تسأل بلديات عكار المضيفة للنازحين عن المساعدات الخارجية، وعن دور وزارات الدولة، في ما تعانيه من مشاكل تتصل بالضغط المتزايد على بنى تحتية مترهلة وضعيفة أصلاً، مثل الصرف الصحي ومياه الشفه والكهرباء، وتسأل عن دور وزارة الشؤون الاجتماعية وتقديماتها، ووزارة الصحة واستشفائها ووزارة شؤون النازحين وحلولها.
في ظل تعاظم الأعباء، ذهبت بلديات في الدريب الأوسط في عكار، وخصوصاً بلدتا البيرة وخربة داوود، إلى اتخاذ قرارات تنطوي على تغيير في طريقة التعامل مع قضية النزوح السوري. حجّة هذه البلديات أن قضية النازحين استنفذت إمكانية استثمارها سياسياً أو أمنياً، وباتت تضغط على مستوى المعيشة عموماً.
تضم عكار حالياً خمسة مخيمات كبيرة (بمعدل 300 خيمة) للنازحين السوريين تابعين لعدد من الجمعيات هي: مخيم الريحانية بإشراف "اتحاد الجمعيات الإغاثية التابعة للجماعة الإسلامية"، مخيم الحويش تحت إشراف جمعية "ينابيع الخير"، مخيم خربة داوود الذي نفذته "هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية" وتشرف عليه "جمعية البر والتنمية"، مخيم تلعباس نفذته جمعية "التنمية الخيرية الاجتماعية"، ومخيم منيارة، فضلاً عن مئات التجمعات السكنية المنتشرة في مختلف البلدات.
تفيد إحصاءات "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" عن وجود 750 مخيماً عشوائياً في عكار، في حين يصل عدد السوريين المسجلين كلاجئين في المفوضية إلى 98 ألف لاجئ في مختلف أرجاء المحافظة، في وقت يقدر فيه عدد غير المسجلين على كشوفات المفوضية لاعتبارات شتى بنحو 200 ألف سوري ما بين مقيم على نفقته الخاصة في مجمعات سكنية، أو مدارس أو محال تجارية، أو مسجل لدى جمعيات أخرى.
الواقع القائم شجّع على الدعوات لإقفال تجمعات للنازحين السوريين، إلّا أن المحفّز الأهم هو شحّ المساعدات من الجهات المانحة والوزارات المعنية.

تضم عكار حالياً
خمسة مخيمات كبيرة للنازحين السوريين


يرى رئيس بلدية البيرة محمد وهبي: "أن الأمور لم تعد تحتمل، إذ أن البنى التحتية التي أقامتها البلدية لتستوعب بعد عشرين سنة هذا العدد، أصبحت بين ليلة وضحاها تستوعب هذا الضغط وأكثر". يتابع وهبي "إن اعتماد المجتمع الدولي على طيبتنا وإقدامنا طوال السنوات الخمس الماضية على اقتسام الرغيف والمسكن مع النازحين، في الوقت الذي تتقاسم فيه المنظمات حقوقنا وحقوق النازحين، لم يعد يجدي نفعاً"، لافتاً إلى "أننا نعمل ليل نهار وما زلنا مكانك راوح، لا بل الأمور تتجه من سيئ إلى أسوأ وقرانا وبلداتنا بحاجة إلى الإنماء ونحن ندفع من أموال الصندوق البلدي المستقل في سبيل سدّ احتياجات النازحين، مع العلم أن هذا واجب المجتمع الدولي والدولة وليس البلديات".
يتساءل وهبي: "هل يعلم المجتمع الدولي، الذي أعرب عن سعادته لقرار فرنسا أنها ستستقبل خمسة آلاف نازح سوري، أن مثل هذا العدد موجود في البيرة فقط، وهذا العدد يوازي سكان البيرة المقيمين فيها صيفاً شتاء؟". ويقول: "إننا لن نستمر على هذا الحال، ونحن نتباحث مع اتحاد بلديات الدريب الأوسط للقيام بخطوات تصعيدية".
المشكلة أن التهديد بالخطوات التصعيدية يعاقب النازحين، لا الدولة ولا الأمم المتحدة، إذ تكثر الدعوات إلى إقفال المخيمات.
بالفعل، قام المجلس البلدي في بلدة خربة داوود ـ كفر الفتوح باتخاذ قرار بإخلاء 10 مجمعات للنازحين في البلدة ومخيم كبير، في مهلة ثلاثة أشهر. وبرر المجلس البلدي قراره "أن عدد النازحين يبلغ ثلاثة أضعاف سكان البلدة، وهم يؤثرون سلباً في الواقع الاجتماعي والإنمائي والأمني".
يعتبر رئيس بلدية خربة داوود سعد الدين سعد الدين "أن الأمور بلغت مرحلة الذروة بسبب الضغط على البنى التحتية، واستهلاك الشبكة الكهربائية، والمياه والطرق، والتعديات على الأملاك العامة والخاصة، فضلاً عن الأسئلة الكثيرة التي تُطرح حول عمل بعض الجمعيات في البلدة التي ترفض خضوعها لسلطة البلدية ورقابتها".
من جهته، يبرز رئيس اتحاد بلديات الدريب الأوسط عبود مرعب الكتاب الذي وجهه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، والذي يظهر حجم الضرر الواقع على أهالي المنطقة، وخلص إلى موقف حاد: "لم نعد نريد المساعدات ولا نريد إيواء النازحين".
في الحصيلة، يعاني أهالي عكار من وطأة أزمة النزوح الكبيرة، وفي ظلّ سياسات الدولة والأمم المتحدة والفساد الذي يعتري توزيع المساعدات، تتعاظم نزعة المطالبة بطرد النازحين والتهديد به، وهو ما يزيد الطين بلّة ويشي بالمزيد من المشكلات للسكان والنازحين معاً.