قد يكون سمير فرنجية ــــ الحاضر الدائم ــــ وفارس سعيد الذي لا يملّ من ابتداع الأفكار والمؤتمرات، أكثر من يعبران عن مرحلة انتخابات عام 2005 حين اختارا السير بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها آنذاك، مهما كان شكل القانون. اتُّهم الثنائي بأنهما فرّطا في قانون الستين، لمصلحة قانون عام 2000، فدفعا الثمن انتخابياً. لكن حجتهما، كما يقول سعيد، أن إجراء الانتخابات بدعم دولي في تلك المرحلة كان ضرورياً، وإلا كيف يمكن قطف ثمار الاندفاعة الشعبية التي جرت حينها، إن لم تجر الانتخابات في موعدها.العودة الى هذه الواقعة ضرورية للانطلاق الى السؤال الذي يصرّ سعيد على ترداده في هذه الأيام: لماذا لا يقطف حزب الله، في مرحلة حساسة، ثمن اندفاعته الإقليمية وانتخاب حليفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتشكيل حكومة بالتوافق مع الرئيس سعد الحريري، فيضغط من أجل إجراء انتخابات نيابية بأي قانون، طالما أنه سيتمكن من تحصيل حصة كبيرة مع حلفائه مسيحيين ومسلمين في المجلس، فيُحكم سيطرته على مفاصل الحياة السياسية؟

ولماذا لا تضغط القوى السياسية كلها لإجراء الانتخابات بأي ثمن، لأن حصولها بعد تمديدين أهم من القانون؟
لا شك في أن المقارنة بين 2005 و2009 وانتخابات عام 2017، إذا حصلت، لا تقتصر فقط على إشكالية القانون في حد ذاته. وهي لا تصبّ في مصلحة استثمار انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ديموقراطياً، بعدما تغير المشهد السياسي كلياً. فالانتخابات، اليوم، ليست بين موالين ومعارضين، وحكماً ليست بين 8 و14 آذار، طالما أن تيارات أساسية من الفريقين تحالفت في تسوية الرئاسة وتشكيل الحكومة. ولم تعد تحمل الانتخابات عناوين سياسية بالمعنى الذي حملته في الدورتين السابقتين. والأبرز، أيضاً، أن هامش الشريحة المستقلة بين التيارات والأحزاب المتنافسة بات ضيقاً، وسط تأرجح بعض المستقلين بين انتمائهم المذهبي والطائفي وبين الانتماء السياسي للخط الذي يريدون في نهاية المطاف التحالف معه للفوز بالانتخابات، علماً بأن لكل حالة أو شخصية تصور نفسها مستقلة، مسيحياً وسنياً وشيعياً ودرزياً، مستوى معيناً من التحالفات لا بد من أن يفرض نفسه على حساب استقلالية ما.

وضعُ القانون على طاولة الحكومة
يعني دفعَ الأزمة إلى حدها الأقصى


فينتفي بذلك حضور المستقلين كحالة عامة تظهر في المجلس النيابي كما كانت الحال في المجلس الذي أفرزته انتخابات عام 2000 وأسس لحالة نيابية في عز الوجود السوري، وانبثقت منه لاحقاً نواة قرنة شهوان وما تلاها من تحرك للمعارضين، ضد السوريين وضد سياسة حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري، وهو ما لا نراه اليوم.
وإذا كانت الحالة السياسية الراهنة لا تبشر باحتمال الذهاب الى انتخابات نيابية وفق مشاريع ورؤية محددة كما كانت الحال في انتخابات 2005 و2009، طالما أن الجميع يتحدث عن معارك على أساس الحصص، يصبح السؤال عن الانتخابات مرتبطاً ليس بالقانون، وإنما بالأسباب التي تجعل إمكان إجرائها على المحك. ففي وقت تتقاذف فيه الكتل النيابية كرة القانون من دون أن يتمكن أي فريق من دفع عربة الحل الى الأمام، يكبر الانطباع لدى أكثر من جهة سياسية بأن لا انتخابات في الوقت المنظور. وتريث القوى السياسية في خوض غمار الاستحقاق نابع من ثلاث لاءات: لا قانون، لا مواعيد للانتخابات ولا تحالفات. إذاً، كيف يمكن لأي طرف أن يغامر في حشد الناخبين مبكراً، واستنفاد المال والعصب بلا طائل؟
ولا يمكن القفز فوق مصير الانتخابات في ضوء عاملين: الأول احتمال وضع القانون على طاولة مجلس الوزراء، مع ما يعني ذلك من دفع الأزمة الى حدها الأقصى. لأن طرح القانون في الحكومة سيضع جميع الأفرقاء أمام امتحان خطر، إذ يتعذر عليهم حينها التهرب من مواجهة مثل هذا الاستحقاق، كما يحصل في لجنة الانتخابات المكلفة إجراء الحوارات بين أربع قوى أساسية. والثاني عدم إجراء الانتخابات تحت أي ذريعة سيساهم في الأكل من صحن الرئاسة، لأنه مهما كانت التبريرات، فإن المستهدف الأول سيكون العهد، وليس القوى السياسية التي لبعضها مصلحة فعلية في عدم إجراء الانتخابات في الوقت الراهن، وأولاها تيار المستقبل.
وإذا كانت الأكثرية المسيحية غير قادرة على إنتاج قانون انتخاب، بعدما حصرت دورها بمعركة استعادة حقوق المسيحيين، وإذا كان العهد غير قادر أيضاً على فرض إجراء الانتخابات، مثله مثل تيار المستقبل المهادن هذه الأيام تحت سقف ترتيب وضعه والدفاع عن وجوده، كما حال النائب وليد جنبلاط في استعراض المختارة، فما حجة حزب الله الذي يراكم حالياً أوراق تحكمه بمفاصل الحياة السياسية في عدم تعجيل مسار الانتخابات؟. فهل هي انتظارات جلاء المشهد الإقليمي، كما كانت الحال قبل انتخابات الرئاسة، أم هو التموضع في انتظار معرفة مصير الأنظمة ورسم دساتيرها مجدداً، فيكون لبنان سائراً على الطريق نفسه؟ وفي ظل غياب القرار الواضح بإجراء الانتخابات، تبقى كل الأسئلة مشروعة حتى يتضح العكس، من دون تجاهل انطباعات تتعلق بتمسك الحزب بقانون النسبية الكاملة في دوائر متوسطة، واحتمال السير به من دون تراجع والضغط على رئيس الجمهورية لقبوله. وهذه الانطباعات تشير الى احتمال قبول رئيس الجمهورية بالمشروع خلافاً لرأي الأكثرية المسيحية، انطلاقاً من «استشارات» تقول إنه الحكَم بين اللبنانيين، وإنه لم يعد رئيس فريق مسيحي، وإن إجراء الانتخابات أهم من القانون نفسه.