اسطنبول | تترقب تركيا نتائج وتداعيات الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي أجريت قبل أيام. ترقب لا يشوبه أي نوع من التوتر أو القلق. شوارع اسطنبول طبيعية جداً. عدا بعض مظاهر الاحتفالات بالحدث الكبير الذي جرى، الحياة تضجّ عادية في كل زواياها.
على رغم الحوادث الأمنية والسياسية الجسام التي شهدتها تركيا خلال الفترة الماضية، واسطنبول على وجه التحديد، تفاجئك المدينة بقدرتها على التأقلم مع الأزمات، لا بل على امتصاصها، والانطلاق بزخم من جديد. الحركة الاقتصادية نشطة في كل القطاعات. يؤكد العارفون أن المشاريع الكبرى لم تتأثر بشكل جدي في كل ما جرى. تشعر بأن هناك إصراراً على تحقيق النتائج المرسومة. الاقتصاد هنا يتقدّم على السياسة. حقق البلد نمواً كبيراً في شتى القطاعات خلال السنوات العشر الماضية، ولا أحد من الأتراك رغم الاختلاف السياسي بينهم، تجده مستعداً للعودة ولو خطوة واحدة إلى الوراء.
مطار «أتاتورك» يعج بالوافدين إلى «عاصمة السلطنة» من كل حدب وصوب. من أوروبا، أميركا، أفريقيا الشمالية، دول الخليج، روسيا، ألمانيا، وطبعاً من لبنان. للبنانيين مناعة خاصة تجاه الأحداث عموماً. ما شهدته تركيا من اضطرابات لم يثن كثيراً منهم على زيارتها حتى في أصعب الأوقات. بين سياحة وتجارة، وسياحة دينية وعلاجية، ومحطات أخرى متنوعة، يحضر اللبناني في تركيا بشكل واضح. في المرافق التراثية، في مطاعم اسطنبول ومولاتها وأسواقها التاريخية، منطقة السلطان أحمد التاريخية، وآيا صوفيا، عجلة السياحة لم تتوقف، وللبنان حصة وازنة فيها رغم صغر حجمه. حضور واضح يبرره وجود أكثر من سبع رحلات يومية بين البلدين، وترتفع لتصل إلى 12 رحلة يومية في «عز» الموسم السياحي الصيفي.
في هذا الإطار، يقول المدير الإقليمي للمبيعات في الطيران التركي في بيروت، جان شايرجي أن حركة المسافرين بين تركيا ولبنان حققت نتائج جيدة خلال الأشهر الأخيرة، وهي لم تتأثر إلا لمدة قصيرة بعد فترة رأس السنة، لكنها عادت طبيعية كما كانت. يتوقع شايرجي أن يكون موسم الصيف لهذا العام واعداً وأفضل من سابقاته بين البلدين لأسباب كثيرة منها حب اللبنانيين لزيارة تركيا، واستقرار الوضع الأمني والسياسي فيها، والوجهات الجديدة التي تفتتح مع كل موسم.
في تركيا اليوم، يترقب المتابعون تداعيات «الاستفتاء» على الجوانب الاقتصادية للبلاد. يتوقع العديد منهم حدوث مزيد من الانفراجات في الكثير من القطاعات لا سيما العقارية والسياحية والتجارية، ويؤكدون أن حزمة القرارات الاقتصادية التي سيتم اتخاذها خلال الفترة المقبلة سيكون لها الاثر الإيجابي على الاقتصاد التركي في المدى المنظور.

12 رحلة يومية
بين لبنان وتركيا في موسم الصيف

قد تختلف التقديرات بين أثر مباشر للاستفتاء، وبين من يرى أن الأمر سيتطلب أكثر من عام لتظهر تداعياته الفعلية على الاقتصاد، إلا أن متابعين يرون أن مجرد تمرير التعديلات الدستورية دون حدوث هزة على الاقتصاد يعد من أهم المكاسب التي تحققت. بحسب تقارير تركية رسمية، تسببت الاضطرابات التي شهدتها البلاد في تراجع حركة السياحة بأكثر من 40% العام الماضي عما كانت عليه عام 2015، وانخفاض حركة الاستثمار الأجنبي المباشر بأكثر من 30%. وأظهرت بيانات صادرة عن معهد الإحصاء التركي أن معدل البطالة ارتفع إلى أعلى مستوياته في سبع سنوات خلال الفترة بين ديسمبر/كانون الأول وفبراير/شباط ليصل إلى 13% مقارنة مع 11.1% قبل عام.
ومع ذلك وعلى الرغم من صعوبة ما مرت به تركيا أخيراً، شهدت البلاد منذ سنوات تحسناً اقتصادياً في ظل مقاومة العديد من الأزمات والاضطرابات الأمنية والسياسية. فرغم الأزمة المالية العالمية عام 2008، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات البنك الدولي، إلى 730.3 مليار دولار مقابل 647 مليار دولار في العام الذي سبقه. ورفعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، في تقرير صدر مؤخراً توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي خلال عام 2017 من 2.2% إلى 2.6%، وعززت من توقعاتها لنمو الاقتصاد لعام 2018 من 2.7% إلى 2.9%.
مجدّداً تثبت تركيا قدرتها على تجاوز الأزمات التي تعترض طريقها في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي الذي تنشده، وهي تقف اليوم على أعتاب مفترق طرق تاريخي يراه كثيرون بداية لمرحلة ستكون أكثر إشراقاً في تاريخ تركيا المعاصر، لا سيما في الجوانب الاقتصادية والمعيشية.

نظمت الخطوط الجوية التركية في بيروت بالتعاون مع وكالة «نخال» للسياحة والسفر والسفارة التركية في لبنان، زيارة ميدانية لعدد من ممثلي وسائل الإعلام اللبنانية إلى اسطنبول للاطلاع على الاستعدادات لاستقبال الموسم السياحي لهذا العام.

* للتواصل مع «قسم أعمال» الرجاء إرسال المواد إلى البريد الالكتروني: [email protected]