الإحصاء الجنائي، ما يجعل مسألة مقارنته مع بقية البلدان
غير دقيقة


من جهته، ينتقد أحد الأساتذة في العلوم الاجتماعية، السياسات المنتهجة لمعالجة مرتكبي الجرائم، لافتاً إلى تحوّل آلية العقاب عبر السجن من دون محاكمة أو غيرها من السلوكيات العنفية إلى عوامل تزيد من حدة عنف مرتكبي الجرائم، ومُشيراً إلى غياب الإصلاحات في هذا المجال. أمّا عن ازدياد عدد الجرائم الفردية، فيلفت إلى أن الجرائم المرتكبة في البيئات الغنية، تكون دوافعها انحرافات سلوكية فردية، أما الجرائم المرتكبة في البيئات الفقيرة، فغالبا ما يكون سببها سياسة التهميش التي تخلق ما سمّاه العمل غير المنظم والبطالة وغياب الحماية الاجتماعية والانخراط بالزبائنية السياسية التي تخلق بدورها أنماطاً وسلوكيات عنفية.
اللافت هو ما تُشير إليه الأستاذة في علم النفس الاجتماعي هيفا سلام، وهو الحاجة إلى القيام بدراسات عن نوعية الجرائم المرتكبة، لا أعدادها فقط، لافتة إلى ضرورة التعمّق في الحالات ورصدها عبر التدخل بسياسات وطنية تكون على مستوى الأسر والمجتمعات الصغيرة. تطرح سلام هنا إشكالية غياب الدراسات المعمقة حول طبيعة الجريمة المرتكبة في لبنان، «علماً أن هذا النوع من الدراسات هو أساسي من أجل القيام بإصلاحات، وبالتالي تُعالَج أسباب الجريمة بغية خفض أعدادها».

إحصاءات 2014: جرائم القتل يرتكبها لبنانيون

على الرغم من أن عدد الموقوفين السوريين لدى قوى الأمن الداخلي يعدّ مرتفعاً، (تجاوزعدد الموقوفين السوريين مثلاً عام 2014 خمسة آلاف موقوف)، إلا أن الاتهامات المُسوقة ضدّهم تندرج ضمن ما يُسمى «جرائم مختلفة»، أي تلك المتعلقة بمخالفات شروط الإقامة أو جنح بسيطة. تُظهر آخر الإحصاءات التفصيلية المعدة عام 2014 أن 66% من الجرائم المرتكبة ارتكبها لبناني بحق لبناني، وأن هذه النسبة بلغت عام 2011 80%. أما الجرائم المرتكبة من قبل سوري بحق سوري، فقد بلغت عام 2014 نحو 12%، فيما بلغت نسبة الجرائم المرتكبة من قبل سوري بحق لبناني في عام 2014 أيضاً، 5% فقط.