طالما أن القوى السياسية لم تتفق على قانون جديد للانتخابات، فإن كل الطرق تؤدي إلى «الستين»، ومن بينها طريق الرئيس سعد الحريري الذي مرّ أمس بعين التينة، ليبلغ الرئيس نبيه بري موقفه الرافض للتمديد. أعلن الحريري «تكويعته» الجديدة بعدما كان أول المطالبين بتأجيل الانتخابات لعام واحد.
وحاول تصوير نفسه ممسكاً بالعصا من وسطها: ضد التمديد، ولن يسير في أي قانون غير متوافق عليه. يريد القول إنه أعطى رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر رفض التمديد، وطمأن الرئيس بري إلى أنه لن يسير بقانون لا يوافق عليه الأخير. لكن هذه «التكويعة» لا تقدّم ولا تؤخر، إذا ما قيست بميزان استقرار البلاد. صحيح أن موقف الحريري، إذا تطوّر إلى رفض المشاركة في جلسة 15 أيار، سيمنع حصول التمديد (إذا شاركت كتلته وصوّتت ضد التمديد، يمر قانون التمديد بأكثرية الحاضرين). لكن ذلك لا يمنع حصول الأزمة الكبرى، الآتية حتماً، إذا لم يحصل الاتفاق على قانون جديد. فبديل التمديد ليس سوى الفراغ. والفراغ يعني العودة إلى «الستين»، ولو بعد حين.

اتفاق بين التيار والقوات على
العودة إلى المطالبة بقانون جديد


والأمر هنا لم يعد متصلاً بعودة «إكراهية»، بل تبدو عودة طوعية بعد موقف رئيس الجمهورية أول من أمس، الذي أسقط «لاء الستين» من لاءاته الثلاث: لا للتمديد، لا فراغ، لا للستين.
الحريري بعد لقائه بري قال: «لا أريد التمديد ولا الفراغ، بل أريد أن أصل إلى حل مهما كلف ذلك». وأضاف: «وافقت على ما كنت لا أوافق عليه أبداً، ليس لأن لدي مصلحة سياسية به، بل لأنني أرى أننا بحاجة إلى حل سياسي». وعما إذا كان سيحضر جلسة 15 أيار، أجاب: «هل وصلنا إلى 15 أيار؟ أي شيء يمكن أن يعطي إشارة سلبية لن أتكلم به. لدي قناعة بأننا قادرون على أن نصل، شرط أن يتنازل كل منا للآخر». وأضاف: «قد تكون هناك قوانين يوجد فيها طائفية مثل قانون التأهيل، وقد أكون وافقت عليه لأنني أريد حلاً. وهناك أيضاً قانون مجلس الشيوخ، وكذلك القانون النسبي على أساس 10 دوائر أو ست أو خمس أو دائرة واحدة أو غيرها. وافقنا على معظم القوانين لأنني أرى أنه في نهاية المطاف علينا أن نوافق على قانون انتخاب». وعن أسباب عدم انعقاد مجلس الوزراء، قال: «لا أحد يستطيع منعي من ذلك. باستطاعتي أن أعقد جلسة غداً أو بعد غد. لكنني أقوم بالضغط على الجميع من أجل العمل على قانون انتخاب».
وسألت «الأخبار» وزير الداخلية نهاد المشنوق عن رأيه بموقف الحريري، فامتنع عن التعليق.
من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن الرئيس ميشال عون وضع قيادة التيار الوطني الحر في صورة موقفه أول من أمس قبل إصداره، «لأنّه يستشعر خطر فرض التمديد وعدم وجود رغبة في الاتفاق على قانون». لكنّ التيار لم يكن يتوقع أن يتخذ عون موقفه بهذه السرعة، «وفي هذه الظروف، ونحن نقاتل من أجل فرض قانون جديد، وكانت هناك إمكانية جديّة لذلك. ولا يزال لدينا الوقت». وبعد سلسلة اتصالات بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، أمس وأول من أمس، تقرّر رفع السقف وإعادة توجيه البوصلة نحو المطالبة بالإسراع في إقرار قانون جديد، لكون «الستين تمديداً مُموهاً».
ويعي التيار أنّ كلّ القوى تتجنب فتح سجالٍ معه، «عبر الإيحاء بأنّها موافقة على مشاريع القوانين التي قدّمناها، مع وجود ملاحظات لديها حول الصيغ. هذا الأمر دفع في كلّ مرة إلى اعتبار أنّ الاتفاق بات قريباً، وأنّ كل الملاحظات قابلة للأخذ في الاعتبار. قد يكون ذلك نتيجة سوء تقدير، أو لأنّ كلّ طرف كان يفاوض وفق أمنياته». وترى مصادر التيار أنها لم تصل بعد إلى درجة نعي الطرح التأهيلي، «ولكن أصبحت هناك قناعة أكثر بأنّ الآخرين لن يقبلوا به. لذلك، فتح رئيس التيار الوزير جبران باسيل الباب أول من أمس بالقول إنّ التيار لا يتمسك بأي طرح».
بدوره، قال مصدر قواتي رسمي لـ«الأخبار» «إن القوات ترفض رفضاً قاطعاً العودة إلى الستين، وهي تعرف من خلال الاتصالات مع رئيس الجمهورية والوزير باسيل أن هذا القانون غير مطروح لا من قريب أو بعيد». وأضاف أن «الهدف من تجدد الكلام عن الستين ضرب اللحظة الحالية والاندفاعة بعدما بدأ المسار الجدي يأخذ طريقه لإقرار قانون جديد قبل ١٥ أيار». وتقول مصادر القوات إن «إبلاغ الرئيس الحريري المعنيين بأنه لن يُشارك في جلسة التمديد يعني أنّ جلسة التمديد سقطت». وترفض المصادر اتهام القوات بمعارضة التأهيلي «فنحن قدمنا ملاحظاتنا الرافضة تأهيل ثلاثة مرشحين من المرحلة الأولى، وإسقاط العشرة في المئة للتأهيل، وأن يكون الصوت التفضيلي في القضاء وليس الدائرة، ولا تكون النسبية على عشر دوائر. معظم هذه الملاحظات جرى العمل بها». أما موقف البطريرك الراعي «فقد حُمّل أكثر مما يحمل. تواصلنا معه وأبلغناه أنّ الخيار هو مواصلة الضغط من أجل إقرار قانون جديد وليس إعطاء فرصة للبعض للسير بالستين، وسيّدنا موافق معنا».
في المقابل، أكد الوزير جان أوغاسابيان في حديث إلى إذاعة صوت لبنان ــ الأشرفية، أن «هناك بحثاً جدياً في قانون الستين». وقال النائب عمار حوري إنه «وفق الدستور يجب إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ. وإذا تم الاتفاق على قانون جديد، فإنه يُعدّل قانون الستين. أما رفض إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ من دون الاتفاق على قانون جديد، فيضر بالبلد». وشدد على أن «الفراغ خط أحمر، لأنه قد يأخذنا إلى أمرين: إما تطبيق قانون الستين أو الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي، حينها سيعضّ الكثيرون أصابعهم ندامة».
من جهته، جدّد الرئيس بري، القول: «إننا لا نريد التمديد، لكننا نريد أيضاً أن نحمي البلد والمؤسسات الدستورية من السقوط والانهيار، وسعينا وما زلنا نسعى لإقرار قانون جديد». ونقل النواب بعد لقاء الأربعاء عن بري أنه «ليس مع اقتراح التأهيل الذي طُرح أخيراً، وأنه أعدّ أكثر من صيغة للنقاش، منها الصيغة المستمدة من الدستور التي ترمي إلى انتخاب مجلس نيابي على أساس النسبية وإنشاء مجلس للشيوخ». وأوضح «أنّ جلسة 15 أيار هي لتفادي الفراغ القاتل، آملاً أن تتوصل الاتصالات والجهود المبذولة إلى الاتفاق على قانون».
في سياق آخر، برز أمس موقف لوزير الدفاع يعقوب الصراف، إذ قال: «أنا لست وديعة أحد، وأنا ملتزم خطّ حزب الله». وفي مقابلة على قناة «أم تي في»، قال الصرّاف: «الجميل في علاقة الرئيس عون وحزب الله وجود ثقة كاملة وثابتة». وقال: «القانون الذي لا ينتخب الرئيس سليم الحص نائباً قانون خاطئ حكماً»، مشيراً إلى أنّ «الستين تمديد مقنّع. والتمديد ليس صحّياً للنظام أو للديمقراطية». ورأى أنّ «القانون النسبي المطلق هو الباب الذهبي إلى الديمقراطية». وعن تسليح الجيش، رأى وزير الدفاع أنّه «يجب أن نكرّس موازنة كاملة لتجهيز الجيش، كما يجب البدء بتنفيذ الخطة الخمسية لدعمه». وأضاف: «الغطاء العسكري موجود إذا دعم الجيش بكل التجهيزات اللازمة».
(الأخبار)