أول من أمس، تبلّغ عدد من الناشطين من بلدة برجا، ممن اعتصموا خلال تموز الماضي ضد معمل الجية الحراري، أوامر تحصيل صادرة من المُديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، تنذرهم بوجوب تسديدهم مبلغ مليونين و225 ألف ليرة لبنانية، وذلك بدل نفقات معالجة كل من المؤهل م.ش. والعريف أ.خ.، اللذين أُصيبا خلال الإشكال الذي حصل وقتها بين المعتصمين والمُتظاهرين في محيط المعمل.
جاء هذا التبليغ بناءً لأحكام المادة 45 من قانون المُحاسبة العمومية الموضوع موضع التنفيذ بالمرسوم رقم 14969 تاريخ 31 كانون الأول 1963، ويقضي بدفع المبلغ في صندوق المال في قائمقامية بيت الدين، "ويحق للمُدعين الاعتراض على أمر التحصيل هذا أمام المحكمة العدلية الصالحة في محل الإقامة خلال شهرين من تاريخ التبليغ، مع لفت النظر إلى أن الاعتراض لا يوقف التنفيذ، إلا إذا قررت المحكمة ذلك جزئياً أو كلياً".
هذا القرار، يُذكّر بالقرار نفسه الذي اتخذته المُديرية منذ نحو سنة، الذي طالبت فيه عدداً من المُشاركين في تظاهرات "الحراك المدني" (صيف 2015) بدفع تعويضات لها كثمن أعتدة استعملتها القوى الأمنية لقمعهم وفضّ تظاهراتهم بالقوة، فضلاً عن نفقات معالجة العناصر المُصابين وبدل تعطيلهم عن العمل.
حينها، أُثيرت مسألة قانونية القرار، على اعتبار أن المادة 45 تتعلق بكيفية تحصيل ديون الدولة ووارداتها الأُخرى وإعطاء رؤساء الإدارات أوامر تحصيل الواردات والديون التي لم تُعين القوانين النافذة طرق تصفيتها وتحصيلها وإجراء الملاحقة بشأنها، وفقاً للأصول المتبعة في تحصيل الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة لها. وبالتالي، إن تحصيل حقوق مالية من مواطنين عن أضرار "مزعومة" تستوجب تحقيقاً وكشفاً عن الأضرار وقراراً قضائياً. من هنا، طرح بعض الحقوقين مسألة غياب المبررات التي تؤكد قانونية قرار كهذا، نظراً إلى غياب التحقيقات التي تُثبت أن المتظاهرين المدعى عليهم مديونون فعلاً للإدارة.

المُدعى عليهم هم شباب تظاهروا رفضاً لسموم معمل الجية

وكان الناشطون في بلدة برجا، قد استُدعوا بعد الاعتصام إلى التحقيق لدى مفوض الحكومة المعاون لدى محكمة العسكرية، القاضي سامي صادر، على خلفية الإشكال الذي وقع مع عناصر الجيش والقوى الأمنية. ولم يخرج الناشطون حينها إلا بعد اتصالات سياسية.
يقول مصدر متابع للملف لـ"الأخبار" إن "أمر التحصيل ليس بمثابة حكم صادر في الملف، الذي تمَّ تحويله إلى المحكمة العسكرية منذ استدعاء الناشطين إلى التحقيق قبل أشهر". أصلاً، توجد مخالفة بمحاكمة متظاهرين مدنيين أمام محكمة عسكرية استثنائية تعتري أحكامها الكثير من الشكوك والتعسف والتدخلات السياسية والأمنية. يستخدم المصدر التبرير المعهود لإحالة الملف على المحكمة العسكرية عبر القول إن "الإشكال أثناء التظاهرة كان مع عكسريين".
يشير مصدر قانوني إلى أنَّ "أوامر التحصيل منفصلة عن قرار الحكم، ويحق الاعتراض عليها لدى المحكمة العدلية، وفي حال لم يتم الأخذ بالاعتراض المقدّم أمام قلم المحكمة، عندها يتوجب دفع المبلغ المنصوص عليه"، لافتاً إلى أنه "في حال لم يتم تسديده، ستلجأ المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى تحصيل المبلغ عبر قنواتها الخاصة قانونياً".
تجدر الإشارة إلى أن المُدعى عليهم هم شباب تظاهروا رفضاً لسموم معمل الجية الحراري وللتقنين الذي يطال المنطقة. انتهى الاعتصام حينها بعد مواجهة بين المعتصمين والقوى الأمنية سقط خلالها جرحى بين الطرفين، وبعد اتصالاتٍ سياسيةٍ أدارها النائبان محمد الحجار وعلاء الدين ترو بين مؤسسة كهرباء لبنان والمعتصمين، إذ طلب حينها رئيس تيار المستقبل ورئيس مجلس الوزراء الحالي سعد الحريري من المتظاهرين الخروج من الشارع، مقابل وعود بمعالجة مشكلة التلوث وزيادة ساعات التغذية 5 ساعاتٍ إضافية، وتعيين لجنة خبراء لتحسين وضع المعمل الحالي، ريثما تباشر مؤسسة كهرباء لبنان باستبدال المعمل القديم بآخر جديد، يكون مطابقاً للشروط العلمية والبيئية. مرَّت الأشهر ولم يتحقق شيء من الوعود، وها هم المُعتصمون مُطالبون بدفع نفقات معالجة العناصر الأمنية!
بدورها، أصدرت منظمة الحزب الشيوعي في برجا بياناً اعتبرت فيه أنَّ "هذا القرار ظالم وجائر، وهو عقاب لجميع المتضررين من أهلنا في برجا والمنطقة". واستنكاراً للقرار، يعتزم عدد من الناشطين في برجا تنفيذ اعتصام يوم الأحد المقبل، أمام معمل الجية الحراري، في وجهِ ما اعتبروه "قمعاً للحريات من قبل السلطة السياسية الفاسدة".